ولد محمود مختار النحات، الذى أعاد لفن النحت المصرى مكانته فى الوجدان الشعبى يوم 10مايو سنة 1891بقرية طنبارة من قرى محافظة الغربية، وهى قرية صغيرة قريبة من مدينة المحلة الكبرى. كان أبوه الشيخ إبراهيم العيسوى عمدة للقرية، أما أمه نبوية البدراوى فكانت ابنة للبدراوى أحمد عمدة قرية نشا السابق الذى نفاه الخديو إسماعيل إلى السودان بسبب مواقفه المعارضة لسياسة إسماعيل، وقرية نشا تتبع مركز طلخا بمحافظة الدقهلية الآن، كانت نبوية البدراوى الزوجة الثانية للشيخ إبراهيم العيسوى، تزوجها بعد وفاة زوجته، وكانت فى سن أبنائه من زوجته الأولى، وقد أنجبت له ابنه مختار وبنتين أصغر منه، لكنها سرعان ما انفصلت عنه، وعادت إلى قريتها نشا، حيث نشأ مختار وأمضى طفولته وصنع تماثيله الأولى من الطين على ضفاف الترعة. ومع مطلع القرن العشرين انتقلت أم مختار للقاهرة لتعيش فيها بعد عودتها من رحلة للحج، وسرعان ما لحق بها ابنها مختار، وفى القاهرة شق مختار لنفسه طريقا جديدا لحياته عندما افتتح الأمير يوسف كمال مدرسة الفنون الجميلة بقصره بدرب الجماميز، أحد أحياء القاهرة، وعين فيها عددا من الأساتذة الأوروبيين، وكان مختار أول طالب يلتحق بالمدرسة الجديدة. فى سنوات الدراسة تبين أساتذته نبوغه وتميزه فى فن النحت، ونحت مجموعة من الأعمال تبقى منها القليل، من أشهرها تمثال ابن البلد ورأس زنجية والمتسول والتمثال النصفى لزميل دراسته محمد حسن، وعندما تخرج مختار فى المدرسة سنة 1911 أرسله الأمير إلى مدرسة الفنون الجميلة بباريس فى بعثة لاستكمال دراسته لفن النحت بناء على توصية أساتذته، وهناك أعاد اكتشاف مصريته. أدت ظروف الحرب العالمية الأولى وانقطاع طرق المواصلات إلى بقائه بفرنسا حتى نهاية الحرب، واضطر للعمل عاملا فى مصانع الذخيرة بعد انقطعت الأموال التى كانت تأتيه من مصر، وقبيل نهاية الحرب نجح فى الالتحاق بالعمل بمتحف جريفان للتماثيل الشمعية بباريس، ونحت تمثالا شمعيا لأم كلثوم احتل مكانه فى قاعة المتحف. وعندما قامت ثورة 1919 كان مختار بباريس، وصنع تمثال نهضة مصر الذى حقق التحام الشعب بالفن التشكيلى، وفى حياته الفنية القصيرة، التى أمضاها بين القاهرة وباريس نحت مختار قرابة مائة تمثال معظمها بمتحفه بحديقة الحرية بالجزيرة. لقد توفى مختار فى 27 مارس سنة 1934 وترك تراثا فنيا ضخما ومشروعات عديدة لم تكتمل، وأوراقا وصورا تشكل أرشيفا لحياته الفنية والخاصة، يضم عشرات الصور الفوتوغرافية لأعماله الفنية التى لم يعرف مصير بعضها، فضلا عن صوره الشخصية وصوره مع أصدقائه فى مناسبات متعددة، وبعض صور لأصدقائه وللشخصيات التى نحت لها تماثيلا، كما يضم هذا الأرشيف بعض الخطابات الشخصية، وبعض الأوراق الخاصة، كذلك يحوى أوراقا تتعلق بالعمل فى تمثال نهضة مصر، وبعض أوراق «جماعة الخيال»، التى شارك مختار فى تأسيسها فى العشرينيات من القرن الماضى، وكانت تضم مجموعة من الفنانين والأدباء المصريين والأجانب المقيمين فى مصر. وقد نشر بدرالدين أبوغازى مجموعة مهمة من وثائق مختار وصوره وأوراقه، التى يضمها أرشيفه الخاص فى كتابيه عن مختار: «مختار حياته وفنه» 1949، و«المثال مختار» 1964، وفى كتابه المشترك مع الناقد جبرائيل بقطر «مختار ونهضة مصر»، الذى صدر بالفرنسية عام 1950. لكن أرشيف مختار غنى بالصور والوثائق، التى لم تنشر من قبل، والتى تضم كثيرا من التفاصيل الصغيرة المهمة عن حياة مختار وفنه، وعن الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية، بل السياسية فى ذلك العصر، الذى عاش فيه مختار، وقد كان العصر عصر تحول فى تاريخ مصر. واليوم فى ذكرى ميلاده نقلب معا فى صفحات هذا الأرشيف وننشر بعضا من أوراقه وصوره.