فى أرشيف مختار مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية لأعماله الفنية، المعروفة وتلك التى فقدت، وفى هذه المجموعة أيضا صور فوتوغرافية شخصية لبعض أصحاب هذه التماثيل، وتكمل هذه الصور حكايات التماثيل. الصور لبعض التماثيل التى فقدت.. إنها مجموعة من التماثيل الشمعية التى نحتها مختار فى متحف جريفان بباريس بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، فقد كان مختار يعمل فى ذلك الوقت مديرا فنيا للمتحف، ونحت تماثيل لقادة الدول المشاركة فى مؤتمر الصلح بباريس، كما نحت تماثيل لبعض الشخصيات الفنية الأوروبية، منها تمثال لراقصة البالية آنا بافلوفا، والصورة لقاعة من قاعات العرض فى المتحف يتصدرها التمثال، وإلى جواره فى الصورة تمثال لأم كلثوم، وكان قد طُلب من مختار فى مطلع العشرينيات بعد أن ترك العمل بالمتحف أن يصنع تمثالا لشخصية تمثل الإبداع الفنى فى مصر، فاختار مختار أم كلثوم، وصنع لها هذا التمثال الشمعى، وهذه التماثيل التى تظهر فى الصورة دمرت للأسف أثناء الحرب العالمية الثانية، فعندما كانت مصر تحتفل بالمئوية الأولى لميلاد مختار سنة 1991 أرسلت جمعية أصدقاء متحف مختار رسالة لإدارة متحف جريفان تطلب منهم معلومات عن مختار وتماثيله لديهم، فجاء الرد أن المتحف دمر بما فيه من أعمال وسجلات أثناء الحرب العالمية الثانية، فأرسلنا نحن لهم صورا لما لدينا من تماثيل وأوراق تخص فترة عمل مختار بمتحفهم. ورغم أن مختار صنع تمثالا آخر لأم كلثوم، هو تمثال نصفى صغير، فالتمثال مجهول المصير، ولا يعرف أحد إن كان مختار قد أكمله أم لا؟ والمصدر الوحيد لمعرفتنا بالتمثال صورته المنشورة هنا، والصورة للتمثال منحوتا فى الطين لم يصب بعد، والصورة من أرشيف مختار وهى منشورة فى كتاب بدر الدين أبوغازى المثال مختار، وأذكر جيدا أن بدر الدين أبوغازى سأل السيدة أم كلثوم ذات مرة فى منتصف الستينيات عن مصير هذا التمثال، فأبدت استغرابها التام وأخبرته أنها لا تعرف شيئا على الإطلاق عن هذا التمثال! وأعتقد أن مختار نحت التمثال من صورة فوتوغرافية لأم كلثوم، وهى صورة موجودة بالفعل فى أوراقه الخاصة ترتدى فيها أم كلثوم عصبة رأس تماثل تماما تلك التى نحتها مختار فى تمثاله لها. من أعمال مختار الأولى التى ترجع إلى مرحلة الدراسة بمدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز التمثال المعروف بتمثال «رأس زنجية» الموجود إلى الآن بمتحف مختار، والتمثال دراسة لوجه بشرى من خلال نحت وجه موديل حى، من ذلك النوع من التماثيل التى يتعلم من خلالها الطلاب فى كليات الفنون فن النحت. فى أوراق مختار الشخصية اكتشفت دفترا صغيرا مجلدا بالكرتون الملون فى حجم جوازات السفر، إنه «شهادة تحقيق شخصية للخدامين» صادرة عن نظارة الداخلية فى 10 فبراير 1917، والشهادة باسم مرسيلة عبدالله المولودة بالسودان والمقيمة بالداودية بالدرب الأحمر، سنها 50 سنة وتعمل طباخة، وتحمل الشهادة المدونة بالعربية والإنجليزية صورة الست مرسيلة، ومن النظرة الأولى يتضح أن الصورة لصاحبة البورترية المعروف باسم رأس زنجية، ومرسيلة هذه كما عرفت من الحكايات الأسرية، طباخة كانت تعيش مع أسرة مختار، وهى طفلة سودانية خطفها تجار الرقيق وباعوها فى مصر قبل إلغاء الرق، واشتراها جد مختار لأمه فى أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر، وتحررت مثل غيرها لكنها ظلت مرتبطة بالأسرة التى تربت فى كنفها، وعندما كان مختار طالبا فى مدرسة الفنون كان وجه مرسيلة أول وجه نسائى خلده فى تمثال. من بين أعمال مختار التى يحتفظ بها متحفه فى القاهرة بورتريه نصفى لسيدة، يحمل التمثال اسم مدام A.H، وفى أرشيف صور مختار صورة شخصية لتلك السيدة، بالإضافة لصورتين أخرتين لها أثناء زيارة سعد زغلول وحسين رشدى وويصا واصف لموقع العمل فى تمثال نهضة مصر. كان التمثال يوصف دوما بأنه تمثال سيدة أمريكية، من الأوراق الخاصة لبدر الدين أبوغازى نعرف من هى مدام إيه إتش، يقول عن لقائه الأول بمارسيل دوبرى صديقة مختار الفرنسية فى أكتوبر 1969: «وأجابت ضمنا عن سؤالى حول تمثال مدام إيه إتش، ومن تكون صاحبته؟ أشارت إلى أن هناك فى صداقات مختار سيدة صامتة ذات طابع كهنوتى كانت تلتقيه». يستطرد بدر الدين أبوغازى قائلا: «لم تكن تعلم أن سؤالى قد لقى جوابه، وإن الجواب كان أقرب مما أظن حين أرسلت لى مارى لويز ديبوا خطابا تشير فيه إلى أنها رأت تمثالها على الشاشة الصغيرة، وسمعت تعليقا يشير إلى أنه لسيدة أمريكية، بينما هى صاحبة التمثال، وصديقة مختار التى عاصرت أيام نهضة مصر وجماعة الخيال، ومازالت هنا تعيش بيننا فى الإسكندرية. « (الخطاب يرجع لعام 1969). تمثال عبدالخالق باشا ثروت من تماثيل الشخصيات التى نحتها مختار، وتوجد من التمثال نسخة من الرخام بمتحف مختار، ونسختان من البرونز واحدة لدى أسرة مختار والثانية لدى أسرة عبدالخالق ثروت. وفى أرشيف مختار مجموعة من الصور المرتبطة بالتمثال منها ست صور تمثل مراحل تشكيل مختار للتمثال الذى نحته مختار فى ست ساعات، وصورتان شخصيتان لعبدالخالق ثروت أثناء جلسته أمام مختار وهو يشكل تمثاله. أما مارسيل صديقة مختار المفضلة كما تصف نفسها، فلها صورة تجمعها بمختار فى حفل شاى وإلى جوارهما النسخة الحجرية لتمثال عروس النيل ومارسيل تتطلع إليها بنظرة لها مغزى، صورة أعرفها منذ زمن رأيتها فى أوراق مختار ورأيتها عندما نشرها بدرالدين أبو غازى فى أحد كتبه عن مختار. لكنى فهمت مغزى نظرة مارسيل إلى التمثال عندما أرسلت قبيل وفاتها مجموعة من تذكراتها وصورها الخاصة إلى من تبقى من أسرة مختار فى أواخر التسعينيات من القرن الماضى، فقد كانت تعتبر أنها تنتمى إلى هذه الأسرة، وكان من بين الصور صورتها ترتدى تاج عروس النيل. أكمل مختار عمله فى تمثال نهضة مصر تماما فى أواخر عام 1926، ولم يزح الستار عن التمثال إلا فى 20 مايو 1928، والسبب هو أن الملك فؤاد كان يرى أن ما قام به مختار من اختيار الفلاحة المصرية رمزا للنهضة هو تحدٍ لسلطة القصر وتحد للحاكم المطلق، فحتى ذلك الوقت لم يكن هناك تمثال فى أى ميدان فى القاهرة إلا تماثيل أفراد الأسرة الحاكمة أو تماثيل رجال الدولة الكبار مثل نوبار باشا ولاظوغلى وسليمان باشا الفرنساوى، وحتى تمثال الزعيم مصطفى كامل لم يُسمح بإخراجه من مكانه فى مقر الحزب الوطنى ومدرسة مصطفى كامل إلا بعدها بسنوات طويلة، فكان اختيار الفلاحة المصرية رمزا لنهضة مصر تحديّا للسلطة، والذى زاد من ضراوة هذا التحدى أن مختار وقد أصبح النحات الأول فى مصر الذى تلتف الجماهير حول فنه لم يصنع تمثالا واحدا للملك فؤاد، وعندما وجه له بعض أصدقائه النصح بضرورة عمل بورتريه نصفى للملك حتى يرضيه بدأ فى تشكيل تمثال نصفى لفؤاد أبدى الملك ملاحظات عليه من الناحية الفنية، فما كان من مختار إلا أن دمر التمثال تماما ولم يكمله ولا توجد له إلا صورة فى مرسمه فى مرحلة التشكيل بالطين ولم يستكمله بعدها، كما كان مختار يحتفظ بصورتين شخصيتين لفؤاد يبدو أنه كان يشكل تمثاله منهما، ويذكر بعض أصدقاء مختار أنه بعد أن حطم التمثال نحت تمثالا آخر يسخر فيه من فؤاد، لكن بعض أصدقائه عندما شاهدوا التمثال دمروه حماية لمختار من بطش فؤاد به.