اعتبر رعاة الاتفاق (الذي أبرم بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف وكل من السعوديين وعائلة الحريري قبل سبع سنوات، والذي انقذ رئيس الوزراء الاسبق الذي اطاح به مشرف في انقلاب عسكري من السجن المؤبد شريطة موافقته على قضاء عشر سنوات من النفي في المملكة العربية السعودية) ان عودة نواز شريف الى بلاده قبل انقضاء مدة السنوات العشر، نكث بالوعد الذي قطعه شريف على نفسه بينما اعتبر هو الآخر انها عودة مظفرة ولكن لسوء حظه فلم يجد حشدا مليونيا ينتظره في المطار، كما لم تنفجر حركة جماهيرية في البلاد لمناهضة حكومة مشرف. لقد كانت تصرفات وتصريحات شريف على مدى الاسبوع المنصرم توحي وكأنه يظن نفسه مانديلا باكستان او خميني باكستان. لقد اراد اعادة مشهد عودة الخميني الى طهران حيث كرر غير ذات مرة بأن اي سجن في باكستان غير قادر على احتوائه. ما من شك في ان نواز شريف يتمتع بتأييد شعبي هائل ولذلك قامت الحكومة باعتقال الآلاف من انصاره لكنه اخطأ الحسابات تماما حيال ردة فعل المؤسسة الباكستانية فما ان هبطت طائرته على ارض المطار حتى اقتاده ضباط الامن واعادوه الى المملكة السعودية وهذه نتيجة لا ترضي شريف الذي يعتبر نفسه زعيما منتظرا لباكستان ولم يكن يتوقعها ويقول البعض ان الخطوة التي اقدمت عليها الحكومة تمثل - من جهة - ازدراء للمحكمة العليا التي اصدرت حكمها أخيرا بضرورة السماح لشريف بالعودة بحرية ومن جهة اخرى، يعتقد البعض ان شريف كذب على الامة حين نفى وجود اتفاق ينص على موافقته على البقاء في المنفى لمدة عشر سنوات مقابل اسقاط الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. لقد ادين شريف بالارهاب والخطف من قبل انقلاب برويز مشرف عام 1999 قبل التوصل الى الاتفاق بابعاده الى السعودية. وكان شريف قد جادل في لندن قبل ايام انه على الرغم من ان الاتفاق ينص على بقائه لعشر سنوات في المنفى، فان سعد الحريري الذي قاد الوساطة بين الحكومة الباكستانية والحكومة السعودية لضمان الافراج عن شريف آنذاك سبق ان وعده بأن الاتفاق سيسري لخمس سنوات فقط. آذان صماء ويعتقد ضامنو الاتفاق، انه اتفاق اخلاقي بين رجل وحكومة ذات سيادة وان له قوة تفوق اي اتفاق سياسي. وكانت المملكة العربية السعودية قد تدخلت في اوقات الازمات في باكستان في الماضي، فقد كان السفير السعودي في اسلام اباد رياض الخطيب هو المسؤول عام 1977 عن المصالحة بين الرئيس ذو الفقار علي بوتو والمعارضة. وحتى في ازمة مسجد لال الاخيرة حاول امام الحرم المكي اقناع المتشددين الذين اعتصموا بالمسجد بانهاء اعتصامهم سلما، ويرى السعوديون ان استقرار باكستان وجيشها يمثلان هدفين مهمين لاستراتجيتهم السياسية. ويحار المحللون في تفسير سبب تسليط الامير مقرن بن عبدالعزيز وسعد الحريري الضوء على بنود هذا الاتفاق الذي ظل طي الكتمان طوال السنوات الماضية، فمن النادر ان يبدي السعوديون تحيزهم، لا سيما في القضايا الحساسة كهذه. لم يأت الملايين إلى المطار لقد كان نواز شريف يأمل ان يجد الملايين من المؤيدين في انتظاره لدى هبوط طائرته في مطار اسلام اباد، لكنه ما وجد ضابطا تابعين لاجهزة الامن فمن الواضح ان دعوته لخروج الملايين الى الشوارع لاستقباله لدى عودته قد وقعت على آذان صماء ولسوء الحظ ان زعماء العالم الثالث لا يفهمون ان الثورات لا يصنعها اناس يفتقرون للشهامة والصبر او يملكون القصور في عواصم العالم. فالثورات الاخيرة اطلقها عمالقة من امثال غاندي ومانديلا اللذين لم يمتلكا القصور في لندن او مصانع الصلب في المملكة العربية السعودية او الشركات حول العالم التي تزيد موجوداتها عن عدة مليارات من الدولارات. لقد تحولت عودة شريف الى مرارة، والسؤال الآن هو هل سيتضامن الناس مع حزبه ويخرجون الى الشوارع للتنديد بعملية ابعاده؟ وهل ستؤدي الاضرابات التي دعا اليها حزبه الى زعزعة حكم مشرف؟ وهل سيعتبر رئيس المحكمة العليا افتخار شودري ما حدث ازدراء للمحكمة؟ فالدراما بدأت للتو.ويعتمد استقرار باكستان خلال الايام المقبلة على ردة فعل المحكمة العليا على ما حدث، والذي سيعتمد بدوره على ردة فعل الشارع؟ فاذا تبين ان تحرك الشارع لا يشكل تهديدا لحكومة مشرف يكون الاخير قد ادار الصراع بنجاح على الرغم من ضعفه السياسي الواضح. والشخص الوحيد القادر على انقاذ مشرف الآن ربما تكون رئيسة حزب الشعب الباكستاني بي نظير بوتو، فالسياسة تجمع بين المتناقضات احيانا، فالدراما الباكستانيةالراهنة فيها الكثير من عناصر الخديعة والمؤامرة ويمكن ان تقود الى نتائج لم تكن في حسبان ابطالها.