أعلن الكرملين ان توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسومًا يعلق تطبيق روسيا معاهدة القوات التقليدية في أوروبا التي تحد من انتشار الأسلحة لم يأت مفاجئًا، إذ أن الرئيس بوتين سبق وأن هدد أكثر من مرة -جاء آخرها في خطابه السنوي للأمة في أبريل الماضي بتجميد مشاركة روسيا في ذاك الاتفاق- بالانسحاب من تلك المعاهدة بسبب اقتراب الانتشار العسكري الأمريكي من حدودها والمتمثل خصوصًا في مشروع نشر الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ في أوروبا. الإعلان الذي جاء بسبب رفض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي المصادقة على صيغة (معدلة) من تلك المعاهدة عام 1999 في اسطنبول يعيد من جديد مناخ الحرب الباردة في أوروبا ويضع دول أوروبا الشرقية بشكل خاص أمام تحدٍ جديد لم تألفه منذ العام 1968 عندما اجتاحت الدبابات الروسية براغ. رد فعل دول الناتو جاء سريعًا عندما قررت دول الحلف ال26 الالتقاء بدءًا من 26 من الشهر الجاري، لبحث الوضع بعد تعليق روسيا تطبيق المعاهدة الذي اعتبره المتحدث باسم الناتو جيمس أبارتوراي مخيبًا للآمال واصفًا تلك الخطوة بأنها خطوة للوراء لأن هذه المعاهدة بالنسبة للحلفاء في الأطلسي -على حد قوله- «أساس هام للأمن والاستقرار في أوروبا». المعاهدة المبرمة في 19 نوفمبر 1990 في باريس بين حلف الأطلسي وحلف وارسو والتي دخلت حيز التطبيق عام 1992 جرى تعديلها عام 1999 في اسطنبول للأخذ بالاعتبار انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو. وكان هدف المعاهدة الأول -عندما كانت المواجهة بين الشرق والغرب توشك على نهايتها- الحد من قدرات كافة الأطراف على شن هجوم مفاجئ أو المبادرة بعمليات هجومية واسعة النطاق. لكن معاهدة القوات التقليدية في أوروبا لم تدخل بعد حيز التنفيذ في صيغتها المعدلة بسبب اختلافات بين الحلف الأطلسي وروسيا حيث رفضت الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي المصادقة على صيغة جديدة طالما لم تسحب روسيا قواتها من الروسية من إقليمي ابخازيا في جورجيا وترانز-نيستر في مولدوفا. طبقا لالتزامات قطعتها في اسطنبول. وكانت روسيا صادقت على المعاهدة المعدلة عام 2004. وعلق المرسوم دور روسيا في «معاهدة القوات التقليدية في أوروبا»، والتي تحد من الأسلحة الثقيلة المنتشرة بين منطقة المحيط الأطلسي وجبال الأورال. ووصف بيان أصدره الكرملين الأسباب التي دعت لاتخاذ هذه الخطوة ب«ظروف غير عادية.. تهدد أمن الاتحاد الروسي وتستوجب إجراءات فورية». وكانت روسيا قد هددت بالانسحاب من المعاهدة متهمة الغرب بالفشل في التصديق على نسختها المعدلة الموقعة عام 1999 لكي تستوعب الوضع الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن بلاده لم تعد تتحمل وضعا تنصاع بموجه للاتفاقية بمفردها وعبر عن أمله في أن تشجع الخطوة الروسية الدول الغربية على الالتزام بالمعاهدة بعد تعديلها «الاتجاه الخاطئ». ووقع الطرفان المعاهدة في نسختها الأولى عام 1990 وتم تعديلها عام 1999 وصدقت عليها موسكو لكن الناتو لم يقرها واشترط سحب القوات. من جهة أخرى، وصف حلف شمال الأطلسي (الناتو) القرار الروسي بأنه «خطوة في الاتجاه الخاطئ». وقال إن الحلفاء «يعتبرون معاهدة القوات التقليدية في أوروبا ضمانا مهما للأمن الأوروبي. وتم توقيع المعاهدة -التي تنظم أعداد الجنود والأسلحة الثقيلة والطائرات المقاتلة المنتشرة في القارة- بعد ثماني سنوات من حل حلف وارسو. الدرع الصاروخي. ويقول محرر (بي بي سي) للشؤون الأوروبية، مايك سوندرز، إن المخططات الأمريكية بشأن إقامة درع صاروخي في أوروبا هو ما أدى لهذا الموقف الروسي. وقال الخبير العسكري حسام سويلم لبي بي سي العربية: إن الخطوة الروسية ستتبعها خطوات أخرى مثل تعطيل اتفاق ستارك 3 والاتفاقات المتعلقة بالتخلص من المواد المشعة مثل البلوتونيوم. وأضاف أن هذه الخطوة تشكل جزءًا من تهديدات بوتين السابقة ومن ضمنها توجيه ضربات لمواقع عسكرية تشكل تهديدًا للأمن الروسي. وقد هددت موسكو بتوجيه صواريخها نحو أهداف في قارة أوروبا إذا استمرت الولاياتالمتحدة في خططها الرامية لنشر درع صاروخي في القارة، وقالت إن المخططات الأمريكية تهدد أمنها القومي والتوازن العسكري في أوروبا. وقد اقترحت روسيا على الولاياتالمتحدة استخدام محطة رادار في أذربيجان وأخرى قيد الإنشاء في جنوبروسيا عوضا عن إنشاء الدرع الصاروخي. وقد وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش الاقتراح بأنه «فكرة جديدة» ولكنه أكد أن الولاياتالمتحدة ستمضي قدمًا في تصوراتها حول إنشاء محطة رادار في التشيك وقاعدة صاروخية في بولندا. وأكدت الولاياتالمتحدة أن درعها الصاروخي ليس موجهًا ضد روسيا، بل ضد من تسميهم «الدول المارقة» كإيران وكوريا الشمالية.