ألغت روسيا مشروع خط أنابيب "ساوث ستريم South Stream" لتوريد الغاز إلى جنوب أوروبا ، بعد اعتراضات و ضغوط الاتحاد الأوروبي، فى الوقت الذى تم فيه الاعلان عن اختيار "تركيا" لتكون الشريك المفضل لمسار إقامة خط الانابيب البديل، مع وعد بتقديم حوافز وخصومات ضخمة لها . و مع احتدام الخلاف بين الاتحاد الأوروبي،و موسكو بشأن أزمة أوكرانيا، وحرصا على تقليل الاعتماد على الطاقة من روسيا، رفضت بروكسل مشروع خط أنابيب " التيار الجنوبى" الذى سيتكلف نحو40 مليار دولار ، و يعبر الى اراضى الاتحاد الأوروبي عبر بلغاريا وهو الامر الذى دعا الرئيس الروسى " فلاديمير بوتين " لاتهام الاتحاد الأوروبي ، بالتسبب فى حرمان بلغاريا من حقوقها السيادية ، و هى دولة تعتمد اعتمادا كبيرا على الغاز الروسي ، مشيرا ان عرقلة المشروع " ضد المصالح الاقتصادية في أوروبا ويسبب الضرر لبعض الدول ". موسكو ترشح تركيا بديلا عن بلغاريا و لحل مشكلة نقل الغاز لجنوب اوربا ، قررت موسكو استبدال المسار بخط أنابيب تحت البحر يمر عبر تركيا، بقدرة 63 مليار متر مكعب من الغاز سنويا ، أي أكثر بأربع مرات من المشتريات السنوية التركية من غاز روسيا، لتأخذ ما تحتاجه بخصومات محددة ، على ان يتم نقل الباقى للدول الاخرى فى جنوب اوربا. "اليكسي ميلرAlexei Miller" الرئيس التنفيذي لشركة " جازبروم Gazprom " الروسية ، التي تسيطر عليها الدولة ، الذى صاحب الرئيس الروسى الاثنين فى زيارة لانقرة لمدة يوم واحد ، ابلغ الصحفيين ان مشروع " التيار الجوبى " قد تم اغلاق ملفه ، و ان روسيا سوف تمنح تركيا خصم 6% على واردات الغاز من روسيا للعام المقبل، وامدادها بزيادة تقدر بنحو 3 مليارات متر مكعب من الغاز هذا العام.. وقال "ميلر" ان جازبروم ، قد وقعت مذكرة تفاهم مع شركة "بوتاس"التركية لمد خط أنابيب تحت البحر الاسود الى تركيا. وقال وزير الطاقة الروسي "الكسندر نوفاك" ان الخطة مازالت في مراحلها الاولى ، و قد صدرت أوامر لوزراء الطاقة والشركات (على الجانبين) للنظر في هذه المقترحات بالتفصيل .. ومن الصعب تقييم التكاليف، والآليات المالية، في الوقت الراهن.. كذلك فان المفاوضات مازالت قائمة حيث ترغب " انقرة " فى الحصول على نسبة خصم تقدر بنحو 15% على امدادات الغاز الروسى . التعاون الروسى – التركى يعمق خلافات انقرة مع بروكسل و لكن يبقى السؤال هل ستتعاون انقرة مع موسكو فى تنفيذ خط الانابيب ، من حيث المصلحة المشتركة ، مرور خط الانابيب باراضى تركيا سيسمح لها بفوائد اقتصادية كبرى ، اولها ضمن امدادات الغاز ، ثانيا الخصومات التى ستنالها فى اسعار وارداتها منه .. لكن ومع ذلك، تركيا باعتبارها مرشحة للانضمام للاتحاد الاوربى ، سوف يؤدى تعميق علاقاتها في مجال الطاقة مع روسيا ، الى اثارة دهشة أوروبا والولايات المتحدة، حيث تفرض القوى الغربية عقوبات اقتصادية على موسكو بشأن أعمالها في أوكرانيا، كذلك تحاول أوروبا ايضا خفض الاعتماد على الطاقة من روسيا ، والتي تمدها بنحو 30 في المئة من احتياجاتها من الغاز، و نصف هذه الكمية يمر عبر أوكرانيا. و بالطبع تعى موسكو هذا ، لذا اعلنت على لسان الرئيس التنفيذي لشركة " جازبروم" مجموعة من الحوافز ليسيل لعاب تركيا و ترضى بالمخاطرة ، حيث قال " ميل" : "ومع تطور تعاوننا وتعمقه، أعتقد أننا سوف نكون على استعداد لإجراء مزيد من التخفيضات في الأسعار … و يمكن ان يصل مستوى سعر الغاز لتركيا كما هو مستوى السعر الذى تحصل عليه ألمانيا اليوم". وعرقلة خط أنابيب "ساوث ستريم" تكشف الشقوق في استراتيجية الاتحاد الأوروبي ، فدول كالمجر والنمسا وصربيا وبلغاريا وغيرها كانت ترى المشروع بديلا يجنبها خطر تكرار تعطل الامدادات عبر أوكرانيا.. في حين تراه كل من بروكسل وواشنطن ، انه يرسخ قبضة موسكو على نظم امدادات الطاقة لأوروبا. وقال " كارلوس باسكوال Carlos Pascual " ، و الذي كان حتى وقت قريب هذا العام ، واحدا من كبار دبلوماسي الطاقة في وزارة الخارجية الأمريكية، " ان الغاء المشروع مما لاشك فيه يسب اضرار لاوربا ، ولكن يمكن للمرء أن يجادل أنه في النهاية سيوفر المال للمستهلكين الأوروبيين بالغاء خط الانابيب ، فالتكلفة العالية غير ضرورية التي لن تضيف أي امدادات جديدة ، و ان إجراءات العقوبات المفروضة على جازبروم يمكن أن تظهر آثارها على روسيا و قد تكون عاملا لوقف عدوانها تجاه أوكرانيا". و يتفق مع هذا الرأى " ميخائيل كورشمكين Mikhail Korchemkin "، و هو احد كبار محللى الطاقة لدى جازبروم ، الذى يرى ان قرار بوتن بغزو شبه جزيرة القرم ، قد وضع عائقا اساسيا امام مشروع التيار الجنوبى ، و العقوبات قد تكون عاملا حاسما فى عرقلته . ويضيف " كورشمكين " ان شركة غازبروم كانت قادرة على جمع المال اللازم لهذا المشروع الا انه فى ضوء العقوبات اصبح هذا مستحيلا . و لكن تبقى حقيقة ان روسيا بالفعل هى المورد الرئيسي للطاقة في تركيا، وثاني أكبر شريك تجاري لتركيا بعد ألمانيا ، وقد تفوق تلك المصالح الاقتصادية الخلافات السياسية العميقة معها حول اوكرانيا ، و سوريا التى تشهد حرب أهلية منذ أربع سنوات .. فبينما روسيا تدعم الرئيس السوري بشار الأسد، ينتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة و صخب ، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، و روسيا على وجه الخصوص للمماطلة في الاستجابة الدولية للحرب.. و قد قال اردوغان فى مؤتمره المشترك مع بوتن "الرئيس (بوتين) لديه تقييم مختلف عما لدينا ، ونحن نتفق ان هناك حاجة إلى حل، لكننا نختلف حول الوسائل" .