** في ملف سكك حديد مصر مفارقتان.. نفس النتيجة رغم مرور الزمن السحيق.. عن تلاقي الوسيلتين.. فقد عرفت مصر السكة الحديد كثاني دولة.. أو ثالث دولة في العالم بعد بريطانيا بلاد الفحم وصاحبة ابتكار البخار كطاقة رخيصة بعد النار والماء.. وان عابها المكان الواسع الذي يحتاج إليه تخزين الفحم.. وعمل الخط الأول بين القاهرة "باب الحديد" والاسكندرية بدواوين فارهة علي النظام الانجليزي.. ثم اتصل الخط ليصل إلي أسوان حدود مصر الجنوبية.. ليغير من طبيعة المكان.. وتوفرت وسيلة مواصلات آمنة ومريحة من ميناء الاسكندرية مباشرة إلي أسوان.. وكما للقاهرة محطتان باب الحديد والجيزة.. أصبح للاسكندرية محطتان.. محطة مصر والرمل.. وبمرور الوقت تفرعت أغصان الشجرة.. في شبكة مواصلات تصل إلي كل مكان في غزة.. الاسماعيلية.. بورسعيد.. السويس.. الفيوم.. مع محطات محورية للمناورات وتحويل المسار.. يتقدمها بنها وطنطا والمنصورة.. وتحولت سكة حديد مصر إلي شبكة متكاملة قامت عليها صناعات وسيطة.. مثل ورش الصيانة.. وشركة النوم.. والمأكولات.. وإدارة البوفيهات الخ.. وفرضت السكة الحديد جاهزيتها لنقل البضائع بتكلفة ضئيلة جدا.. فعرفنا خطوط وعربات البضاعة التي وصلت إلي المناجم والمحاجر.. ولعبت الدور الأساسي في نقل خام الحديد من جبال اسوان إلي مصانع حلوان. ** استطاعت السكة الحديد أن تكون وسيلة المواصلات رقم 1 بإضافات قليلة منها خطوط المناشي وشبين القناطر والسويس.. وحتي بعد أن دخلنا عصر مترو الأنفاق بالخط الأول.. الذي استأثر بخطي المرج وحلوان.. لم نهمل الخطوط المساعدة.. فالقضبان لا تشكو من القطارات التي تسير عليها.. وتواصلت الخدمة نظرا للاعداد الكبيرة من المواطنين التي تستخدم القطار لنصل إلي المفارقة التي يعيشها المترو والسكة الحديد.. من الناحية الأساسية ونعني التخلف الواضح في خدمة الركاب بمقاعد مريحة.. وتكييف هواء سليم.. ودورات مياه نظيفة.. أولا لا يوجد في المترو مع سرعة السير اي دورة للمياه.. وهذا ما نلمسه في مترو الدول العريقة.. مثل موسكو وباريس ولندن.. ولكن حدث ولا حرج عن محطاتهم تحت الأرض بأكثر من طابق.. والتي تعد بجد متحفا فنيا مفتوحا.. والتكييف العامل علي مدي ال 24 ساعة.. والكراسي الفسيحة.. ولكن عندنا للأسف مجرد مراوح سقف صغيرة.. لا تعمل إلا بعد المشاجرة مع السائق ومساعده.. والكراسي الجلدية منزوعة ليحل محلها كراسي بلاستيكية موضوعة بشكل رمزي.. وبقية المساحة يكون الركاب فيها وقوفا.. فالمفارقة واضحة إذن أننا في الريادة والخطوات التالية لم نعط الاهتمام الكافي لصيانة العربات ونظافتها.. وربما لانزال ضمن بلاد قليلة تعرف الدرجة الثالثة.. وحدث ولا حرج عن التسيب في الخروج بالقطار إلي رحلته المكررة.. والاجراءات التي نهملها رغم ضرورة اتخاذها.. ونفقد للأسف ثقافة الاضطرار في الاستخدام.. لكن نملك بالتأكيد بنية تحتية قوية.. لا تحتاج إلا لرتوش قليلة.. وتبصير للركاب بمسئولياتهم وسلوكياتهم المطلوبة.. ويجب بالطبع أن تملك الهيئة المشرفة علي إدارة السكة الحديد الآليات للاعلان بصدق عن خطواتها المقبلة. ** ولعل من أهم هذه الخطوات.. فكرة إخراج القطار من محيط العاصمة القديمة.. المزدحمة والمكدسة.. وقد كان هناك في السبعينيات فكرة متداولة.. ليتوقف قطار وجه بحري عند شبرا الخيمة أو قليوب.. وقطار الوجه القبلي عند الجيزة.. مع توفير دوائر مواصلات عامة ونقل جماعي.. تغطي احتياجات الركاب القادمين.. والذين أكدت الاحصائيات ان معظمهم يأتي لقضاء مصالح له في دواوين ومستشفيات العاصمة.. ظلت الفكرة نائمة أحيانا.. ثم تطلق في الجو أحيانا أخري.. إلي أن كشف وزير النقل مؤخرا.. عن دراسات لتوسعة محطتي قليوب والمنيب.. لاستقبال قطارات الوجه البحري والقبلي.. مع دراسات أخري لبدائل في 6 اكتوبر أو العاشر من رمضان.. والتي يقوم رجال الأعمال بتسيير خط للقطارات فيها.. يستخدمه الموظفون القادمون من المحافظات الغربية.. بالإضافة لمشروع ربط مدينة السادات بخط قطار إلي برج العرب الجديدة.. والمدينة المليونية المرتقبة علي الساحل الشمالي.. ويساند هذا التفكير استكمال الشبكة الرباعية لمترو الأنفاق لتغطي مساحة كبري تحت الأرض.. والاستفادة من خطوط المترو السطحي والترام الذي ألغي من بعض أحياء المدينة ليتوجه من خارج حدود القاهرة إلي المدن العمرانية والصناعية.. الشروق والعبور والعاشر من رمضان لتشجيع السكان علي الاستيطان بها.. نقل قلب القاهرة المزدحم إلي نقاط أخري تحتمل متطلبات المستقبل. ** والواقع ان هذه نظرة صائبة.. يؤيدها ما نلاحظه في بعض الدول المتقدمة التي اكتشفت منذ زمن طويل وعند تخطيط شبكة النقل والطرق فيها.. ضرورة تكامل وسائل المواصلات العامة.. وجعلها تصب في خدمة محطة مركزية.. هذا ما فعلته النمسا عندما أقامت 4 محطات رئيسية لقطار الشرق السريع القادم من كل مكان إلي العاصمة فيينا.. بحيث ينزل الركاب عند الأطراف.. ويستكملون الرحلة بالوسائل المتاحة من أتوبيس وترام وقطار ضواحي.. وهو نفس ما فعلته ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية.. عندما خطط العلماء للعاصمة برلين.. بمجموعة من الدوائر والمربعات والمثلثات تستقبل الراكب حسب الخرائط المعلقة في الشوارع والتي يحفظها كل ألماني عن ظهر قلب "كذلك الوضع في فرنسا حيث يحرص الراكب علي طلب خريطة المترو لباريس مع تذكرة الاسبوع".. يجد عليها المحطات والشوارع وكل ما يحتاج إليه من معلومات.. ولتشجيع الركاب.. ولإنجاح المشروع فإن من حقك استخدام التذكرة المزدوجة في المترو والقطار والأتوبيس طالما لم تخرج من حدود المحطة. ** وليس هناك ما يمنع من الاستفادة بتجربة المحطات المزدوجة.. وايفاد خبراء للاطلاع علي الطبيعة علي أحوال مواصلات العواصم الأوروبية موسكو وباريس ولندن وبرلين.. كما نقترح علي وزير النقل أن يطرح مشروعه للحوار المجتمعي.. بين المصريين جميعا.. وليس أهالي الجيزة والقليوبية معا.. ومن يدري فقد نكون قد اكتشفنا المفتاح السحري لإنقاذ السكة الحديد.. نقلاً عن جريدة الجمهورية