دون سابق إنذار, انفجر بركان الغضب, واشتعلت أزمة المقطورات إلي حد الإضراب, بهدف شل حركة النقل, وإجبار الجهات المعنية علي التراجع بشأن فرض ضرائب عليها. وكذلك التحايل علي المهلة المقررة بشأن توفيق أوضاع المقطورات, وتعديلها, بما يقلل من مخاطرها الشديدة علي الطرق والبشر وحركة المرور!وفي ظروف غامضة صارت المقطورات تتحكم في نقل96% من البضائع وهنا نسأل: لماذا تركت السكة الحديد ووحدات النقل النهري الملعب فارغا أمام المقطورات, حتي استحوذت علي سوق النقل؟ ولماذا لم تعالج السكة الحديد أوجه القصور لكي تستعيد عصرها الذهبي في نقل البضائع؟ ولكي تتجنب ماسببته المقطورات للطرق من دمار, ولكي نوقف نزيف الحوادث ونتغلب علي الزحام المروري الذي سببته في مختلف الطرق, يبقي الأمل معقودا علي النقل النهري كبديل آمن لنقل البضائع, فالوحدات النهرية كما يؤكد اللواء كريم أبو الخير رئيس الهيئة العامة للنقل النهري تنقل مابين2,5 مليون طن وحتي2,9 مليون طن من البضائع سنويا, وفقا لعدد الوحدات النهرية المصرح لها بنقل البضائع, والمسجلة لدي الهيئة والذي يقدر بنحو292 وحدة نهرية, مشيرا إلي أن مهمة الهيئة تنحصر في انشاء الأهوسة الجديدة وصيانة الأهوسة القديمة وتطهير المجري الملاحي وتقديم المساعدات الملاحية كأعمال الرفع المساحي الدوري لإزالة الاختناقات من المجري, وقد تم خلال العام الماضي ازالة نحو14 مليون متر مكعب من الرمال بتكلفة بلغت237 مليون جنيه. ويجري حاليا استخدام النقل النهري في نقل القمح من دمياطوالإسكندرية إلي القاهرة وصولا إلي محافظة المنيا حيث جري نقل180 ألف طن من القمح خلال الشهور الستة الأخيرة, كما أن تكلفة النقل النهري تنخفض عن النقل البري بما يتراوح بين15 جنيها و20 جنيها للطن الواحد من البضائع. وربما لايعرف الناس أن كل مليون طن يجري نقلها عبر النهر لمسافة200 كيلو متر توفر علي الدولة نحو39 مليون جنيه, وقد يسألني أحدهم كيف؟ وهنا أقول إن هذا المبلغ الذي سيتم توفيره يتمثل في قيمة دعم الوقود, وفاتورة استيراده, كما أن تكلفة النقل سوف تنخفض ويشترط في النقل النهري ألا يقل عمق المياه عن2,3 متر, وإذا انخفضت المياه تتوقف الوحدة عن العمل لأن ذلك سوف يسبب مشكلة في الملاحة وفي كل الأحوال فإن الوحدات النهرية مجهزة لنقل مختلف أنواع السلع كالقمح وفحم الكوك والأسمنت والسكر والمولاس وغيرها حسب طلب العميل. والمشكلة الأساسية في النقل النهري وفقا للواء كريم أبو الخير تنحصر في عدم وجود شركات قطاع خاص تستثمر في بناء الوحدات النهرية, فالوحدة النهرية الجديدة يمكن أن تنقل مابين1000 و1600 طن, بينما لاتزيد حمولة الوحدة القديمة علي400 طن, وفي نهاية العام القادم سوف تدخل24 وحدة نهرية جديدة الخدمة. العصر الذهبي للسكة الحديد ويعود الدكتور نجيب بولس سلامة أستاذ تخطيط النقل والسكك الحديدية بهندسة القاهرة بالذكراة إلي فترة السبعينيات, حيث كانت شركات القطاع العام ملزمة بنقل البضائع بالسكة الحديد في المسافات الطويلة ثم تدهورت الأوضاع في السكة الحديد بعد ذلك نتيجة عدم وجود عربات لنقل البضائع, كما أن شكاوي العملاء من تأخر وصول البضائع قد تزايدت فكان الحل في اللجوء للنقل باللوري والمقطورات, مما يوفر الخدمة للعميل من الباب للباب. في المقابل, فإن الروتين الحكومي لم يعط الفرصة للسكة الحديد للانطلاق خاصة أن الموظف قد لايكون لديه المرونة الكافية, ولا الفكر التسويقي ولا الحافز الذي يجعله يبادر بالاتصال بالشركات ليعرض عليها ميزات النقل بالسكة الحديد ولكن قيادات وزارة النقل أدركوا أهمية تفعيل دور السكة الحديد في نقل البضائع بدءا من الوزير السابق محمد لطفي منصور ومن بعده المهندس علاء فهمي حيث تم البدء في انشاء ادارات مخصصة تضع حوافز للعاملين وتمنحهم عمولات عن الشحنات المنقولة بالسكة الحديد, كما أن الهيئة أجرت دراسات لبيان مناطق القصور والضعف وسبل تلافيها لكي تعود السكة الحديد إلي عصرها الذهبي في نقل البضائع, كما كان في السابق, صحيح أن العودة تحتاج الي جهود كبيرة لكنها ليست مستحيلة. مخاطر النقل الثقيل وبشهادة الدكتور مجدي صلاح أستاذ هندسة الطرق في كلية الهندسة جامعة القاهرة, فإن المقطورات تشكل مخاطر جسيمة علي الطرق وفي أحيان كثيرة تكون سببا رئيسيا لوقوع الحوادث لوجود عيب في الربط بين الجزءين الأمامي والخلفي وعند عبور المنحنيات يسير الجزء الأمامي في اتجاه والخلفي في اتجاه آخر أو تنفصل العربة الخلفية عن الأمامية, كما أن الوفيات الناجمة عن المقطورات أكبر بكثير من غيرها من وسائل النقل الخفيف. أما تجاوز الحمولات المقررة فله تأثير بالغ علي حالة الطرق وعلي الرصف الذي يرتبط بأحمال وأوزان قانونية ينظمها الكود المصري للطرق مما يقلل من العمر الافتراضي لها, موضحا أن مركبات النقل الثقيل تستحوذ علي96% من حركة نقل البضائع, وهذه تمثل كوارث منها وقوع الحوادث, وسقوط القتلي والجرحي وتدمير شبكة الطرق, محذرا من خطورة التعامل مع الحمولات الزائدة بالتصالح مع قائد السيارة بعد دفع الغرامة. توفيق أوضاع المقطورات لأن التحول من منظومة النقل البري إلي النقل بالسكك الحديدية أو بالنقل النهري يحتاج إلي وقت واستعدادات وإجراءات فإنه في الوقت نفسه يجب أن تتم عملية توفيق أوضاع المقطورات بشكل تدريجي ويجب زيادة الغرامة في حالات الحمولة الزائدة وعدم التصالح في مثل هذه المخالفات, ومن ناحية أخري فإنه من الضروري الاستعداد من الآن لتجهيز النقل النهري والسكك الحديدية لتكون بديلا عن المقطورات في مرحلة تالية. النقل التكاملي.. منظومة غائبة السكة الحديد كما يقول الدكتور أحمد محمود فرج مدرس هندسة السكك الحديدية بكلية الهندسة جامعة القاهرة تمثل العمود الفقري للنقل في دول العالم المختلفة, ففي دول الاتحاد الأوروبي تستحوذ السكة الحديد علي نسب تتراوح بين15% وحتي70% في حركة نقل البضائع, وفي كل الأحوال يبلغ متوسط مشاركة السكة الحديد في النقل نحو25% علي المستوي القومي بمختلف دول العالم, لكنها في مصر تنقل3% من البضائع علي المستوي القومي, الأمر الذي يعكس خللا واضحا, وسياسات يشوبها القصور والتخطيط وهو أمر يمكن تداركه وتصحيحه بأفكار وخطط تسويقية تجذب العملاء وبحوافز تشجعهم علي استخدام القطارات في نقل البضائع خاصة أن نقل البضائع بالسكة الحديد لايحتاج إلي شبكة قطارات من النوع السوبر ولابنية أساسية علي مستوي عال. ومن أبرز العوامل التي تصرف العملاء عن النقل عبر السكة الحديد هو غياب منظومة النقل التكاملي حيث يضطر الناقل لتدبير سيارات لنقل البضائع إلي أقرب محطة قطارات بالنسبة إليه, ثم يختار أقرب محطة للمكان الذي يريد توصيل البضاعة إليه وبعدها يتولي النقل أيضا تدبير سيارة لنقل البضائع من المحطة إلي المكان الذي يريده وهكذا يجد النقل نفسه مضطرا للقيام بسلسلة من الاجراءات لضمان وصول البضائع للمكان الذي يريده بعكس النقل بالمقطورات الذي يتبع سياسة النقل من الباب إلي الباب وهذا مايفسر الاقبال الشديد بالنقل عبر هذه الوسيلة. والأمر كذلك فإنه ينبغي أن تكون هناك وحدات تسويقية علي مستوي عال من المهارة والكفاءة ومكاتب للتعامل مع العملاء وكوادر بشرية مؤهلة, فضلا عن ضرورة انشاء مراكز لتجميع وتوزيع البضائع وأسطول من السيارات حتي وإن حدث ذلك بأسلوب الشراكة مع القطاع الخاص لتكون مهمته نقل البضائع من مكان وجود العميل وتوصيلها إلي المكان الذي يريده عبر قطارات البضائع ومن ثم تقوم سيارات أخري ضمن المنظومة بنقل البضائع إلي حيث يريد العميل. الأزمة بالأرقام ** في مصر70 ألف سيارة نقل ومقطورة وفقا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء **40 ألف حادث سيارة سنويا ينجم عنها نحو80 ألف قتيل.. وتتسبب سيارات النقل الثقيل في وقوع13% منها ** يبلغ طول الطريق الملاحي أسوانالقاهرة نحو960 كيلو مترا عبر المجري الرئيسي لنهر النيل **10% من إجمالي البضائع تنقل عبر النيل.. مقابل3% يتم نقلها بالسكة الحديد ** تتمتع مصر بأكبر شريان مائي طبيعي وهو نهر النيل وفروعه المتعددة التي تخترق الدلتا وترتبط ببعض الموانئ البحرية الرئيسية, بطول يبلغ إجماليه نحو3500 كيلو متر ** الاسمنت والقمح والحجر الجيري والأرز والفوسفات الصخري والقطن الخام والعلف, هي البضائع الأكثر تداولا بين المحافظات الواقعة علي نهر النيل, وتمثل نحو4.5% من إجمالي كميات البضائع المتداولة في مصر ** في مصر أكثر من50 ميناء نهريا, ويمكن للنقل النهري المساهمة في نقل نحو10% من اجمالي كميات البضائع المتداولة ** يقدر طول الطريق الملاحي القاهرةالإسكندرية بنحو220 كيلو مترا عبر الرياح البحيري ثم ترعة النوبارية **8 ملايين يورو منحة ايطالية لتطوير السكة الحديد في مصر خلال السنوات العشر المقبلة لتعظيم الفائدة من قطاع نقل البضائع بشكل اقتصادي **80% من نقليات البضائع بالسكة الحديد تتركز في6 بضائع رئيسية هي الحديد, والفحم, والفوسفات, والغلال والمواد البترولية, والحاويات