فيكتور فرانكنشتاين هو الشخصية الرئيسية في رواية الكاتبة البريطانية ماري شيلي التي كتبتها عام 1818، وهو مخترع شخصية الوحش في القصة الشهيرة، فرانكنشتاين بنى جسداً ركّبه من عدة جثث بشرية، فجاء ذا صفات بشعة، مسخا طويل القامة، عملاق الجسم، بشع الوجه بعينين وأنف وفم وجبهة، خيطت بعضها إلى بعض بطريقة مشوَّهة، فأصبح جثة هامدة مخيفة، واخترع الدكتور فرانكنشتاين طريقة معقدة استطاع بها بعث الحياة في المسخ الهائل، وتتابعت أحداث القصة الغريبة حين خرج المسخ المُخلَّق عن سيطرة مخترعه، فعاث في البلدة فسادا وقتلا، وانتهت بأن قتل عروس فرانكنشتاين لتنضم إليه في عالم المسوخ، ثم قَتَلَ فرانكنشتين نفسه..! تخطر قصة مسخ فرانكنشتاين على بالي هذه الأيام حين أرى؛ كما ترى عزيزي القارئ؛ ما آل إليه حال أخلاق الشارع المصري، لقد خرج المارد المسخ عن السيطرة، وعاث في الأرض فسادا وقتلا ونهبا، دون أدنى وازع من ضمير أو أخلاق أو قيم، فثلاثون الأعوام السوداء التي حكمنا فيها حسني فرانكنشتاين كانت كفيلة بمسخ أخلاق هذا الشعب الطيب، كيف؟ أقول لك.
الشتائم والسباب وسب الدين ولعن الأمهات والآباء والأحياء والميتين، أصبحت جزءا كبيرا دارجاً على ألسنة المصريين، يتعاملون بها كل الوقت. القمامة التي أصبحت جبالا، ومخلفات البناء والهدم امتلأت بها الشوارع والطرقات وتحت الكباري والجسور، وقذارة وسائل المواصلات العامة المتهالكة؛ الأوتوبيس والمترو والقطار، وانحدار تصرفات الناس بعضهم مع بعض. سائقو الميكروباص والميني باص والتوك توك والعربجية والحمير والخيول التي تجر عربات الكارو، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن ثقافتهم هي التي سادت، على ثقافة القيم والأخلاق التي بادت. الضوضاء في الشوارع أصبحت لا تطاق، ومصادرها لا تعد ولا تحصى، والتلوث مما تكسب أيدي الناس أصبح في الهواء والماء، والأرض والسماء، والشوارع والأحياء الراقية والعشواء. فوضى المرور في الشوارع والطرقات، في الريف وفي المدن، لا تخفى على أحد، وكلها نتيجة لتردي أخلاق السائقين والسائرين والباعة المتجولين وأصحاب المحلات. المباني المخالفة في جميع مدن وقرى مصر، كلها بنيت في ظل نظام المحليات المرتشي منعدم الأخلاق. الرِشوة أصبحت تُدفَع لإنجاز أي شئ يريده الراشي، ويمسك بزمامه المرتشي. سرقة البيوت والأشخاص، والاستيلاء على متعلقاتهم تحت تهديد السلاح، والبلطجة والتحرش الجنسي والمشاجرات والخناقات، وانتشار المخدرات؛ البانجو والحشيش والأفيون، والعقاقير المخدرة؛ الصراصير والترامادول وعقاقير الهلوسة. المشكلات الأسرية في الزواج والطلاق والخلع أصبحت أعدادها أمام المحاكم تفوق قدرة أي قاض، وتتعدى احتمال أي مجتمع، وانتشار الزنا والشذوذ وزنا المحارم واستخدام الأطفال في الجنس والدعارة. الأفلام الهابطة والأغنيات الساقطة والنشاز الصوتي، وتزييف مفهوم الإبداع ليناسب سقوط الفن والأدب.
انعدام السلوك المهذب من حياة الناس، فكلمة (شكرا)، أو (آسف)، أو التحية والسلام، أضحت من النوادر والرجوع عن الخطأ والإصرار عليه، والبصق في الشارع، وغرس الإصبع في الأنف، والصوت المرتفع والألفاظ النابية الجارحة، واختفاء الإخلاص والوفاء والصدق، وانحطاط قيمة العمل والتفاني في أدائه.
الاستيلاء على حقوق الآخرين دون أدنى شعور بالذنب، وشيوع ثقافة الكذب والغش والتطفيف والاحتكار. الخلاصة أن نظام فرانكنشتاين الذي حكم مصر لثلاثين عاما، أطلق أفراد الشعب المصري علي بعضهم البعض، بعد أن قام بعمل ممنهج لمسخ أخلاقهم، بعدها حكّم فيهم قانون الغاب، القوي يأكل الضعيف، والغني يسحق الفقير، ومن يملك السلطة والسطوة يقضي على أحلام من لا يملكهما، وعندما جفّت ينابيع الأخلاق؛ أغرقت البلاد أمطار الحقد والكراهية، وسيولٌ من كل ما ذكرت من الطباع والتصرفات التي اكتسبها الشعب المصري الممسوخة أخلاقه.
ولأن المسخ في قصة فرانكنشتاين لا يموت إلا بالنار؛ فقد كتبت مؤلفة الرواية نهايته احتراقا هو ومن على شاكلته، فتخلص المجتمع من مسخ كاد أن يهلكه بفساده.. ولن نستطيع الخلاص من مسخ فرانكنشتين إلا أن نتخلص منه بأن نحرقه في داخلنا، وهو ما قد يستغرق وقتا طويلا، لأن تمكن أخلاق المسخ من نفوس المصريين أصبح كاملا.. واسلمي يا مصر..