لن أضيف إلى معلوماتك جديدا إن عدّدت لحضرتك مزايا شبه جزيرة سيناء، فالقاصون والدانون، المعاصرون منهم والأقدمون يعرفون أهمية هذا الجزء الغالي من أرض مصر، فبرغم مساحتها التي تقل عن عُشر مساحة مصر؛ فقد اكتسبت أهميتها الاستراتيجية عبر التاريخ من موقعها الجغرافي الخطير، الذي لا يماثله موقع مكان في العالم من حيث الأهمية، ولا عجب أن سلك غزاة مصر وفاتحوها دائما طريق سيناء لدخول مصر، الهكسوس ثم الفرس ثم الإسكندر الأكبر المقدوني ثم الرومان ثم المسلمون، ثم الإخشيديون والطولونيون والأيوبيون، ثم الصليبيون، وأخيرا يهود القرن العشرين، جميعُهم سلكوا طريق سيناء لدخول مصر، وطريق حورس وطريق العائلة المقدسة، وسبخة (بلدوين) ملك القدس التي مات وحُنّط على ضفافها، أصبحت على ألسنة المصريين لاحقا بحيرة (البردويل)، وجبل الطور والوادي المقدس طوى، وجبلا موسى وسانت كاترين، وآثار النبطيين والكنعانيين والفراعنة وعمرو بن العاص وصلاح الدين، كلها آثار تشهد (بعبقرية المكان)؛ كما قال الراحل العبقري جمال حمدان. وما يحدث في سيناء هذه الأيام، جعل القلق يستبد بعقول المصريين، فالظروف الدولية والإقليمية التي تحيط بها وبمصر وبفلسطين وغزة، يتبين منها أن سيناء في خطر حقيقي، وأن كل ما حدث فيها ولها منذ أن عادت إلى السيادة المصرية في 1982، يبدو أنه كان مخططا له بمنتهى الدقة والإصرار، فماذا حدث ؟
أولا: لم تنل سيناء حظا ولو قليلا من التنمية عبر ثلاثين الأعوام الفائتة.
ثانيا: توترت العلاقة بين الأمن المصري ممثلا في أمن الدولة، ومواطني سيناء من البدو، وخاصة في أعقاب أحداث الإرهاب، في طابا 2003، وشرم الشيخ في 2005، إذ ترتب عليها اتهامهم بالقيام بها، والقبض على عدد كبير منهم بأخذ نسائهم رهائن حتى يسلّموا أنفسهم، وباتت العلاقة بينهم وبين الأمن علاقة ثأر لا تنقضي إلا بالدم.
ثالثا: لم تقم حكومات مصر المتعاقبة بأي عمل في سيناء؛ من شأنه تطوير التعليم أوالصحة، أو الزراعة والصناعة، فترتب على ذلك ارتفاع نسبة البطالة بين أهلها إلى درجة مخيفة.
رابعا: ملف سيناء وأمنها بقي في حوزة جهاز المخابرات العامة، وجميع العاملين في قطاع السياحة في شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، لهم علاقاتهم الوثيقة بالمخابرات، وهذا على اعتبار أن أهل سيناء لا نستطيع أن نأتمنهم على أمن سيناء.
خامسا: أدرجت جزيرة صنافير؛ السعودية أصلا، واحتلتها إسرائيل عام 1967، ضمن حدود المنطقة (ج) بموجب اتفاقية كامب ديفيد عام 1982، وتُمنع مصر من إدخال أي قوات عسكرية إليها، وربما كان ذلك هو سبب رفض الرئيس السابق إنشاء الجسر العابر لخليج العقبة، من ميناء ضبا السعودي إلى شرم الشيخ.
سادسا: عبر ثلاثين الأعوام الماضية، كان السلاح بكل أنواعه يدخل إلى سيناء، دون رقيب أو حسيب، وبعلم أو بدون علم الدولة المصرية.
سابعا: لم يكن محافظو شمال سيناء وجنوب سيناء من أهل سيناء أبدا، وكانت الحكومة والرئيس دائما ما يعينونهم بناء على خبراتهم الأمنية والمخابراتية، لا بناء على قدرتهم على العطاء والتفاهم مع أهل سيناء.
ثامنا: لم تسع الدولة المصرية أبدا لربط سيناء بأرض مصر عبر قناة السويس إلا بنفق الشهيد أحمد حمدي، وكوبري الفردان العلوي، ومجموعة من المعديات المتهالكة، مما شكّل انفصالا شبه تام عن الأرض المصرية.
ولما أن كان ذلك كله بعلم وتحت إشراف الدولة المصرية السابقة، ربما لتآمر أو تخطيط خبيث للمستقبل، أو حتي بلاهة نظام حكم؛ وهو ما أستبعده، فأن تظل الدولة الجديدة على نفس موقف سابقتها فذلك سيؤدي حتما إلى انفصال سيناء، ولكي لا نفيق صباح ذات يوم على أخبار هذه الكارثة؛ فالمطلوب فورا من الدكتور مرسي؛ الآن وليس غدا؛ أن يستحدث وزارة جديدة هي وزارة شؤون سيناء، على غرار وزارة السد العالي مطلع ستينيات القرن الماضي، فإن احتجت الحكومة بضيق ذات اليد، فإحلال الوزارة الجديدة محل وزارة (ملهاش لازمة)، مثل وزارة الشؤون البرلمانية، أو وزارة الحكم المحلي، أو وزارة الأموات؛ أقصد الأوقاف، أو محل وزارة فقدت دورها؛ كوزارة الثقافة أو الإعلام، وليُخْتَر الوزير وكوادر الوزارة من أهل سيناء، من زعماء القبائل السيناوية أو من وجهائها، وتصبح هذه الوزارة هي الحلقة الرابطة بين سيناء والوطن الأم في شتى المجالات، في التنمية ومجالات العمل والتعليم والصحة والخدمات والأمن والسياحة، وهذه الوزارة هي التي تختار المحافظين وهيئات مكاتبهم، لتعود سيناء إلى انتمائها المصري، بعد ستين عاما من الإهمال والتهميش، بل والاستغلال القمئ لخيراتها لمصلحة الآخرين خلا أهلها.. واسلمي يا مصر.