في عام 2010 ، احتفلت الاممالمتحدة باليوم العالمي لحرية الصحافة تحت شعار "حرية المعلومات ..الحق في المعرفة"..وقال الامين العام للمنظمة الدولية إن هناك اتجاها عالميا لوضع قوانين جديدة تؤكد حق الجميع في الحصول على المعلومات التي تؤثر على حياتهم..وذلك يؤكد الإرتباط الوثيق بين الحق في المعرفة وتداول المعلومات ، وحرية الصحافة والإعلام ، وضرورة إصدار التشريعات والقوانين التي تُلزم جميع المسئولين والموظفين العموميين بتقديم البيانات الصحيحة والموثقة لمن يطلبها ممن يعنيهم الامر وخاصة نواب الشعب والباحثين ومندوبي الصحافة والإعلام..ومما لا شك فيه أن ذلك لن يخدم الحقيقة ويرسخ حرية الرأي والتعبير فقط ، ولكن أيضا سيحقق الشفافية والمكاشفة وهى أهم أدوات مكافحة الفساد.. ومن نافلة القول إن غياب الحق في المعرفة يعني ضياع الحقيقة مما يفتح الباب واسعا أمام إنتشار الإشاعات وترويج الاكاذيب ، وهنا تذهب الاجتهادات والتحليلات كل مذهب وتصير العشوائية منهجا للتفكير والسلوك..وأعتقد أنه ليس من المبالغة القول إن إنتهاك الحق في المعرفة وتداول المعلومات كان أحد الأسباب الرئيسة لسقوط نظام حسني مبارك..وأعتقد أيضا أن الشعب المصري قام بثورته العظيمة في 25 يناير لكي "يعرف"..وحسنا فعل الرئيس محمد مُرسي عندما أكد في أحد خطاباته الاخيرة على "الحق في المعرفة"..من هنا نقول له إن الشعب المصري الذي اختارك كأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد يريد معرفة كل شيء ..وهذا حق لا مراء فيه..نريد أولا معرفة رؤيتك لهذا البلد وهويته ومستقبله..وما هى خططك العاجلة والآجلة للتعامل مع التحديات المعقدة التي نواجهها..نريد توضيحا لتصريح "مذهبي" خطير قلت فيه إن مصر والسعودية هما "حماة المذهب السني"..ما معنى ذلك؟!..هل هو اصطفاف في المعسكر الامريكي السعودي المعادي لإيران؟!..هل يعني ذلك أنك لن تقيم علاقات مع طهران وهى ضرورة استراتيجية للامن القومي المصري ، فضلا عن أنها رغبة شعبية؟!..وما علاقة ذلك بما يبدو من "غزل صريح" بين قيادات بارزة في جماعة الإخوان وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة ، وبين مسئولين أمريكيين رفيعي المستوى؟!..ثم التقاعس عن الرد على التدخل الامريكي السافر والوقح في الشئون الداخلية المصرية والذي تمثل في تصريحات علنية لوزيرة الخارجية الامريكية عن العلاقات بين الرئيس مرسي والمشير طنطاوي وعن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين؟!..هل قمنا بثورة الكرامة لنتخلص من عميل تابع لأمريكا لنعيد الكَرة مع غيره؟!!..وأعتقد أنه حان الوقت لرسم سياسة خارجية واضحة المعالم تليق بمكانة مصر المستحقة في الزمان والمكان..نعم نريد أن نعرف لأن الشعوب الحرة هى التي تعرف أكثر..
أيضا نريد معرفة موقف الدكتور مرسي من الملف الأخطر على أجندة أي رئيس وهى "قضية المواطنة" وخاصة أنه ينتمي تنظيميا الى تيار تعادي بعض فصائله المواطنين المسيحيين علنا وتطالب بتهميشهم وإقصائهم ، بل وتمارس التمييز ضدهم عندما ترفض تعيين نائب مسيحي لرئيس الجمهورية ، ناهيك عن حق المسيحيين الاصيل ، كمواطنين، في تولي منصب الرئيس ذاته!!..ليس هذا فقط بل يتعرض المسيحيون منذ بداية الثورة لحملة ترويع وإعتداءات عنصرية تستهدف أشخاصهم وممتلكاتهم ودور عبادتهم ابتداء من حرق كنيسة أطفيح ، ومرورا بالهجوم على كنيسة إمبابه ومذبحة ماسبيرو ثم واقعة منع قرى مسيحية من التصويت في جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة ، وهى جريمة كانت كفيلة بإلغاء الانتحابات بكاملها، وإنتهاء بأحداث دهشور..واخيرا ..جاء تشكيل الحكومة ليضيف ضربة اخرى ليس فقط للمسيحيين ولكن أيضا لكل من يحلمون بوطن يُعلي قيم المساواة والمواطنة..فرغم زيادة عدد الوزارات في حكومة الدكتور هشام قنديل إلا أن عدد الوزراء المسيحيين تقلص الى النصف!!..وربما يقول قائل "إنها حكومة الإخوان أو تخضع لسيطرتهم على الاقل ، وعليه فمن حقهم اختيار من يرون أنه يخدم خططهم واستراتيجيتهم"..ولا جدال في أنها كذلك إذ سيطرت الجماعة على الوزارات المهمة المرتبطة بالناس والرأي العام ..ويلاحظ هنا أنه رغم إصرار قيادات حزب الحرية والعدالة على أنهم لن يقتربوا من وزارة الإعلام فوجئنا بالجماعة تدفع في آخر لحظة بأخطر كوادرها الإعلامية للسيطرة على الوزارة الأهم في رأيها..وإذا أضفنا سيطرة الإخوان على وزارات الشباب والقوى العاملة والتعليم سندرك أن الجماعة اختارت أهم الوزارات المتاحة لها..ولو وضعنا في الحسبان هجمة الإخوان المنظمة على الصحافة والإعلام بعد الثورة ووصف الصحفيين بأنهم سحرة فرعون واستخدام مجلس الشورى غير الشرعي في تغيير رءوساء تحرير الصحف ، وخاصة في المؤسسات القومية، ستتجلى خطة الجماعة "لأخونة" الدولة ومؤسساتها..وهنا يجب أن ينتبه الجميع الى أن المطلوب ليس هدم مؤسسات الدولة بحجة تطهيرها من الفساد ، ليحتلها ميليشيات وكوادر الإخوان..نعم نحن في حاجة ماسة لإجتثاث الفساد وتطهير أجهزة الدولة بعد الثورة ولكن ذلك لا يعني استبدال الحزب الوطني بحزب الإخوان..الدولة المصرية الحديثة كانت وستظل "مدنية" منذ أسسها محمد علي باشا ..ولو سمحنا بقيام دولة دينية على ارض مصر سنكون قد بعنا الثورة وخنا دماء شهداء أبرار ماتوا وهم يهتفون "مدنية ..مدنية"..وذلك قبل أن يختطف المجلس العسكري ثورتنا الأجمل والتي وصفت بأنها الأعظم في تاريخ البشرية ، ويسلمها "مقشرة" للإخوان وحلفائهم الذين كانوا لآخر لحظة ضد التظاهر والخروج على الحاكم!!..
والآن..وبعد أن هيمن الإخوان وحزبهم على الرئاسة ورئاسة الحكومة والوزارات الجماهيرية ، فإنه لم يعد أمام القوى الثورية الحقيقية المؤمنة بمباديء وأهداف ثورة 25 يناير إلا توحيد صفوفها والعمل سويا وسط الجماهير لإحباط محاولات "الأخونة" وإسترداد الثورة والدولة معا ..