أحمد طه النقر كثيرة هي الاسئلة المُلحة التي صارت تتبادر الي الأذهان وتُطل من الرءوس وتُطرح علي الملأ دون أدني تردد أو خوف.. والمؤكد أن كل الاسئلة مشروعة، بل واجبة طالما أنها تستهدف الصالح العام وتُطرح في إطار القانون الذي ينص علي الحق في المعرفة. بل إن واجب المسئولين تقديم إجابات وافية وشافية عنها وإلا فإنهم سيقعون تحت طائلة القانون.. ومن هنا تأتي ضرورة النص في دستورنا الجديد علي الحق في المعرفة وعلي حرية تداول المعلومات مع إلزام المسئولين بإتاحة البيانات الدقيقة لمن يطلبها، وخاصة نواب الشعب والعاملين في الصحافة والإعلام.. فذلك هو السبيل الأفضل والأفعل لإرساء مبدأ "الشفافية" التي تُعتبر ركنا أصيلا من أركان الدولة الديمقراطية التي نحلم بقيامها بعد ثورة 25 يناير العظيمة.. وذلك يؤكد أن المعركة الأبرز والاستحقاق الأهم الذي يواجهنا الآن هو "الدستور" لأنه العَقد الجماعي الذي سنكتبه معا كمواطنين ونتفق فيه علي هُوية الوطن وشكل الدولة، فضلا عن تحديد إطار وأساس العلاقات بيننا كمواطنين والمعاملات بيننا وبين الدولة.. ويتعين علي كل مَن يؤمن بالديمقراطية والشفافية أن يدعم بلا حدود مطالب "الحق في المعرفة" و"حرية تداول المعلومات" التي يرفعها الصحفيون ونشطاء الحريات والحقوق المدنية، ويصر علي النص عليها صراحة في الدستور.. فجميع المواطنين شركاء في هذا الوطن ولهم حق أصيل في معرفة كل شيء يخص أي شأن من شئونه، وكذلك الإطلاع علي ذمة وتاريخ وسير وسلوك جميع الشخصيات التي ترتضي تحمل مسئولية العمل العام .. ورئيس الجمهورية ليس استثناء من هذه القاعدة.. وأنا واحد ممن قدروا واستبشروا كثيرا بقول الرئيس محمد مُرسي إنه خادم للشعب المصري وأجير عنده.. وذلك هو ما كنا نتوقعه من أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة أنهت عصر الحكام الفراعين الذين لا يُسألون عما يفعلون.. أضف الي ذلك أن الدكتور مُرسي هو أول فلاح حقيقي يأتي من القرية الي قصر الرئاسة.. وتاريخه المعروف كرجل متدين وعضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين يرجح تحليه بالنزاهة ونظافة اليد .. وذلك يعني أن امامه فرصة تاريخية أن يحقق إنجازات غير مسبوقة فيما يتعلق بالشفافية ويكون قدوة في هذا المجال.. وعليه فإنني اطالب الرئيس مُرسي بالإفصاح عن ذمته المالية وجميع ممتلكاته.. كما ارجو أن يستن الرئيس سنة حميدة بأن يعلن عن مفردات مرتبه وميزانية الرئاسة وأوجه صرف الميزانية .. ويكشف للناس، وهذا حقهم، أوجه البذخ الذي كان وكم المبالغ التي وفرها بعد تخلصه من هذا البذخ، وذك اقل ما ننتظره منه.. وانا شخصيا سمعت الكثير عن المبالغ التي كان يتقاضاها ضباط الحرس الجمهوري المحيطون بحسني مبارك.. تردد أن مرتباتهم كانت تتجاوز الثمانين الف جنيه شهريا وانهم كانوا يقضون اجازات سنوية طويلة في اوروبا مع عائلاتهم علي حساب الدولة!!.. كذلك ترددت تقارير عن ان القصور والاستراحات الرئاسية والتي تقترب من الثلاثين كانت كلها تتخذ وضع الاستعداد علي الدوام.. أي أن مطابخها تحرص علي إعداد الوجبات الثلاث يوميا تحسبا لذهاب رئيس الجمهورية الي اي منها في أي وقت.. وما أدراك ما تعده مطابخ الرئاسة مما لذ وطاب ومن أفخر وأغلي الاصناف ؟!!.. وما من شك في أن ذلك سفه فاجر وغير مبرر، وجريمة إهدار للمال العام تصل الي حد الخيانة العظمي وخاصة عندما تحدث في بلد يعيش 40 ٪ من أبنائه تحت خط الفقر!!.. وأرجو أن يكتفي الرئيس بقصر واحد في القاهرة واستراحة في الاسكندرية أو برج العرب ويقرر تحويل القصور والاستراحات الرئاسية الاخري الي مقاصد سياحية يزورها المصريون والاجانب نظير رسوم معلومة مما سيدر أموالا طائلة علي الخزينة العامة للدولة ناهيك عما سيوفره ذلك القرار من نفقات باهظة مخصصة لإدارة كل تلك الاستراحات والقصور .. ومن الطبيعي أن الرئيس عندما يفعل ذلك سيضرب المثل والقدوة لكل المسئولين في الدولة بدءا من رئيس الحكومة والوزراء ومرورا بالمحافظين وانتهاء بصغار الموظفين.. لا بد من معرفة الذمة المالية للجميع وكذلك رواتبهم وإعلان ذلك بالتفصيل لدي توليهم المسئولية حتي نستطيع محاسبتهم عند مغادرتهم مناصبهم.. هنا سيتعلم الجميع حرمة وقدسية المال العام ويتعاملون بحرص ومسئولية في إنفاقه وننتقل ببلادنا من مرحلة "العزبة" أو الدولة الرخوة الفاسدة الي دولة المحاسبة والشفافية .. ولن نجد رئيسا يفتح خزينة الدولة علي جيبه الخاص ليمنح ويمنع كما يحلو له.. وأذكر أن محافظا سابقا أبلغني في منتصف التسعينات أن مرتبه الرسمي يبلغ الف جنيه وأن الرئاسة ترسل له عشرة آلاف جنيه كل شهر.. ولم افهم تحت أي بند كانت رئاسة الجمهورية تفعل ذلك.. ولكن الاغرب انني علمت من نفس الرجل ان منصب المحافظ كان وبالا ماديا عليه لأنه كان يعمل مفتشا لامن الدولة في محافظة اخري وأن دخله الشهري من ذلك المنصب كان يبلغ 85 ألف جنيه!!.. إنها دولة الفساد التي نتمني أن تزول وتبيد الي الابد.. وإذا كان الرئيس مُرسي قد عجز حتي كتابة هذه السطور عن الوفاء بأي من تعهداته للقوي الوطنية وخاصة فيما يتعلق بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وتعيين نواب للرئيس ورئيس للوزراء من خارج جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة - إذ يبدو أنه يتعرض لضغوط مكثفة من مكتب الإرشاد تتعلق بالترشيحات وحصة الجماعة وحزبها في حقائب الحكومة المرتقبة - فإن في مقدوره أن يحفر اسمه في سجلات التاريخ لو اقدم علي قرارات جريئة تحقق الشفافية ويقول للناس من خلالها "ها قد أنجزت أمرا فأغفروا لي فشلي فيما سواه"!!..