لا تحسبن أنك الوحيد الصالح والطامح إلي مقعد الرئاسة لأن مصر تزخر بمن يصح أن يطلق عليهم رجال الدولة.. وهم ليسوا عشرات بل مئات ترفعهم الأنظمة السياسية التي يعيشون في كنفها إلي ذروة الاحترام البرادعي أحسب أن ما أقدمت عليه بإعلانك التقدم مرشحاً لانتخابات رئاسة الجمهورية هي خطوة بل قل قفزة جسورة.. لا يقدم عليها إلا مثلك من آخر الرجال المحترمين في بلدنا المسكين.. ولكن لا تحسبن أنك أنت الوحيد الصالح والطامح إلي مقعد الرئاسة ذلك لأن مصر تفخر.. تباهي.. تزخر بمن يصح أن يطلق عليهم رجال الدولة.. وهم ليسوا عشرات يعيشون علي أرض الوطن في تواضع وكبرياء بل هم مئات ترفعهم الأنظمة السياسية التي يعيشون في كنفها إلي الذروة من الاحترام والتقدير والتوقير ولتعلم أن كلاً منهم مصر في قلبه وإن كانوا هم ليسوا في قلب الأرض.. يعلمون علم اليقين ما آل إليه حال مصرهم من أهوال.. هزال.. بل قل هواناً أيضاً إذا ما قاست نفسها وقيست مع جيرانها الذين ينعمون بالثراء والاغتناء وحال أن مصرهم في انحدار.. وانهيار.. واندحار.. في مسار كئيب لا يعلم إلا الله وحده المآل في ازدياد وتيرة هذا الحال.. فساد عم البلاد.. بل بلاء توطن في نفوس المواطنين.. مجتمع يسير مقلوباً علي رأسه.. ومغلوباً علي أمره.. مما استتبع الكآبة والانزواء والرضا بالقليل حتي الكفاف.. التهاب في الأسعار وانهيار في الأرزاق.. إحباط ومذلة من الحاضر ويأس من مستقبل مظلم وقنوط وسقوط في مستنقع. كيف لا.. ومصر باعت وتبيع وستظل تبيع ما تبقي من المؤسسات والمشروعات الصاعدة والواعدة.. بيعت كلها إما إلي حفنة ممن يسمون أنفسهم رجال أعمال وأعمدة الاقتصاد.. نعم كلها خصخصت.. بزعم تفادي وتجنب خسائرها واقتران هذا الزعم الكاذب بأن بنوك مصر والتي وضع حجرها الأساسي أجيال من الرجال كانت الوطنية المصرية وبناء مصر هي الأمل ولكن أني لنا أن نذكرهم ونتذكرهم بعد أن بيع كل شيء، الأرض والعرض وكأنما مصر يجري إعدادها لتكون شقة مفروشة لكل من هب ودب.. بيعت الأرض في مشارق مصر ومغاربها في قراها ومدنها وامتزج بالمشترين ومازحهم أجانب وغرباء بعضهم من حثالة قومهم من الصهاينة. يقولون عنك إنك كنت بعيداً عن الواقع المصري المعاش لأكثر من ربع القرن ولا تعرف شيئاً عن أوجاعها وآلامها وشعبها.. عن العشوائيات والسكان والمساكين في اصطبل عنتر.. وقلعة الكبش والدويقة.. والخيام والعشش في صقيع الشتاء والبرد القارس وسكان المقابر التي أضحت أماكن رسمية للسكني تضاء بالكهرباء وفيها الأسواق وتقام الأفراح والليالي الملاح وتسمع فيها الأغاني والأناشيد. إن الأدهي والأمر أن الشوارع ليست مكتظة.. ولا مؤاخذة بالزبالة فحسب حتي إن أكوامها توشك أن تصبح تلالاً، بل هي تعج بملايين الشباب من الضالين.. العاطلين.. لا عمل.. ولا أمل.. ولا حاضر ولا مستقبل يغامرون بحياتهم في البحار وتصل إلينا نعوشهم، وآخرين يبتلعهم البحر أو تأكلهم الحيوانات البرية والبحرية.. تري ماذا فعلنا وإلي أي حل اتجهنا في سياسة البحث عن فرص عمل سوي إحالة من شارف علي الخمسين إلي المعاش المبكر لإفراغ أماكنهم واصطناع أماكن للأجيال الضائعة دون أن يفكر أحد أن الذين شارفوا علي هذه السن بلغوا درجة عالية من الخبرة والمهارة سيورثونها للأجيال التي تفتقر إلي المعرفة.. بل الأشد نكراً أنه في سبيل إخلاء الأماكن الوظيفية فياللهول لأن بعض الذين لا يحالون إلي المعاش المبكر يطلق عليه «مستشاراً» ولكن من منازلهم. أما عن الاقتصاد المصري فإنك الأجدر والأقدر علي مواجهة ما انحدرنا إليه مقارنة بتاريخنا الذي يتهم الخديوي إسماعيل بتخريبه لأنه استدان 90 مليون جنيه حالة أنه نقل مصر نقلة مضاربة وفي قمتها فتح قناة السويس.. ناهيك عن التعليم والصحة والفن والموسيقي والعلوم والفنون.. والإعلام والسينما ولعلك تعلم أننا بعنا جميع الأفلام القديمة أو إن شئت كنوز الفن والإبداع بثمن بخس لابد أن طالته الأيادي التي لا تشبع من التهام المال الحرام. أما في حاضرنا اليائس فقد بلغت ديون مصر في الداخل والخارج بالعملة المحلية وبالقروض الدولية 748 مليار جنيه مصري وقرابة 45 مليار دولار فضلاً عن العجز في الميزان التجاري.. وإذا كان الخديوي إسماعيل فتح الباب لصندوق الدين الذي يشرف علي اقتصاد مصر فقد بتنا جميعاً نشهد بصمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أيضاً وأن لهما الهيمنة وليس الإشراف علي اقتصاديات مصر. وأرجوك أن يتسع صدرك لأن بلدك الذي تأمل في إصلاح ذات البين فيه، فإن المجتمع المصري انقلب رأساً علي عقب.. ضاعت الطبقة الوسطي وهبطت إلي الطبقة الدنيا التي تبحث عن رغيف الخبز وأنبوبة الغاز وألزم اللوازم ليطعم الإنسان من جوع، بل الأشد نكراً وليأمن من خوف.. نعم من الخوف بعد أن سقطت هيبة الدولة وصارت السلطة هي كلاب حراسة للحكام وأزواجهم من أهل المال والأعمال، أما الشعب فاقرأ باسم ربك الذي خلق، أنماط الجرائم والفجور والانحطاط الذي هوي إليه المجتمع، الابن يقتل أباه والأب يقتل أولاده وزوجته جميعاً والزوجة تقتل زوجها لتنفرد بعشيقها والأخ يقتل أخاه أو صديقه ليسرق «موبايل» أو عشرة جنيهات بل والأم التي تلقي بفلذة كبدها من الأدوار العليا لتسقط جثة هامدة، بل أرجوك أن تصدقني تلقيها في صندوق الزبالة. يا أيها الرجل.. إننا نعلم أنك مقدم قادم علي طريق ليس من الأشواك والألغام بل علي سكة الندامة فإذا انتظرت منا كما فعلنا أن نستقبلك عندما وطأت قدماك أرض مصر بالأحضان.. إلا أنه آن الأوان لكي تعرف أنك إذا لم تتقدم الصفوف وتقودنا في الشارع نردد من خلفك أناشيد الحرية.. تداول السلطة.. إعادة بناء دولة انفرط عقد مؤسساتها.. وضاع شعبها وجاع.. وعاني من أوجاع وأوجاع.. أننا نرجو أن تكون واقعياً مع نفسك وأرجوك أن تنسي ما اتخذته مثلاً ومثيلاً وهو زعيم مصر سعد باشا زغلول لأن القياس مع الفارق بل إن الفرق شاسع وفارق، فقد كنا أمة نطلب طرد المحتل الغاصب.. تطالب بإنهاء الاحتلال العسكري.. ترفض الحماية والوصاية والمذلة والهوان من الغاصب المستعمر، ومن هنا احتل سعد مكاناً عالياً وعلياً في قلب الشعب المصري وبصحبته عبدالعزيز باشا فهمي وعلي باشا شعراوي وواجهوا المندوب السامي الإنجليزي في قصره وصرخوا في وجهه بأننا جئنا نطلب رحيلكم عن أرضنا ووطننا.. ذلك لأنه ولئن كان الشعب قد أصدر توكيلات لسعد باشا ليدحض رمز الاستعمار ولذلك فإنه ولئن كان من ضروب تأييده التوكيلات الشعبية فقد كان ذلك حدثاً له حديث آخر غايته أن سعد زغلول هو وكيل عن الأمة.. أما أنت إن ظللت تنتظر منا وتنظر إلينا وتتوقع أن ننتظم في مظاهرات وحشود تطالب بتعديل الدستور، فإننا لن نخرج إلا إذا تصدرت سيادتكم الصفوف وتقدمتها حاملاً الراية زاعقاً.. طالباً.. منادياً بالتعديل الدستوري.. إنك لم تذق أو تتعرض للضرب بالهراوات الغليظة أو العصي الكهربائية، بل إن قاضياً ضرب بالحذاء في عرض الشارع بيد الأمن المصري عميل السلطة وحاميها ورافع رايتها.. إذا لم تتقدم وتتعرض بشخصك معنا وإلي جانبنا بل في مقدمة صفوفنا فإن الأمل فاقد ومفقود ثم اقرأ باسم ربك الأكرم وأنت به أعلم أنه علي المستوي الدولي فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل يحرصان الحرص كله علي أن يبقي الحال علي ما هو عليه في الانحدار.. في الانهيار.. أن تفقد مصر مكانها ومكانتها.. زعامتها وريادتها.. قدرها واقتدارها بل إنهما تدفعانها إلي حافة الطرق والهاوية وليس لها من دون الله كاشفة. أرجوك إن كنت فعلاً بعد أن بلغت القمة والذروة في التقدير والاحترام والتوقير علي الصعيد العالمي حتي أصبحت لا تصبو إلي شيء.. فقد بات حتماً مقضياً عليك العودة إلي الخندق لتقف بالقلم والسيف.. هذا أو الطوفان.. وبأي آلاء ربك تكذبان.. إن اقتلاع الفساد حتي لو كنت أنت إحدي ضحاياه سيكون تاجاً علي رأس مصر أبلغ احترام من جائزة نوبل.. فهل تريد.. هل تقدر.. هل تستطيع.. هل تقدم.. هل تتقدم؟ الله أعلم.