خطاب د.محمد مرسي كان مطمئنًا للجميع داخليًّا وخارجيًّا، للرجال والنساء، للمسلمين والأقباط، لأصحاب العربات المرسيدس ولسائقى التوك توك، للأطفال والعواجيز، لأهالى الزمالك والدرب الأحمر، للدلتا والصعيد، لأصحاب القصور وساكنى القبور، وعلى طريقة الأفراح الشعبية الكل ناله من الحب والتقدير والتنقيط جانب. ورغم ذلك افتقدت الإحساس بأنه خطاب رئيس جمهورية.. الدكتور مرسى يتحدث وكأنه يقف على منبر جامع يلقى وعظًا دينيًّا، لا خطابًا رئاسيًّا، هناك استشهاد بالعديد من الآيات القرآنية وبالطبع ثقافة الدكتور مرسى ومرجعيته تدفعه إلى ذلك، ولا أدرى هل هو الذى كتب الخطاب كاملًا أم أن هناك -كما جرت العادة- من تدخَّلوا لإعادة الصياغة، لأنى لاحظت أن الخطاب خلا تمامًا من آيات من الإنجيل، رغم أن العديد من الآيات القرآنية التى استشهد بها د.مرسى لها أيضًا ما يرادفها فى الإنجيل، كان يكفى أن يذكر ولو آية واحدة، لأنه رئيس كل المصريين، والمعروف أن الأقباط فى القسط الوافر منهم توجّهوا إلى الفريق أحمد شفيق، لأنه صدر لهم أنه هو الضمان الوحيد لحمايتهم، فكانت هناك ضرورة نفسية لكى تتضمن كلمته الأولى آية من الإنجيل، خصوصًا أن الثقافة المصرية مثلًا تردد كلمات المسيح عليه السلام، مثل الله محبة، وماذا يفيد الإنسان لو كسب العالم وخسر نفسه، وغيرها. لم أمنح صوتى لأحد فى انتخابات الإعادة، ولكنى كتبت أن عدوى الأول هو الفريق شفيق، لأنه عدو الثورة، وأرى أن إيقاف نزيف الدماء الطريق الوحيد لتحقيقه فى هذه المرحلة على الأقل هو د.مرسى، على شرط أن يبدأ فورًا بتنفيذ ما تعهد به من الاستحقاقات فى البيان الذى ألقاه الإعلامى الكبير حمدى قنديل، قبل يومين فقط من إعلان النتيجة، وكانت كلماته واضحة لا تحتمل اللبس، وأهمها مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، ولا مساس بالحريات العامة والشخصية، ونواب للرئيس قبطى وامرأة وشاب، ورئيس للوزراء ليبرالى، كما أنه وعد بحل مشكلة الأمن والمرور والقمامة والرغيف والوقود فى مئة يوم. المصالحة بين الشعب والشرطة أراها قضية مصيرية لكى تعود الحياة الطبيعية فى الشارع.. تبقى الثقافة وما تتطلبه من فتح أبواب الإبداع وضرورة إعادة النظر فى قوانين الرقابة المكبلة للحرية، ولا أتصور مع كل الاحترام لشخصيات قريبة من د.مرسى، مثل ياسمين الخيام أو وجدى العربى، من الممكن أن تصبح أفكارهم المعادية للفن هى عنوان الفن القادم. لاحظت أن د.مرسى فى المرات القليلة التى اقترب فيها من الحديث عن الفن لم يقل سوى الفن الهادف، صارت أقرب إلى أكليشيه يتردد حتى بين المثقفين، ومن كلمة هادف ظهرت تنويعات، مثل الفن النظيف، والحقيقة أنه لا يمكن أن نصف فنًّا بأنه هادف أو نظيف، فما الهادف والنظيف مثلًا فى لوحة «الموناليزا» لدافنشى أو «زهرة الخشخاش» لفان جوخ؟ هناك معيار آخر للتقييم وهو القيمة الجمالية للإبداع بالمعنى العلمى للكلمة، وهو علم «الاستاطيقا».. النسبة الغالبة من الفنانين كانت تؤيد شفيق، وذهبوا فى رحلات استباقية للمباركة والمبايعة إلى فيلته، رغم أن شفيق كان يشكل خطورة على الثورة، وبالتالى على تقديم أى عمل فنى يتناول الثورة، بينما د.مرسى كان واضحًا فى اعتزازه بما قدمه الشهداء والتضحيات التى دفع ثمنها الشباب.. بعض الفنانين ذهبوا إلى شفيق وهم موقنون أنه سيعيد إليهم زمن مبارك، وبعضهم أعلن ذلك فى أجهزة الإعلام وكتبوا مقالات مؤيدة له، كانوا يرون فى شفيق فرصة للانقضاض على الثورة التى اضطروا فى البداية إلى أن يجاملوها، ولكن ما فى القلب فى القلب.. وهكذا شاهدنا مع مصطفى بكرى عددًا منهم وهم يبكون ويؤكدون أن الأجندة الأجنبية بدأت يوم 28 يناير 2011 فى تحدٍّ سافر لأطهر وأشرف ثورة عرفتها مصر. القادم فى هذه الأيام وربما الساعات، أشعر أنه سيشهد مرحلة للترقب والتقاط الأنفاس، وفى نفس الوقت فإن الرئيس الجديد يدرك أن من معه هم فقط 25% ممن أدلوا بأصواتهم له فى المرة الأولى، وليس له سوى أن يبحث عن الطريق لاكتساب ال75%. قرارات د.مرسى القادمة سوف يدفعه إليها ضعفه واحتياجه إلى اكتساب الأغلبية، وعلينا أن نحصد الآن قبل فوات الأوان كل هذه الاستحقاقات.