هل هذا وقته أن نتحدث عن هدى سلطان، اليوم، فى ذكراها السادسة؟ أقول لكم نعم وقته، ما دام أننا نملك مشاعر ولدينا قلوب تنبض وذكريات لا تغادرنا. الحياة تفرض علينا الاعتراف بالواقع، ولكننا يحركنا فى أحيان كثيرة خيال نعيش معه واقعًا موازيًا.. أنور وجدى طلّق ليلى مراد بينما شاشة السينما تُكذّب ذلك، وبليغ طلّق وردة، لكنهما لا يزالان يغنيان معًا دويتو «تخونوه».
رحيل الحبيبَين عن الحياة يمنح الخيال القدرة على أن يصحح العديد من أخطاء الواقع، وهكذا بالنسبة إلىّ، وأتصور إلى الكثيرين، فإن فريد شوقى لا يزال متزوجًا من هدى سلطان، «الأسطى حسن» و«جعلونى مجرما» و«رصيف نمرة 5» شاهد إثبات على ذلك!!
لا أنسى فى الندوات التى كنت أقيمها فى نقابة الصحفيين المصرية وتتناول المسلسلات التليفزيونية، كنت أسعد كثيرًا عندما تُلبّى دعوتى بالحضور الفنانة الكبيرة هدى سلطان.. مسلسلات مثل «زينب والعرش»، و«الوتد»، و«الليل وآخره»، و«أرابيسك» وغيرها، كانت دائمًا هدى سلطان حتى بعد ارتدائها الحجاب تبدو لى وكأنها فى حالة انتظار وترقب للسؤال الذى ننهى به اللقاء، حيث يطلب منها دائمًا الحاضرون أن تغنى واحدة من أروع أغانيها «إن كنت ناسى أفكرك»، التى قدمتها فى فيلم «جعلونى مجرما».. وظلت هدى سلطان دائما وحتى اللحظة الأخيرة من عمرها قادرة على أن تمنحنا حالة من الشجن النبيل. كان صوتها دائمًا هو مرفأ الدفء.. 60 عامًا من العطاء ومن المرونة مع الزمن، فهى المرأة الجميلة والمثيرة فى أفلام مثل «امرأة على الطريق»، و«حميدو»، و«تاكسى الغرام»، و«لمين هواك»، و«الشيخ حسن»، ثم تمضى بها الأيام لنراها متألقة وناضجة فى دور الأم فى رائعة الكاتب إحسان عبد القدوس والمخرج كمال الشيخ «شىء فى صدرى»، وتصل بها المحطة السينمائية إلى آخر أفلامها «من نظرة عين» عام 2004، لتصبح فنانة عصية على النسيان، خصوصا أنها فى الخمسة عشر عامًا الأخيرة من عمرها حفرت صورة ذهنية لشخصية الأم. انتقلت موهبة هدى سلطان من شاشة التليفزيون والسينما إلى الشارع لتصبح هى الأم التى لها مساحة حب داخل كل منا مهما تباعدت مرات اللقاء!
عطاء هدى سلطان، هو تعبير حىّ ودرس للأجيال يؤكد قدرة الفنان على استيعاب متغيرات الزمن وعلى الإمساك بكل مفرداته.. أحالت هدى سلطان الزمن من عدو لدود إلى صديق حميم، ولهذا لم يتوقف نهر عطائها حتى اللحظات الأخيرة.
سألت نفسى لماذا نتذكر دائمًا الممثلة هدى سلطان أكثر من المطربة هدى سلطان؟! لم أفكر فى هذا السؤال طوال حياة هدى سلطان، ولكنى استعدت بعض محطات من مشوارها الفنى فى ذكراها التى حلّت علينا ومصر تعيش أحداث ثورة ثانية ترسم ملامحنا القادمة. كانت السينما بالنسبة إلى ليلى مراد أو أسمهان أو فريد وفوزى وعبد الحليم، وقبل ذلك أم كلثوم وعبد الوهاب، وسيلة لتقديم أغنيات، أما هدى سلطان فإن المخرجين الذين تعاملوا معها كانوا يفكرون أولًا فى الممثلة هدى سلطان.. هل من الممكن لأحد وهو يؤرخ للسينما المصرية أن ينسى تلك الرائعة «امرأة على الطريق» للمخرج عز الدين ذو الفقار..؟ غنّت هدى سلطان فى الفيلم ثلاث أغنيات ولكن ما تبقّى هو أداؤها الدرامى.
فى مشوارها أفلام لم تُغنّ فيها مثل «شىء فى صدرى» و«عودة الابن الضال».. حتى اللقاء الأخير لها مع الجمهور فى السينما «من نظرة عين».
لم تنسَ هدى سلطان أنها مطربة، رغم طغيان وسيطرة الممثلة الموهوبة هدى سلطان، وأتذكر لها هذا الموقف الذى حدث قبل 17 عامًا عندما أقام الراحل سعد الدين وهبة، باعتباره رئيسًا لمهرجان القاهرة السينمائى، احتفالية لاختيار أفضل مئة فيلم فى تاريخنا السينمائى، وكان لهدى سلطان من بينها سبعة، شاركها فى عدد منها الملك فريد شوقى، وفى نهاية الاحتفال لم ينسَ الحاضرون المطربة هدى سلطان وصعدت على المسرح بناء على طلب الجماهير، وغنت «إن كنت ناسى أفكرك»، وصعد فريد فى أثناء غنائها، وبناء على طلب الجماهير، إلى المسرح، ووضعت هدى يديها على كتف الملك، ونسينا وقتها أنهما كانا قد انفصلا قبلها بربع قرن.. انتصر الخيال على الواقع وعدنا إلى فيلم «جعلونى مجرمًا»، وتحولت كلمات الأغنية إلى عتاب توجهه ونوجهه معها إلى فريد شوقى!