عدت إلى مصر لمدة ساعات قليلة من مهرجان الخليج فى «دبى» لأنتقل بعد أقل من 24 ساعة إلى مهرجان الجزيرة فى «الدوحة».. لا ينعزل النقاد والصحفيون عما يدور فى وطنهم خارج إطار المهرجانات أو الندوات التى يوجدون فيها، ولكننا نكتب أكثر عما نراه ونلمسه أمامنا. وفى هذه المساحة الزمنية المؤقتة بين المهرجانين وجدت أمامى العديد من الملاحظات كنت قد دونتها، ولكن تدافع الأفكار والأحداث فى المهرجان السينمائى حال دون تناولها!!
والتقط واحدة منها العديد من المواقع الصحفية، أفردت فى الحديث عن حقيقة إسلام جورج قرداحى، وكالعادة تضع مثل هذه الشائعات أصحابها فى حرج، لأن النفى فى ظل ما نراه ونلمسه الآن من الممكن أن يعيد البعض تفسيره أو حتى استثماره، ولكن أمام ارتفاع صوت الشائعة فكان لا بد من التوضيح، وهو ما فعله بالضبط جورج.. وكل من يشاهد جورج فى برامجه يستطيع أن يدرك إلى أى مدى يتمتع الرجل بثقافة إسلامية رفيعة، ولكن هذا لا يعنى اعتناقه الإسلام.
أتذكر مثلا أن المطرب هانى شاكر فى بداية مشواره الفنى مطلع السبعينيات كان يؤكد فى أحاديثه حرصه على أداء الصلوات الخمس، لأن البعض صور له أنه سوف يفقد شعبيته لو صدقوا شائعة أنه مسيحى.. الفنان محمد صبحى منذ 12 عاما كانت تلاحقه تلك الحكاية، وهى أن اسمه الحقيقى مجدى، وأنه مسيحى، ولكن والده أطلق عليه محمد، لأن كل الأطفال الذين أنجبهم قبله قد ماتوا.. مجموعة من التخاريف صاحبت بطل مسرحية «تخاريف»!!
هل تتأثر شعبية الفنان من خلال ديانته؟ هناك بعض المظاهر لا تجد لها تفسيرًا منطقيًّا، لو أنك مثلا سألت لماذا لم يظهر «جان» فتى أول مسيحى الديانة طوال تاريخ الدراما المصرية؟! أو لماذا لم يحقق مطرب مسيحى رواجًا جماهيريًّا ضخمًا؟! الأمر رغم غرابته، فأنا أراه يؤدى إلى نتائج خاطئة، فلو كان التفسير طائفيًّا فلماذا نجح هذا العدد من نجوم الكوميديا الأقباط؟! بل إن الضحك فى مصر لو أنك قررت أن تحيله إلى اسم فنان واحد يعبر عنه ويصبح عنوانه وغلافه لن تجد غير نجيب الريحانى.
علاقة الفنان بالجمهور لا يدخل فيها الانحياز الدينى ولا يمكن مثلًا أن نتصور أن المخرج داوود عبد السيد أو محمد خان عندما يستعين أى منهما بممثل أو مدير تصوير يلحظ ولا أقول يسأل أولا عن ديانته.. الحياة الفنية قائمة طوال العهود على أن البقاء للأفضل، ومن يحقق إنجازا فنيًّا أعلى أو إيرادات أكثر هو المطلوب بعيدا عن النظر أولا إلى خانة الديانة!!
لا أنكر أن هناك من يعتقد أن الدين قد يشكل حاجزا بينه وبين مشاعر الناس.. أتذكر ملحنا شهيرا قال لى إن الدولة لم تكن تستعين به فى تقديم أغنيات وأوبريتات أكتوبر فى زمن الرئيس المخلوع لأنه مسيحى، وكانوا يفضلون عليه الملحن المسلم.. قلت له هذا الملحن عرف كلمة السر ولا أظنك ستكتشفها، فهى ليست رشوة مادية بالضرورة، ولكنها قدرة خاصة تمكنه من الوصول إلى صاحب القرار، ثم لماذا فقط هذا الملحن المسلم الذى احتكر تلك الألحان، يوجد عشرات من الملحنين ولم تسند إليهم أى أغنيات فى أكتوبر أو غيره وكان بعضهم ليس لديه مانع فى أن ينافق المخلوع ويغنى له.. أنت موهوب وهو أيضا لا أنكر موهبته، ولكن بالإضافة إلى ذلك هو يملك موهبة فك الشفرة!!
تذكرت فى أثناء إقامة مهرجان الإسكندرية السينمائى فى أكتوبر الماضى، جمعتنى جلسة مع يحيى الفخرانى، حكى لى أنه فى مسلسل «زيزينيا» وبعد اعتذار آثار الحكيم عن أداء الجزء الثانى، قرر هو ومخرج المسلسل جمال عبد الحميد، والكاتب أسامة أنور عكاشة، أن الأنسب للدور هالة صدقى، وفوجئوا أن الإنتاج يعترض.. لم يجد المسؤول سوى حجة أن هالة مسيحية، والمسلسل يُعرض فى رمضان.. وأصر بالطبع الفخرانى وجمال وأسامة على هالة، فى مواجهة فساد موظف أكثر من كونه تعبيرا عن انحياز طائفى.. هل مشاعر الحب تتغير لو اعتنق جورج الإسلام؟!