قبل أن أبدأ الحديث عن رأى هالة صدقى فى عدم جواز فرض الحجاب على الفنانات، وهو الرأى الذى أثار غضب البعض، أرجو أن تتحملونى فى قراءة تلك المقدمة.. أنت مصرى ولك حرية الاعتقاد الدينى، مسلما أو مسيحيا، هذه هى أول مبادئ الدولة المدنية التى لا تلغى الدين من حياة الناس، لكنها لا تفرق بين الناس على أساس الانتماء الدينى! مع الأسف هناك قطاع لا يستهان به من المصريين، صارت لديه الرغبة فى الحكم على الإنسان من خلال ديانته أولا.. مثلا إذا كنت مسلما، ولك وجهة نظر، تتناول مواقف البابا شنودة السياسية، مثل تأييده المطلق لمبارك حتى بدايات الثورة ومراهنته على توريث الحكم لجمال، فسوف ينظر بعض الأقباط أولا إلى خانة الديانة، ويعتبر هذا الرأى تدخلا سافرا فى شؤون الغير، رغم أننا مصريون، والشأن عام، والهم واحد.. لو تابعت مثلا الأعمال الفنية الدرامية التى تتناول العلاقات بين المسلمين والأقباط، التى يطلق عليهما أحيانا بحسن نية «عنصريا الأمة»، أى أنه يرسخ العنصرية.. لو تناول كاتب أو مخرج المجتمع المصرى بمسلميه وأقباطه سوف تجد من يبحث أولا عن الديانة وآخرها مسلسل «دوران شبرا»، حيث اضطر المخرج خالد الحجر إلى إشهار ديانة زوجته الأجنبية المسيحية، حتى لا يقول أحد إنه مسلم ينحاز إلى المسلمين.. لا يمكن لأحد أن يرى العمل الفنى أو يحاكمه من خلال ديانة مبدعيه، ورغم كل ذلك فأنا أرى أن الأمر ببساطة ينبغى أن يعالج على هذا النحو «أنا مصرى من حقى أن أتناول أى شأن مصرى»! فى أثناء الثورة شاهدنا مصر الحقيقية فى ميدان التحرير والميادين الأخرى، عندما شاهدنا المصريين وقد تحولوا إلى دروع بشرية لحماية المصريين فى أثناء صلاة الجمعة، وشاهدنا المصريين يحيطون بالمصريين فى قداس الأحد، أو تلك اللقطة لفتاة مصرية تصب الماء لشاب يتوضأ، وأرجو أن تلاحظوا أننى لم أقل مسلمين أو أقباطا، ولكنى قلت مصريين، ولا أنسى أن الشيخ يوسف القرضاوى لم يبدأ حديثه كما تعودت الأئمة فى خطبة الجمعة، قائلا «أيها المسلمون»، بل حرص على أن يقول «أيها المصريون».. المصرى قبل الديانة كانت هذه هى الروح التى قدمتها وعبرت عنها ثورة يناير، إلا أننا عدنا كالعادة للخلف دُر، صرنا ننظر أولا إلى خانة الديانة، وبعدها نحلل الرأى أو الموقف.. هالة صدقى لم تتناول الحجاب باعتباره فرضا فى الإسلام، لم تتحدث عن مشروعيته، لكنها فقط طلبت أن لا يفرض على الفنانات.. هى نفسها سبق وأن ارتدت الحجاب فى بعض أفلامها، ومن البديهى أن الشارع المصرى صار الحجاب أحد معالمه الرئيسية، ولو قرر مخرج تقديم عمل فنى يتناول مصر، لا يمكن أن تتجاهل عينه الحجاب، إلا أن الأمر هنا مختلف، ليس حرية ارتداء الحجاب، ولكن فرض الحجاب فى الحياة أو العمل الفنى.. مثلا منى زكى، وهند صبرى، وياسمين عبد العزيز، ونيللى كريم وغيرهن لعبن أدوار محجبات، إلا أنهن فى عدد من مشاهد الفيلم كان ينبغى دراميا أن تخلعن الحجاب. إننا لا نقدم أفلاما مثل السينما الإيرانية التى تشاهد فيها كل النساء محجبات، وممنوع أن يصافح البطل البطلة.. سبق أن صرحت حنان ترك بأن الحجاب كان السبب وراء حصول السينما الإيرانية على كل هذا النجاح العالمى، والحقيقة أن السينما هى التى تحصد الجوائز، أقصد الفكر والتعبير، لا حجاب الممثلات.. فى السينما المصرية قدمنا فيلم «كامل الأوصاف» بطولة حلا شيحة، وارتدت الحجاب طوال الأحداث، ولم يتبق فى الفيلم أى شىء سوى أن البطلة المحجبة هى الطيبة، بينما السافرة الشريرة لقيت عقابها.. الآن من الممكن بعد أن انتشرت شركات تابعة للإخوان ستنتج أعمالا سينمائية وتليفزيونية أن نرى عديدا من الأعمال الفنية التى ترتدى فيها البطلات الحجاب، ولكن يظل الرهان، هل نشاهد إبداعا أم مجرد ممثلة محجبة أو ممثل أطلق لحيته.. بالمناسبة هالة صدقى لو طلب منها المشاركة فى هذه الأعمال سوف تقبل، ولكنها فقط تتحدث كمواطنة، ترفض أن يفرض الحجاب على أحد داخل الاستوديو أو خارجه.. إنها مصرية أولا.. أتمنى أن نظل جميعا مصريين أولا!