تبادل الناس كذبة أبريل علي أنها حقيقة لا تحتمل الشك وهي أن "عادل إمام" سوف يلعب بطولة فيلم "الضربة الجوية " يشيد فيه بدور "مبارك".. بالتأكيد الخبر عار من الصحة ولكن الصحيح هو أن "مبارك" صار تحت مرمي نيران السينمائيين وأنهم سوف يتناولون حياته و "الضربة الجوية" بعيداً عن المبالغات التي صدرتها لنا أجهزة الإعلام علي مدي 30 عاما!! يحظي "حسني مبارك" بلقبين الأول أنه أول رئيس سابق واللقب الثاني الذي سوف يحصل عليه هو أنه أول رئيس مصري سوف تسمح الدولة بتقديم قصة حياته بدون الخوف من الخوض في سلبياته علي كثرتها هو وأفراد أسرته والحاشية. تبدو علاقة "حسني مبارك" والسينما بها قدر كبير من الحساسية أو ربما عدم الاكتراث.. حكي لي المخرج "محمد خان" أنه في اللقاء الوحيد الذي جمعه مع "مبارك" قبل نحو عشر سنوات في إطار منح الأوسمة لفريق عمل فيلم "أيام السادات" قال له "مبارك" أنا كنت فاكر إني ح انام وأنا بشوف الفيلم ولكني ما نمتش!! وكأن السينما اخترعت من أجل أن ينام الناس.. "مبارك" علي عكس سلفيه "عبد الناصر" و"السادات"، حيث كان لديهما شغف واضح بالفن السابع حتي إن "السادات" في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي تقدم إلي إحدي شركات الإنتاج بصورته من أجل أن يرشح لبطولة فيلم إلا أنه رسب في الامتحان ورغم ذلك ظل علي حبه للسينما.. "عبد الناصر" كان يحرص علي مشاهدة الأفلام السينمائية في بيته أسبوعياً!! "السادات" لم يظهر سينمائياً وكذلك "عبد الناصر" لم يشارك أي منهما في عمل فني قبل الرئاسة.. الغريب أن "مبارك" فعلها وشارك في فيلمين الأول "وداع في الفجر" عام 1956 إخراج "حسن الإمام" هذا الفيلم منذ تولي "مبارك" الحكم قبل 30 عاماً وهو لا يسمح بعرضه في التليفزيون المصري الرسمي وبالطبع لا تستطيع الدولة أن تمنع الفضائيات من العرض.. الذي كان يبدو أن المنع لأسباب متعلقة بمؤسسة الرئاسة لا يوجد قرار مكتوب إلا أنه العرف السائد.. كان "حسني مبارك" يؤدي دور قائد في مدرسة الطيران وبالفعل كان مديراً لمدرسة الطيران في تلك السنوات.. "مبارك" في الفيلم لديه مشهدين مع "كمال الشناوي" و "عبد المنعم إبراهيم".. أما الفيلم الثاني الذي شارك فيه "حسني مبارك" فهو لا يعرض لا فضائياً ولا أرضياً واسمه "التلاقي" قال لي مخرج الفيلم "صبحي شفيق" أنه صور الفيلم عام 1976 في أحد الأندية وكان الرئيس لا يزال يشغل موقع النائب حاضراً في النادي ولم يمانع في التصوير وكان معه ابنيه "جمال" و "علاء" وزوجته "سوزان" الفيلم لا يعرض لأسباب ليست لها علاقة بالدولة أو مؤسسة الرئاسة ربما لأن لا أحد يطلبه أرضياً أو فضائياً. السينما لم تقترب من الرئيس غنوا باسمه عشرات المرات بينما السينما تحرجت كثيراً في تقديم شخصية الرئيس ولكنها استطاعت أن تنقل مثلاً جنازة في فيلم "أي أي" لسعيد مرزوق، حيث إن بالفيلم مشهد لجنازة وزير وكان ينبغي درامياً أن تتم الاستعانة بمشهد وثائقي للرئيس وتم تركيب المشهد بعد موافقة الرئاسة وذلك عام 1992 .. ووافقت مؤسسة الرئاسة علي فيلم آخر هو "جواز بقرار جمهوري" عام 2001 المفروض أن الرئيس ضمن أحداث الفيلم يحضر فرح شعبي فوق سطح إحدي العمارات كان ينبغي الحصول علي موافقة الرئيس قبل العرض الجماهيري وقال لي مخرج الفيلم "خالد يوسف" إن الرقابة علي المصنفات الفنية رفضت في البداية التصريح بالفيلم وعندما تقدم للجنة التظلمات قالوا له إن الوحيد الذي يملك الموافقة هو الرئيس.. الفيلم ينحاز للرئيس فهو شيحرص علي أن يحيط شخصيته بقدر من التوقير.. الرئيس متعاطف مع أفراد الشعب الفقراء ولهذا يلبي الدعوة الموجهة له من العريس "هاني رمزي" وخطيبته "حنان ترك" الفيلم درامياً يصب في صالح الرئيس ورغم ذلك فإن الدولة لم تكن تستطيع عرض الفيلم لولا أن المخرج استعان بالفنانة "يسرا" والتي كانت قريبة إلي السلطة ووجهت "يسرا" الدعوة إلي "جمال مبارك" الذي تحمس للفيلم وعرض الأمر علي "زكريا عزمي" وبالتأكيد وافق "مبارك" علي الفيلم ولهذا عرف طريقه إلي دور العرض.. أكثر الأفلام التي تعرضت مباشرة للرئيس هو "طباخ الرئيس" اعتذر عن أداء دور الرئيس كل من "عادل إمام" ثم "محمود عبد العزيز" وأخيراً وصل الدور إلي "خالد زكي" وكانت التعليمات الصارمة هي ألا يقلد الرئيس السابق وبالطبع فإن هذه هي رغبة الرئيس ألا يقلده فنان.. سبق فقط علي خشبة المسرح أن فعلها "محمد صبحي" قبل 17 عاما في مسرحيته "ماما أمريكا" وقال لي "صبحي إن أمن الدولة استدعاه ثلاث مرات وقالوا له إن زميلاً تقدم بشكوي ضده يتهمه بالإساءة إلي رمز مصر.. شاهد أمن الدولة المسرحية ولم يعترضوا بل وعرضت المسرحية كاملة في التليفزيون المصري قبل 5 سنوات ولكن من بعدها لم يجرؤ فنان علي أن يقلد "حسني مبارك".. إلا أن "مبارك" أحب شخصية الطباخ التي لعبها "طلعت زكريا" ووقفت مؤسسة الرئاسة معه في محنة مرضه الأخير ولهذا التقاه "مبارك" في شهر أكتوبر الماضي في جلسة استغرقت أكثر من ساعتين!! ورغم ذلك ظلت هناك محاولات لتقديم شخصية "حسني مبارك" وفي حياة الفنان "أحمد زكي" كثيراً ما كان يتردد الحديث عن فيلم عنوانه "الضربة الجوية" علي اعتبار أن الرئيس كان هو قائد القوات الجوية وكثيراً ما حرص الإعلام المصري طوال حكم "مبارك" علي التأكيد بأن نصر أكتوبر يساوي الضربة الجوية.. كان "أحمد" قد قدم دور "جمال عبد الناصر" في فيلم "ناصر 56" عام 1996 وبعد ذلك "أيام السادات" في عام 2001 والذي تناول حياته ولهذا كان "أحمد" حريصاً علي أن يعلن دائماً أنه سوف يقدم "الضربة الجوية" ومع رحيل "أحمد زكي" مات المشروع إلا أن الدولة قبل بضعة أشهر فقط كلفت جهاز السينما التابع لوزارة الإعلام بإنتاج الفيلم وبالفعل كتب "عاطف بشاي" السيناريو ورشح "علي عبد الخالق للإخراج وهذا يعني أن "مبارك" كان متحمساً لإنتاج فيلم يقدم شخصيته ودوره العسكري في أكتوبر وكان أكثر المؤهلين للترشح لأداء الدور هو "أحمد شاكر" وبرغم أنه لا يزال وجهاً جديداً إلا أن به بعض ملامح من "مبارك" وبمجرد الإطاحة بمبارك مات بالطبع المشروع وتحول إلي كذبة أبريل التي تبادلها الناس علي النت! الغريب أن رحيل "مبارك" فتح الباب للحديث عن فيلم آخر منع عرضه في عهده وهو "حائط البطولات" والمقصود بهذا التعبير هو سلاح الدفاع الجوي الذي كان يقوده المشير الراحل "محمد علي فهمي".. الفيلم أيضاً إنتاج قطاع الإنتاج التابع لوزارة الإعلام وظل علي مدي 15 عاماً ممنوعاً من العرض علي أساس أنه يمجد بطولة سلاح الدفاع الجوي وليس سلاح الطيران الذي كان قائده هو "حسني مبارك" وحاول المنتج المنفذ للفيلم أن يطلق عليه اسم "نسور الجو" علي أساس أن هذا التعبير يشير إلي سلاح الطيران أملاً في عرضه ولكن دون جدوي.. الفيلم بطولة "محمود يسن" و "رغدة" و "خالد النبوي" و "عايدة عبد العزيز" التي أدت دور "جولدا مائير" وأتيح لي قبل نحو 10 سنوات مشاهدة الفيلم ورأيي بعيداً عن الاعتراض الذي أبداه الرئيس السابق أن الفيلم رديء فنياً وفكرة عرضه الآن أراها خاطئة حتي ولو غاب السبب الحقيقي أو السياسي للمنع فإننا ولا شك نتحدث عن عمل فني متواضع فنيا!! قبل غياب "مبارك" كان هناك فيلم عنوانه "الحقنا يا ريس" يقدم نفس التيمة الدرامية التي تبنتها أفلام مثل "جواز بقرار جمهوري" و "طباخ الرئيس" وهي الرئيس المحب لشعبه بينما الحاشية سيئة.. بعد رحيل "مبارك" عن الحكم تغير اسم الفيلم ليصبح "صرخة نملة" وتغيرت الرسالة الدرامية فأصبح الفيلم يهين من خلال الدراما الرئيس الغافل عن شعبه!! هل نقدم شخصية "حسني مبارك" في فيلم سينمائي؟ بعض السينمائيين قالوا لا يمكن أن يصبح "حسني مبارك" بطلاً رغم أنه يملك درامياً كل أسباب البطولة.. بالطبع فإن تناول حياة الرؤساء وعبر تاريخ الدراما المصرية لا يسمح فيه إلا بما تريده الدولة أقصد النظام الحاكم الملك "فاروق" منعت ثورة يوليو تناول حياته ولكنها كانت تشير إلي فساد حكمه في عدد كبير من الأفلام وبعد قيام ثورة 23 يوليو فإن كل الأفلام القديمة التي بها صورة للملك "فاروق" كان يتم حذفها حتي أغاني "فاروق" منعت ولم يتم الإفراج عنها إلا قبل 15 عاماً ثم قدمت حياة "فاروق" في مسلسل تليفزيوني قبل نحو 3 سنوات إخراج "حاتم علي" وبطولة "تيم حسن" وكان المسلسل وإلي حد كبير منصفاً للملك!! أشعر بأن شخصية "حسني مبارك" تملك كل المقومات الدرامية فهي لديها كل المغريات التي تثير اهتمام الجمهور خاصة في الأيام الأخيرة ال18 يوماً التي استغرقتها الثورة، حيث ظل فيها متمسكاً بالكرسي ومحاولته امتصاص الغضب الشعبي وإلغاء ملف التوريث ورغبته الأخيرة في البقاء بضعة أشهر ورفض الجماهير الجارف لأي تنازل وإصرارهم علي الرحيل أتصورها ذروة درامية تصنع بالتأكيد حالة إبداعية علي كل المستويات. السلطة وطوال العهود لا تسمح بانتقاد مباشر لرؤساء الجمهورية في مصر.. يبدو أن انتقاد عهود الرؤساء ممكن ولكن انتقاد الرئيس شخصياً ممنوع.. شاهدنا أفلاماً مثل "الكرنك" تنتقد عصر مراكز القوي وزوار الفجر وتتهم العهد "الناصري" بالفساد ولكن الممنوع هو تقديم فيلم ضد "السادات" أو "جمال" حتي "محمد نجيب" لم يتم انتقاده كل ما حدث هو أن الرئيس "جمال عبد الناصر" لم يسمح عام 1955 بعرض فيلم "الله معنا" إخراج "أحمد بدرخان" إلا بعد حذف شخصية "محمد نجيب" من الأحداث رغم أن "زكي طليمات" كان قد صور مشاهدها. الآن صار "حسني مبارك" في مرمي السينمائيين المصريين والعرب، متاحاً للجميع وسوف يطلقون عليه نيرانهم الدرامية والتي لا أتصورها نيراناً صديقة!! ************ الحجاب لن يواجه الصليب في ماسبيرو لا أتصور أن التليفزيون المصري الرسمي من الممكن أن تتحول شاشته لتصبح ساحة صراع طرفاها الحجاب والصليب.. إلا أنه لايمكن أن ترتدي الحجاب ومن حق زميلتها لو أرادت أن تبرز علي صدرها الصليب ولكني لا أتصور أن يصبح هذا هو الهدف الأسمي.. مع الأيام سوف يتعود المشاهد علي ذلك وفي كل الأحوال من المستحيل أن نصبح بصدد تليفزيون شاشته تبحث عن خانة ديانة المذيعة!! النجاح للإعلامي ينبغي أن يظل هو ساحة الصراع من أجل مصلحة الشاشة وهكذا أصبح المنع هو الوسيلة التي انتهي عمرها الافتراضي.. من تعتقد أن الحجاب أو الصليب هو طريقها إلي قلوب المشاهدين سوف تخسر كثيراً وكما أنه ليس كل من تقف أمام الكاميرا بلا حجاب أو صليب هي المذيعة المطلوبة فإن من ترتدي الحجاب أو الصليب ليست هي النموذج المطلوب الأهم ماذا تقدم وكيف تدير الحوار!! علي مدي يزيد علي السنوات العشر وهناك عدد من الأحكام القضائية حصلت عليها مذيعات التليفزيون المصري المحجبات مثل "نيفين القاضي" و "مني الوكيل" و "مها مدحت" للظهور علي الشاشة وهن مرتديات الحجاب إلا أن مصير هذه الأحكام كان دائماً ما ينتهي إلي إيقاف تنفيذها علي الشاشة.. وبرغم أن القانون في العالم كله صريح حيث إنه يعاقب بالسجن كل من لا ينفذ حكماً قضائياً إلا أن الدولة كانت تتحكم في كل شيء وهناك قرار غير معلن توارثه كل وزراء الإعلام مع بداية انتشار ارتداء الحجاب بين عدد من المذيعات وهو أن التليفزيون الرسمي لن يسمح بذلك.. صحيح أن القنوات الخاصة المصرية سمحت لا أتحدث عن القنوات الدينية التي بطبعها استعانت بعدد من الممثلات اللاتي تحجبن مثل "عبير صبري" و "ميار الببلاوي" و "مني عبد الغني" وغيرهن كما أن هذه القنوات لا تسمح بالظهور علي الشاشة إلا للمحجبات ولكني أقصد القنوات الاجتماعية مثل "دريم" و "المحور" و"الحياة" ومن الواضح أن هذه القنوات لم تكن تفتح الباب علي مصراعيه للمذيعة المحجبة ولكنه كان مفتوحاً علي استحياء.. أما القنوات العربية فكل قناة لها طبيعتها الخاصة مثل "الجزيرة" التي لا تضع موانع مسبقة مع أو ضد الحجاب وهكذا رأينا علي شاشتها "خديجة بن قنة" التي تعتبر أشهر مذيعة عربية محجبة، كما أن المذيعة المصرية "سوزان حرفي" ارتدت فترة الحجاب ثم خلعته وظهرت علي شاشة الجزيرة في الحالتين وذلك قبل أن تتقدم باستقالتها!! من الواضح أن الأمر في التليفزيون المصري كان خاضعاً لقرار الدولة السياسي الذي كان يربط بين الحجاب وجماعة الإخوان المسلمين برغم أنه في الواقع لا يمكن أن نعتبر أن انتشار الحجاب هو بالضرورة معبراً عن انتشار تلك الجماعة حتي إن التليفزيون ظل حتي قبل 7 سنوات متحفظاً في السماح بتقديم بطلات يرتدين الحجاب في العمل الفني لا أتناول الممثلات المحجبات اللاتي اقتحمن الشاشة الصغيرة قبل بضع سنوات "سهير البابلي" و "سهير رمزي" و "حنان ترك" ولكن مجرد تقديم دور درامي للمرأة المحجبة كان يبدو من بين الممنوعات الرقابية غير المعلنة!! قبل أن يرحل "حسني مبارك" بأيام قلائل كان قد فتح الباب لأول مرة كمحاولة أخيرة للإنقاذ للاعتراف بتنظيم الإخوان وقرر أن يسمح لهم بالاشتراك في الحوار الوطني.. أيضاً سمح لهم بممارسة النشاط في العلن وإنشاء أحزاب.. أعتقد أن القرار الأخير بعودة المذيعات المحجبات إلي الشاشة الصغيرة يدخل في هذا الإطار وبرغم أن هناك تحفظاً وأيضاً تحفزاً بين المذيعات غير المحجبات في التليفزيون الرسمي المصري اللاتي شعرن بأن برامجهن سوف تسحب منهن برغم أنني لا أعتقد أن أي قناة تليفزيونية عامة من الممكن أن تسمح بأن تستحوذ علي الشاشة بالنسبة الأكبر مذيعات محجبات ولكن سيظل لهن ولا شك نسبة ما.. كان القرار السابق الذي ينقل المذيعة المحجبة من العمل أمام الكاميرا إلي الوقوف خلفها هو قرار خاطئ ولا شك لأنه منعزل عن الشارع الذي نري خلاله المرأة المحجبة إلا أن هذا لا يعني أن الشاشة الصغيرة في التليفزيون الرسمي تصبح فقط حكراً للمذيعة المحجبة.. الاختفاء القسري عن الشاشة طوال السنوات الماضية لا يعني التواجد المكثف بعد انتهاء الحظر السياسي غير المعلن!! ويبقي المشاهد.. لا أعتقد أنه يحكم علي المذيعة من حجابها ولكن أداءها أتحدث عن الأغلبية من الجمهور ولهذا فإن المذيعة التي تنجح في الاقتراب من الناس هي فقط التي تكسب في نهاية الأمر ولن يسأل أحد أولاً قبل أن يشاهد برامجها هل هي محجبة أم لا.. الرهان الآن علي شاشة جذابة فلا ينبغي أن نبدد الطاقة في مذيعة ترتدي الحجاب وأخري تضع الصليب!