أحياناً نجد أنفسنا في حيرة مثل تلك التي سوف أرويها لكم.. منع "مبارك" لأسباب متعلقة بالغيرة الشخصية عرض الفيلم العسكري "حائط البطولات" بل إنه على مدى 12 عاماً كان من المستحيل أن تكتب خبراً في أي جريدة عن هذا الفيلم.. صدرت تعليمات سرية من المخابرات العسكرية لدور الصحف تمنع الإشارة لحائط البطولات في كل أجهزة الإعلام؟! الفيلم من إنتاج قطاع الإنتاج التابع لوزارة الإعلام والمنتج المنفذ "عادل حسني" ورصدت الدولة 10 مليون جنيه للإنتاج وكان يعتبر رقماً ضخماً بمقياس تلك السنوات وشارك في كتابته حوالي 7 كتاب بينهم العميد "إبراهيم رشاد" أحد الضباط من المؤسسة العسكرية أي أن الفيلم تم إنتاجه طبقاً لرغبة الدولة والقوات المسلحة.. فما الذي حدث بعد ذلك وأدى إلى اعتبار الفيلم ممنوعاً من التداول.. كالعادة فإن كل شئ له علاقة بالجيش لا تتم الإشارة الصريحة إليه إلا بتحفظ شديد ولا تحصل على إجابات قاطعة.. الفيلم يتناول دور سلاح الدفاع الجوى في المعركة في أعقاب هزيمة 67 وحتى انتصار أكتوبر 73 وهو الدور الذي لعبه بكفاءة هذا السلاح الذي كان واجبه الوطني شديد الخطورة بعد أن سُحق سلاح الطيران المصري خلال 6 ساعات وشلت حركته تماماً وأصبحت سماء مصر مفتوحة أمام طائرات العدو الإسرائيلي.. من هنا لعب المشير الراحل "محمد علي فهمي" دوره البطولي في إعداد هذا السلاح القادر على الزود عن حدود وحياض الوطن فلا تستطيع أي طائرة أن تعبر السماء المصرية.. قبل أن يتم إنتاج أي فيلم عسكري ينبغي أن توافق المؤسسة العسكرية على السيناريو وهذا بالتأكيد ما حدث ولكن بعد أن علم الرئيس السابق "حسني مبارك" تدخل لإيقاف العرض.. المؤكد أن جهاز المخابرات لم يكن لديه توجس يشير إلى أن الرئيس السابق يحمل كل هذه الغيرة تجاه سلاح الدفاع الجوى ولهذا وافقوا على السيناريو وحصل مخرج الفيلم "محمد راضي" على التصريح بالتصوير في أماكن عسكرية.. إلا أنه من الواضح كشف عن حقيقة وهى أن المعركة شهدت بطولات أخرى من أسلحة شاركت في الحرب وأدت دورها بكفاءة.. كان قد تم تصدير تلك المقولة التي دأبت أجهزة الإعلام على ترديدها وهى أن أكتوبر يساوي الضربة الجوية.. من الواضح أن دور سلاح الدفاع الجوى كان لا يروق للرئيس السابق وكان فقط لا يريد سوى أن يذكر أن النصر يساوي سلاح الطيران.. الرئيس السابق لم تكن لديه حساسية أن تقدم أفلام مثل "الطريق إلى إيلات" وبعد ذلك "يوم الكرامة" الفيلمين يتحدثان عن بطولة لسلاح البحرية ومن الواضح أن الرئيس السابق لم تكن لديه تحفظات شخصية في الإشادة بدورها على أساس أن المواجهة الأساسية كانت على الأرض والجو.. أمام هذا التعنت من الرئيس السابق حاول المنتج المنفذ للفيلم أن يطلق على "حائط البطولات" في مرحلة سابقة اسم "نسور الجو" إشارة مباشرة إلى سلاح الطيران.. أكثر من ذلك أعلن في الجرائد أنه سوف يؤدي دور "حسني مبارك" ورغم ذلك فان مؤسسة الرئاسة لم يرق لها كل ذلك ظلت على موقفها المتعنت الرافض للفيلم وتم الاتفاق على إنتاج فيلماً آخر باسم "الضربة الجوية" للإشادة بدور "مبارك" وسلاح الطيران إلا أن الأقدار أنهت تماماً مشروع الضربة الجوية وأعادت للحياة "حائط البطولات"!! تابعت مدى السعادة التي أعلنها عدد من صناع الفيلم مثل النجم "محمود يس" الذي أدى دور المشير "محمد علي فهمي" والمخرج "محمد راضي" كل منهما صدر للجمهور أنه بصدد فيلم عبقري وأن المأزق كله في أن "مبارك" رفض الفيلم وهذا بالتأكيد في الجزء الثاني صحيح ولكن يظل أن الفيلم نفسه ضعيف فنياً.. أتيح لي أن أشاهد الفيلم في لجنة صغيرة قبل نحو 10 سنوات أتذكر من بين أعضاءها الإعلامية "درية شرف الدين" وكان الرأي الذي انتهت إليه اللجنة أن الفيلم محدود جداً في قيمته الفنية سواء على مستوى السيناريو والإخراج أو أداء الممثلين.. نعم "مبارك" كان معادياً للفيلم إلا أن "حائط البطولات" في نهاية الأمر يظل كعمل فني فيلماً متواضعاً ولو كان "مبارك" لديه رؤية استراتيجية لسمح بعرضه وترك الحكم للجمهور.. الفيلم الآن بصدد عرضه جماهيرياً خلال الأسابيع القادمة.. كانت غيرة "مبارك" عمياء ولكن هل الفيلم يستحق كعمل فني الاحتفاء به ولن أصادر على حق الجمهور في الحكم النهائي؟!