أثار الجدل قبل أن نشاهد أفلامه.. وتناثرت حوله الشائعات رغم قصر مشواره الفنى.. هو المخرج أحمد ماهر الذى يلقبه البعض بمخرج وزارة الثقافة، فى حين يطلق عليه الوزير فاروق حسنى فللينى مصر. كانت بدايته مع السينما منذ الطفولة، وقرر أن يكملها بدراسته فى معهد السينما ليتخرج عام 1991، ويبدا أعماله بإخراج فيلمين قصيرين وهما «علامات أبريل» و«آخر النهار»، ليسافر بعدها لإيطاليا ليقدم هناك عدة أفلام قصيرة وتسجيلية ويدرس التمثيل والإخراج بأحد معاهدها، وعندما فكرت الدولة فى العودة للإنتاج كان فيلمها الأول من كتابته وإخراجه. ماهر يستعد الآن لعرض فيلمه الروائى الأول «المسافر» على لجنة اختيار لأفلام المشركة فى مهرجان فينيسيا.. فى خطوة ينتظرها البعض لاختبار مدى نجاح أو فشل تجربته السينمائية الأولى وأيضا لرهانات الوزير فاروق حسنى عليه. وفيما يلى نص الحوار معه: الشروق: ماذا عن فكرة فيلم المسافر»؟ أحمد: يجسد «المسافر» فكرة البطولة بين أزمنة متباينة وشخصيات مختلفة وتدور أحداثه فى ثلاثة أيام مختلفة فى حياة شخص تبدأ مع وصوله إلى ميناء بورسعيد على متن باخرة قادمة من أوروبا عام 1948 ترسو فيها لمدة ليلة، ليعود ثانية إلى مصر إلى ميناء الإسكندرية عام 1973 ثم ليذهب فى يوم ثالث إلى القاهرة عام 2001. والفيلم بشكل عام يبحث عن البطولة فى أوقات الهوان. الشروق: حدثنا عن مراحل العمل بالفيلم؟ أحمد: المرحلة الأولى «بورسعيد» والتى قام ببطولتها الفنان خالد النبوى فى دور عمر الشريف فى مرحلة الشباب، والثانية بالإسكندرية والثالثة بالقاهرة وهى من بطولة «عمر الشريف» ويشاركهما البطولة سيرين عبدالنور وشريف رمزى وبسمة. الشروق: متى بدأت حكاية «المسافر» وهل رفضت ناهد فريد شوقى إنتاجه؟ أحمد: كتبت «المسافر» منذ 7 سنوات واستغرقت فى كتابته 3 سنوات، وكان من المفترض أن ينتجه اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعد أن تحمس له «حسن حامد» رئيس الاتحاد حينئذ لدرجة أنه فكر فى طبعه رواية وبحث عن منتج يدعم الفيلم وعرضه على الكثير من المنتجين وكلهم تحمسوا له، ورغم ذلك رفض الجميع إنتاجه. الشروق: لماذا؟ أحمد: لا أعرف.. لكن أعتقد أنه فيلم مكلف وأرباحه غير مضمونة، بل يعتبر مغامرة، وأعتقد أنه من هنا يأتى دور المؤسسات. أيضا تحمست الشركة العربية لإنتاجه لكن الفنانة إسعاد يونس رأت أن الدولة هى الجهة الوحيدة التى تستطيع إنتاجه لأنه يحتاج لميزانية ضخمة وأنه فيلم سيبقى للتاريخ، وأيضا شركة «Good news» فكرت فى إنتاجه وكان يجب علىّ الانتظار مدة طويلة حتى يتم الانتهاء من الأفلام التى وضعتها فى جدول الإنتاج أولا.. وقد حاولت الحصول على دعم من إيطاليا لكن التأخر فى العثور على منتج أضاع منى هذا الدعم. الشروق: لكن ألا تخشى أن يتهم فيلمك بأنه بوق دعائى لوزارة الثقافة أو للدولة لأنه من إنتاجها؟ أحمد: اعتقد الكثير ذلك فعلا لكن وزارة الثقافة وفرت لى إنتاجا ضخما دون ممارسة أى ضغوط والوزير لديه معيار فنى واضح. الشروق:كيف جاءت خطوة التعاون مع وزارة الثقافة خاصة أنها التجربة الأولى لها فى الإنتاج السينمائى؟ أحمد: الفكرة جاءت عن طريق الناقد «على أبوشادى» الذى قرأ السيناريو بشكل شخصى وتحمس له جدا وعندما عرف من الوزير نيته فى اتجاه الوزارة للإنتاج السينمائى، لكنها لم تجد الفيلم الذى تبدأ به والذى اشترطت أن يكون مختلفا عن السائد.. وبالفعل قرأ الوزير السيناريو وتحمس له ثم عرضه على لجنة متخصصة، وكان رأيها فى صالح الفيلم، فقرر الوزير أن يكون باكورة إنتاج الوزارة، ومن حسن حظى أن ذلك كله لم يستغرق سوى شهرين فقط وأصبح صندوق التنمية الثقافية هو المسئول عن إنتاج الفيلم. وأعتقد أن دخول الدولة فى الإنتاج السينمائى أمر فى غاية الأهمية، خاصة أن وجودنا فى المهرجانات الدولية منعدم تقريبا فى حين تجد السينما العربية قد أثبتت جدارتها ونحن لا نزال نعيش فى وهم الريادة. الشروق: البعض صنف فيلمك بأنه فيلم مهرجانات فقط خاصة أنه من إنتاج الدولة..ما رأيك؟ أحمد: من المعروف أن الدولة تدعم السينما فى كل دول العالم بما فيها أوروبا، ولولا الدولة لما كان للسينما الأوروبية وجود أمام السينما الأمريكية، وعلامات السينما المصرية أنتجتها الدولة مثل «المومياء» و«دعاء الكروان» وغيرها الكثير. والعشر سنوات الأخيرة لم تقدم اى ظاهرة سينمائية واعدة وكان من المفترض أن يقوم التليفزيون بالدور الذى تقوم به وزارة الثقافة الآن، وحتى جهاز السينما للأسف يتأرجح إنتاجه ما بين الفنى والتجارى لمسايرة السوق، ولأن تأثير السينما أكبر من باقى الفنون فهى الأكثر شعبية. وتأتى أهمية تجربة «المسافر» أنها بلا توجيهات من أحد، وإلا كان الجمهور سينفر منها خاصة أننا لم نعد فى عصر استخدام السينما للترويج لأفكار الدولة أو لسياسة معينة، وحتى الرقابة متمثلة فى «على أبوشادى» والتى تحولت لجهة إنتاج فى الفيلم لم تفرض توجهاتها ومحاذيرها. الشروق:هناك علاقة مضطربة بين المواطن والأجهزة الرسمية، جعلته لا يثق فى كل ما تنتجه، ألا يمتد هذا الشعور للفيلم ويؤثر بالتالى على الإقبال الجماهيرى؟ أحمد: إذا كان لدى المواطن موقف تجاه الدولة، فذلك لم يمنعه من دخول الأوبرا أو التعامل مع بنك مصر! فليس معنى أننى لا أتوافق مع الدولة أن أعيش فى معزل عنها لأن الدولة فى النهاية ملك للمواطن وليست حكرا على الحكومة فنحن شئنا أم أبينا جزء من هذه الدولة وعندما تقدم الدولة شيئا إيجابيا يجب أن نبتهج سواء كنت معها أو ضدها وكوننا الآن فى كبوة ثقافية واقتصادية وسياسية لا يعنى أن ننفصل عن الدولة فالخوف ليس من التعامل معها لكن مع أشخاص يمثلونها ويلعبون دورا فى ردة المجتمع. الشروق: قال عنك وزير الثقافة أنك فللينى مصر بانتمائك لمدرسة المخرج الكبير «فريدريكو فللينى».. ما تعليقك؟ أحمد: بالتأكيد تأثرت بفللينى مثل العديد من مخرجى العالم.. وقد كان فللينى هو موضوع الدراسات العليا التى قمت بها أثناء دراستى فى إيطاليا، ومن المحتمل أن يكون الوزير وجد فى الفيلم روح السخرية والفانتازيا وذلك ما يميز أفلام فللينى، لكن لا يمكن أن تتم المقارنة بينى وبين فللينى خاصة أننى فى بداية الطريق. الشروق: لماذا قصدت أن يكون فيلمك الأول من تأليفك؟ أحمد: لن أظل أكتب سيناريوهات وأخرجها، فربما أكتب سيناريو لمخرج آخر وممكن أتعاون كمخرج مع سيناريست آخر.. لكن المخرج أحيانا يملك أفكارا يصعب على أى كاتب سيناريو التعبير عنها.. وهناك العديد من كتاب السيناريو المتميزين فى مصر مثل «مصطفى ذكرى» الذى قدم «جنة الشياطين» و«عفاريت الأسفلت» لكن للأسف المناخ السائد الآن لا يسمح بوجود كاتب مهم مثله. الشروق:اخترت تقديم نفسك من خلال سينما مغايرة عن المطروحة حاليا.. هل بذلك أعلنت رأيك فيها؟ أحمد: لا أتابع السينما المصرية إلا قليلا ومن حسن حظى أن الأفلام التى شاهدتها كانت جيدة مثل «أوقات فراغ» وهو فيلم مهم جدا، وفى رأيى أن السينما والتليفزيون يساهمان فى تشكيل ثقافة المجتمع وللأسف يساهمان أيضا فى عودة المجتمع للوراء من خلال منظومة أخلاقية كلها ادعاء وزيف واستخلاصات فكرية سطحية، والعيب ليس فى تسييد الأفلام الكوميدية، وإنما فى أسلوب طرحها لأن فى مصر كل أنواع السينما تقدم بصورة سطحية سواء كانت «أكشن» أو كوميديا أو رومانسيا، يقدم صناع هذه السينما قشور أفكار، بداية من سطحية الحب إلى ابتذال الكوميديا، لذلك فالمشكلة ليست فى نوع معين من السينما وإنما كيفية تقديمها. الشروق: لكن ألا ترى صعوبة التعامل مع زمن مجرد دون تاريخ؟ أحمد: لا.. ففى السينما ومن الممكن أن يكون هناك أحداث منعزلة عن التاريخ، فلا أتعمد إظهار التاريخ، ولكنى أيضا لا أستطيع نفى وجوده. الشروق:هل ترى ثمة علاقة بين الواقعية الإيطالية والواقعية المصرية؟ أحمد: بالفعل هناك علاقة، بل إن السينما المصرية سبقت الإيطالية فى تجسيد الواقع، فأفلام «كمال سليم» الواقعية سبقت الموجة الواقعية الإيطالية والتى أثرت فى سينما العالم.. المشكلة أن الواقعية المصرية قدمت بشكل متقطع مما أفقدها تأثيرها فبعد واقعية «كمال سليم» بسنوات جاءت واقعية «صلاح أبوسيف» وبعده بفترة طويلة جاءت واقعية الثمانينيات على يد محمد خان وعاطف الطيب وخيرى بشارة وداوود عبدالسيد وهم أكثر المخرجين المصريين تأثرا بالواقعية الإيطالية. الشروق:ما المرحلة التى وصل لها الفيلم الآن؟ أحمد: انتهيت من طباعة أول نسخة من الفيلم وبعده سأراسل مجموعة من المهرجانات الكبرى كفينسيا وكان وبعدها يكون فى صالات العرض بإذن الله فأنا يهمنى الجمهور العادى أو جمهور المولات كما يطلقون عليه. الشروق: بالمناسبة ما التكلفة الإجمالية للفيلم؟ أحمد:الفيلم رصدت له الوزارة 10 ملايين جنيه وبعدها حصل على جائزة من وزارة المالية قدرها 5 ملايين لتصل تكلفته ل15 مليون جنيه.