وأنا فى طريقى إلى دار السينما لأشاهد أفلام العيد، كان الجامع المقابل للسينما قد بدأ فى وضع السجاجيد الإضافية أمامه، كانت الساعة لم تبلغ بعد العاشرة مساء، ولكن ليلة العيد والاستعداد لشعائر صلاة العيد تبدأ مبكرا.. فى هذه الليلة ترى هذا التوحد بين مظاهر الدنيا والدين. فى حى المنيل، حيث أقطن، توجد سينما «جلاكسى» والعروض فى الظروف الاستثنائية تمتد حتى الثالثة فجرا، أى أن الفيلم ينتهى عرضه ومؤشر الساعة يقترب من الخامسة، والجمهور الذى ذهب إلى الجامع كان قبلها بلحظات يضحك مع نجمى الكوميديا حلمى ومكى. رأيت جزءا كبيرا من جمهور السينما ينضم إلى صفوف المصلين، مرددا تكبيرات عيد الأضحى «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله». وقفز إلى ذهنى هذا السؤال الذى يتردد كثيرا فى الإعلام: ماذا لو وصل التيار الإسلامى إلى الحكم مثلما هو فى تونس عندما انتصر حزب النهضة الإسلامى وحرص على إعلان أنه لن يعادى الفن ولن يفرض الحجاب ولن يغلق دور العرض؟ واحترم التوانسة المناهضون للحزب رأى الأغلبية، وأنا أرى أن أى تيار إسلامى يخاطب الجماهير سياسيا يقدم كثيرا من التطمينات المتعلقة بالاتهام الذى يلوح فى الأفق، وهو التشدد ومعاداة الفن والثقافة والمرأة والأقباط.. اللعبة السياسية تجعل مثلا الحزب اليسارى يؤكد انفتاحه على اليمين، والعكس صحيح، سوف يعلن اليمين أنه سوف يحافظ على الأمن الاجتماعى ومحاربة الفوارق بين الطبقات، والإسلامى سوف يقدم ثلاث رسائل: أولا رسالة للأقباط وأحقية القبطى فى تولى الحكم، الثانية للمرأة التى سوف يمنحها حريتها كاملة، لن يفرض الحجاب على الشارع. النموذج الإيرانى الذى يطبق بقوة قانون الحجاب على الشارع مستحيل الاقتراب منه فى مصر. النموذج التركى فى فصل الدين عن الدنيا هو الأقرب.. ليس معنى ذلك أن تخاصم الدنيا قواعد الدين، ولكنها لن تتحول إلى قوانين ملزمة فى الحياة.. زوجة أردوجان ترتدى الحجاب، ولكن الحجاب ليس زيا رسميا فى تركيا. أنا لا أخشى من إرادة الناس فى الاختيار ولهذا لا أجد مبررا لمن يقول لو جاء الإسلاميون سوف أغادر البلاد.. منتهى السلبية.. عليك أن تفرض إرادتك. من يتبنى هذا الحل الانسحابى، مسلمين وأقباطا، هم الذين يمهدون لحكم الإخوان.. أكبر ضربة تنتظر التيار الإسلامى هى أن يحصل على الأغلبية فى مصر مثلما حصل عليها فى تونس، سوف تنهال عليه الضربات من الداخل قبل الخارج. المتشددون فى كل الاتجاهات دينية كانت أم فكرية عادة هم الأشد عنفا والأعلى صوتا، هؤلاء لن يجدوا فى ما هو مطروح على الساحة على لسان تلك القيادة ما يرضى طموحهم قبل اعتلاء سدة الحكم، وسوف يعتبرون أن أى موقف به قدر من المرونة يحمل بداخله خيانة للمبدأ!! لا أجادل كثيرا الآراء الدينية المتشددة التى نتابعها بين الحين والآخر فى «الفيسبوك» وبرامج «التووك شو» مثل من يعلنون إلغاء الأقباط من الحياة وفرض الجزية عليهم ومن يعتبرون المرأة عورة إذا غنت أو تكلمت أو خرجت من بيتها، هؤلاء لا تناقش آراؤهم، إنهم الفخاخ المشتعلة التى تشكل خطورة على أى تيار إسلامى يتطلع لحكم مصر.. ودائما ما تسبقنا تونس، وهكذا انطلقت الشرارة الأولى من هناك أطاحوا بابن على، وبعدها أطحنا بمبارك، وسبقونا فى الانتخابات النيابية وسوف يسبقوننا أيضا عندما نرى أن الضربات الموجعة الموجهة لحزب النهضة تأتى ممن ينتمون إليه!! فى مصر يتحدثون كثيرا بتوجس عن الشركات الإنتاجية الإسلامية، التى بدأت فى الإعلان عن مشروعاتها وقواعدها الإسلامية رغم أن عددا من الأعمال الفنية قدمت قبل سنوات، طبقا لتلك الشروط، ولم تسفر عن أى تواصل جماهيرى.. أتذكر فيلم «كامل الأوصاف» الذى فرض قواعد الحجاب الذى ارتدته بطلة الفيلم «حلا شيحة»، كذلك مسرحية «الشفرة»، بالإضافة إلى ما عرف بمسلسلات المحجبات، مثل سهير رمزى وسهير البابلى، ولم تسفر التجربة عن نجاح جماهيرى ينبئ مثلا عن تيار فنى متزمت قادم.. لا أخشى من سيطرة محتملة من تيار إسلامى متشدد، ولكنى أرى أن علينا أن لا ننسحب من الميدان. المشهد كان رائعا ليلة الوقفة.. الجمهور يخرج من دار السينما ليردد تكبيرات العيد، وأتصوره فى المساء قد عاود الذهاب إلى السينما مشاهدا أفلام حلمى ومكى وخالد يوسف