بينما كان الرأى العام مشغول بوقائع القمة العربية المنعقده فى العاصمة العراقية بغداد وبما خرج عنها من ببيانات وقرارات..كانت هناك قمة اخرى تعقد بطهران بين اكبر قوتين اقليميتين فى المنطقة هما تركيا وايران الا انه لم يخرج عنها قرارات معلنة كالقمة العربية. ومما لاشك فية ان القمة الايرانية التركية بين رجب طيب اردوغان و احمدى نجاد شهدت مناقشات ساخنه للغاية حول الثورة السورية بسبب تعارض مواقف الدولتين الشديد تجاه هذا الملف. ففى حين تذهب المواقف التركية القوية الى مدى بعيد فى نصرة قوى المعارضة والثورة السورية واصبحت جزء من مواقف معسكر الدول الغربية ودول الخليج المطالبة بتسليح المعارضة وضرورة السماح بالتدخل العسكرى الاجنبى ضد نظام الرئيس السورى بشار الاسد..مازالت ايران فى المقابل تراهن على امكانية بقاء واستمرار حليفها النظام الحاكم فى دمشق مع تنفيذه حزمة اصلاحات سياسية فى البلاد ..وتصب مواقفها فى المعسكر المضاد للدول الغربية مع كلا من روسيا وتابعها الصين. ولا يقف الخلاف بين الدولتين عند حد الملف السورى بل انه ممتد منذ فترة بسبب تنافسهما ايضا على توسيع مناطق نفوذهما على المسرح الاقليمى ولقد ظهر جليا بشكل واضح فى اعقاب الاجتياح الامريكى للعراق ونجاح ايران فى التوغل على الساحة العراقية وامتداد هذا النفوذ بشكلا موازى للحدود التركية من بغداد الى دمشق وصولا الى لبنان وهو ما تسبب فى تفاقم اجواء عدم الثقة بين طهران وانقرة . وبين الموقفين التركى والايرانى والمعسكرين الشرقى والغربى يأتى الموقف المصرى – الاقرب نسبيا الى المعارضة السورية بعناصره الهادفة الى عدم انهيار الدولة السورية والحفاظ قدر الامكان على وحدة اراضيها و مؤسساتها وفى مقدمتها الجيش السورى البالغ قوامه اكثر من 350 الف مقاتل..و ترفض من اجل هذا تسليح المعارضة حتى لا تسكب الزيت على النار وتشتعل نيران حرب اهلية واسعة النطاق تأكل الاخضر واليابس.. واختلفت من اجل هذا مع دول الخليج خلاف ادى الى انسحاب وزيرى خارجية السعودية وقطر من اجتماعات مؤتمر اصدقاء سوريا الاخير فى تونس . وتقوم باقى عناصر الموقف المصرى على ضرورة عروبة الحل العربى وتجنيب التدويل الحالى للازمة لكونه يزيد تعقيد الازمة ..ولهذا يدعو لاعادة تأهيل المبادرة العربية حتى تحظى مجددا بقبول المعارضة والنظام الحاكم الرافض لاى مبادرة للحل تأتى من قبل الدول الغربية الحليفة لاسرائيل والمعروف خططها العدائية تجاه سوريا ..كما تطالب مصر بضرورة وقف اشكال العنف من طرفى المعادلة على الساحة السورية مع تحميل دمشق مسئولية نيران هذا العنف المستعرة..وتدعو لاجراء حوار وطنى جاد يشمل اطياف المعارضة يقود الى تشكيل حكومة وحدة وطنية..وتجرى مصر من اجل هذا اتصالات نشطة مع كافة الاطراف الدولية والسورية بما فيها كثير من اطياف المعارضة التى تؤكد فى هذه اللقاءات بانها لا تثق الا فى التدخل المصرى بهذه الازمة لعدم وجود حدود لمصر اواطماع فى نفوذ على الساحة السورية..وتؤكد انها سوف تتجاوب مع اى حل مصرى متوازن يراعى طموحات الشعب السورى. ولا تقف الثقة فى الموقف المصرى عند حد اطياف المعارضة فقط بل ان قيادات ورموز الطبقة الوسطى فى الطائفة السنية ولدى الاكراد والدروز والمسيحيين والعلويين ذاتهم وباقى الاقليات فى المجتمع الذين يملكون ترجيح الموازين و يخشون ما يخفيه المستقبل يطالبون مصر بالتدخل حينما تسنح الظروف وتكون مواتية لاخماد هذه النيران المشتعلة فى الجسد السورى وايجاد حل يوقف اراقة الدماء ويحقق فى نفس الوقت رغبة الشعب السورى فى التغيير. وفى المقابل يقدر النظام الحاكم فى دمشق مواقف مصر الرافضة للتدخل الاجنبى وتسليح المعارضة وحرصها على الحفاظ على عروبة سوريا ومصالحها العليا وحسابات مصر القائمة على الامن القومى العربى..ويحرص على استمرار تواصله غير المعلن مع كافة القنوات الرسمية فى مصر حتى اعلى مستوى. وتراقب المؤسسات الرسمية والبرلمانية المصرية –بما فيها جماعة الاخوان المسلمين- مختلف التطورات المتعلقة بالشأن السورى عن كثب وتنتظر لحظة الحسم عندما يقر كل طرف فى هذه الازمة انه لن يستطيع تحقيق النصر ويمكن بالضغط على كافة الاطراف تحقيق تنازلات كما حدث فى الثورة اليمنية. وبالتالى فأنه للاسف مع عدم قدرة المعارضة على فرض كلمتها على الارض فى سوريا بسبب الة القمع والبطش العسكرية الشديده فسوف يستمر نزيف الدم السورى وتتواصل خسائر الجميع بما فيه تركيا التى حرص رئيس وزرائها قبيل التوجه الى طهران على لقاء الرئيس الامريكى بارك اوباما فى كوريا الجنوبية بغرض التسلح بأقصى موقف امريكى داعم لتحركه فى الازمة السوريه ، كما عضض موقفه ايضا قبل قمته مع نجاد بتكثيف جهود بلاده التنسيقية بين فصائل المعارضة السورية..لكن كل هذا مازال يصب فى مواقف تركيا التى اتسمت طوال فصول هذه الازمة بانها مواقف متقدمة وسابقة للتطورات الجارية على ارض الشارع.السورى ولم تفلح بكل جهودها المضنية فى هذا الملف حتى هذه اللحظة الى جعل الغلبة للمعارضة على ارض الواقع فى هذا الصراع السورى والدولى الجارى على حدودها المباشرة. وفى الاتجاه الاخر مازالت تقف ايران بكل اوراقها خلف بشار الاسد وتدعم نظامه سياسيا واقتصاديا وعسكريا وهو ما ساهم بقوة فى تماسك حليفها حتى الان ..ويخطىء من يتصور انها قد تتراجع عن مواقفها بسهولة سواء تحت التهديد والوعيد اوبالترغيب من خلال ما حمله معه اردوغان من وعود و تطمينات وعروض من اوباما الى الرئيس احمدى نجاد..لسبب بسيط ان طهران تدرك جيدا طبيعة نوايا الولاياتالمتحدة واسرائيل تجاه ملفها النووى..غير ان كل هذا لن يمنع طهران من التنقيب والبحث عن البديل لنظام الاسد ادراكا من جانبها ان النظام القائم لن يدوم طويلا بسوريا مع استمرار تدفق موجات الثورة الشعبية. ومع استمرار تدفق خسائر الجميع و عدم قدرة اى طرف محلى اواقليمى او دولى على تحقيق نصر كامل فى هذه الازمة , بدأت الدول الاقليمية تبحث بالانابة عن الدول الكبرى فى امكانية التوصل لصفقات فيما بينها تنهى هذه الازمة باقل الخسائر.