بالأمس فتحتُ صفحة كلنا خالد سعيد فلمحتُ على الوول صورة فتى ممتلئ طيب الملامح مثل معظم الناس "المتختخين". لم تكن المفاجأة في صغر سنه أو في أنه شهيد، فقد عودنا المجلس البغيض الكريه على هذه الأخبار. أصبحتُ كلما فتحتُ الفيس بوك ورأيتُ صديقا نشر صورة على صفحته، أدركت فورا وقبل فتح الصورة، أنها صورة شهيد. كنت من قبل أتوقع أن هذه الصورة صورة صديقي أو صورته مع أصدقائه في مكان العمل أو إحدى الرحلات المرحة. لكن مجلس الموت عودني الآن أن ينقبض قلبي كلما رأيت أحد أصدقائي يقوم بعمل "شير" لأي صورة، لأنها غالبا صورة أحد الشهداء المتساقطين حولنا واحدا بعد آخر. لم تكن الصورة وحدها هي المشكلة هذه المرة. كانت المشكلة في السطور المكتوبة تحت الصورة: "أنس 15 سنة.. من ضحايا مجزرة بورسعيد.. الله يرحمه كان راجل عنده 15 سنة مش شاب ولا طفل.. وصيته كانت أنه لو مات يُلف بعلم مصر ويُصلى عليه في ميدان التحرير ويتم التبرع بقرنيته لأحد مصابي الثورة. وصية أنس اللي بعتها لموبايل واحد صاحبه قبل استشهاده بأيام قليلة" وبعد هذه السطور ستجد لينك وصيته، وفيها بالإضافة لما سبق سطر آخر يزلزل القلب، هو: "ان يتم التبرع بباقي اطراف اجزاء جسمى اللى لم يتاذوا باي ضرر لمصابين الثورة.." يا إلهي! إنه يقول "اجزاء جسمى اللى لم يتاذوا"، هذا الفتى الرجل كان يستشعر أنه سيموت مقتولا نازفا محطم الأعضاء! ما أروعك وأنقاك يا أنس. قابلتُ في حياتي رجالا وكهولا ومسئولين كبارا بل وشيوخا في الفضائيات لا يشعرون بأي مسئولية تجاه شعبهم أو وطنهم، ولا يعنيهم "المجال العام" أي المجتمع والمسئوليات الأخلاقية والإنسانية البعيدة عن مكاسب الذات. بالعكس رأينا مسئولين ووزراء وأعضاء مجالس عسكرية يقتلون شعبهم بأيديهم وأيدي بلطجيتهم. يقول الكثيرون إن جيلنا الشاب جيل تافه جاهل ضيق الأفق، لكن قل لي عزيزي القارئ: في أي شعب من شعوب العالم المتحضر يمكنك أن تجد رجلا في الخامسة عشرة من عمره مثل أنس هذا؛ في عنفوان صباه يحمل هم مصابي الثورة ويوزع أعضاءه عليهم. ادخل على هذا اللينك وتأمل طيبة ملامح هذا الفتى المصري ونبله وشجاعته، واشعر بالفخر لأنك مصري مثله https://www.facebook.com/photo.php?fbid=339608696089001&set=pu.104224996294040&type=1 أردتُ أن أكتب عنه لكنني سوّفتُ في ذلك، هربا من وطأة الألم والإحساس بالذنب تجاه إنسان نبيل مثله، حتى صُعِقتُ بخبر نشره بعض النشطاء على الفيس بوك عن الشخص المدعو خالد عبد الله الذي يتحدث باسم الإسلام، ولا يتورع عن التطاول على خلق الله صراحة باسم الإسلام أيضا. خالد عبد الله هذا مشكلة كبرى، فهو نموذج بالغ السوء لرجل الدين المسلم: يهين كل من يخالفه في الرأي ويقول كلاما بذيئا وضيعا بحق مخالفيه، مثل "في ستين داهية" وغيرها من البذاءات التي ستسمعه يصف بها من يخالفه في الرأي؛ خاصة من خارج التيار الإسلامي. كيف يتصور خالد عبد الله دوره كداعية؟ لا أدري حقيقة، لكنني أدري أنه بذلك يروّج لنموذج قبيح للداعية المسلم الذي ينبغي أن يكون وقورا حليما خلوقا نبيلا. يستطيع خالد أن ينتقد مخالفيه وأن يهاجم ما يراه خطأ، لكنه يستطيع ذلك دون أن يفترض أنه ظل الله على الأرض أو وكيله الذي لا يخطئ أبدا لأنه يمتلك اليقين المطلق. الطريف أن خالدا هذا كان ممن أشاعوا مصطلح "الرويبضة" بعد أن استخدمه وشرحه في أحاديثه التلفزيونية. هذا المصطلح ورد في حديث نبوي شريف، والرويبضة كما شرحها النبي صلى الله عليه وسلم هو الرجل التافه الذي يتكلم في أمر العامة، خلافا للمنطق البسيط الذي يفترض أن يتحدث في أمر العامة الرجل العاقل الحكيم. لا أدري كيف سمح خالد لنفسه أن يتحدث عن شهداء بورسعيد بهذه الطريقة، وكيف وضع نفسه موضع وكيل الله وظله على الأرض، فيسأل أرواح الشهداء: "انتم هتقابلوا ربنا إزاي؟ لما يسألكم تقولوله كنا في ماتش؟ بيجيبوا فلوس منين يروحوا بيها الماتشات؟ أهاليهم بتشتغل ايه؟" أستغفرك ربي وأتوب إليك. اللهم احفظنا من شر كل شيطان رجيم ومن كل رويبضة لا يفقه من أمره شيئا. وأرجوك أن تقرأ الفاتحة على روح أنس ورفاقه الشهداء.