تأملت (أنا الملاك الحارس والراوي لتاريخ مصر)، من موقعي فوق سحابتي المفضلة، مايحدث فى البلد المظلم، الظالم أهلة، المنقسم أبناؤه، والمتناحرة أطيافه واعراقة، والمتقاتل شيوخه وقساوسته.. كانت الحرب الأهلية بمساعدة محرقة الطائفية تعمل منذ سنوات على حصد المزيد من الأرواح.. حرب عجيبة بين أكثر من عشرون طرفاً لا أعرف كيف يميز فيها كل طرف عدوه قبل أن يقتله؟! كان هناك السلفيين، الذين يقاتلون الإخوان والثوار الليبراليين (يطلق عليهم الخوارج)، والإخوان الذين يقاتلون الثوار والسلفيين، والأقباط الذين اتحدوا مع الليبراليين فى حرب ضد التيارات الدينية، والتى كانت مؤيدة من العسكر، الذين كانوا يقتلون الجميع عدا مؤيديهم من التيارات الدينية، ولكنهم يتجنبون الصدام مع الأقباط حتى لا يتم تدويل المذبحة، ويركزون على قتل الثوار، الذين أنضم لهم الصوفيين والتيارات الدينية المهمشة مثل الشيعة، وأنضم للإخوان مرتزقة من البلطجية العاملون لدى «الشرطة» الذين يصعب تمييزهم (بذقون وبدون)، ومؤيدين للعسكر من عامة الناس يقتلون الجميع عدا العسكر، ومؤيدين للتيارات الدينية يقتلون كل ماعداها عدا العسكر!!! كان المشهد بأكملة مصبوغاً بلون الدم.. رفعت بصرى متعجباً من الصمت المطبق الذى يخيم على «ملك الموت» الجاثم فى الأفق محيطاً إياه بذراعيه.. تسائلت (بينى وبين نفسى) عن سبب نزوله بنفسه وكان من الممكن أن ينجز مهمته فى جنىّ حصيلته من الأرواح (أو أياً كانت) وهو فى علّين..! ولكن الأسئلة لم تغادر مخيلتى لأننى أقل من أن أطرحها عليه وهو من هو.. وبرغم أفواج أرواح الشهداء الصاعدة إلينا فى السماء بإستمرار، لم أرى منه مايبدوا أنه تحرك لرد فعل ما.. كان يبدوا وكأنه ينتظر شيئاً.. ربما من خالقه وبارئنا جميعاً.. وربما لا.. من يدرى؟.. لم يعط الله أى مخلوق -ولا حتى ملائكته- القدرة على كشف أستار الغيب.. فلا نملك إلا الدعاء.. وإنتظار ما ستجود به الأقدار.. التى أتمنى أن تكون رحيمة بنا.. لذا أخذت نفساً عميقّا.. وواصلت كتابة الأحداث التى أدت إلى مانحن فيه.. جائت «جمعة القصاص» فى أول يوليو 2011 (بسبب مافعلته الشرطة بمساعدة «البلطجية» بسحل المعتصمين وأهالى الشهداء فى مسرح البالون)، فى نفس اليوم التى صرحت فيه «كلينتون»؛ "أن واشنطن «ستواصل» الاتصالات مع جماعة الإخوان"، مؤكدة أن؛ "هذه «الاتصالات» قد بدأت فى 2006"! وصرح فيه -نفس اليوم- قيادى إخوانى (ملقحاً على أبو الفتوح) أن؛ "الخارج من الجماعة «منافق» ولن تلامسه «البركة»"، وهذا ينسحب (بالطبع) على كل المصريين الذين ليسوا إخواناً! وأتهم «مرسى» من يطالبون بتأجيل الإنتخابات "أنهم عملاء للصهاينة والأمريكان"، وردت «الوطنية للتغيير» بالتهديد بمقاضاته، وأطلت الفتنة الطائفية برأسها القبيح مرة أخرى بسبب واقعة «معاكسة» تافهة فى إلمنيا، خاصةّ بعد أن فقد إخوة الوطن الهدف الموحد، ورجعوا لنفس صراعاتهم «العبيطة» السابقة، وأجلت حكومة «شرف» المشروع النووى (سئ الحظ فى كل العهود) إلى مابعد إنتخابات الرئاسة، وقدم «البسطويسى» وثيقة «المبادئ فوق الدستورية» التى تحدد وضع الجيش فى الدستور والتى شوهها «السلمى» بإيعاذ من قادته لتصبح وثيقة «جيش فوق دستورى» وليس المبادئ! وأدان تقرير «القومى لحقوق الإنسان» ما أسماه: "الإستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة" ثم ذهب إلى مجاهل «الطناش» مثل رفاقه السابقين، وأقر «شرف» الحد الأدنى للأجور ب 684 جنيه لتعيش به الأسرة المصرية شهر كامل، فى نفس الوقت الذى قررت فيه حكومته ذهاب «سيد حمدى» للأهلى مقابل 8 مليون جنيه! ثم أتبعه بقرار رفض «مريب» لرقابة «الاتحاد الأوروبى» على الإنتخابات ما من شأنه أن يبين نية مبيتة مبكرة لتزويرها. وجائت جمعة «الثورة أولاً» لتطالب بالقصاص والتطهير، خاصة بعد براءة ظباط السويس من قتل الشهداء، وعادت الإعتصامات إلى «ميدان الأربعين»، وخرجت التحذيرات الإعلامية (الجاهزة دوماً) بمخططات التخريب التى تنوى «عناصر مندسة» تنفيذها أثناء الإحتجاجات! ونجحت الجمعة رغم ذلك وامتلأت كل ميادين مصر، لدرجة أجبرت (ولأول مرة منذ تنحى «الموكوس») مؤيديه على الرحيل من ميدان «مصطفى محمود»، ليعلو صوت الثورة على كل ما دونه، وأرتجف القائمون على شئون البلاد، وأعلن «شرف» إيقاف الظباط المتهمين عن العمل، ورفض «العيسوى» تنفيذ القرار ليقدم أكبر دليل أن «شرف» ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد سكرتير وواجهة مثل كل من سبقوة لتنفيذ أوامر واملاءات من عينوه، وليتلقى اللوم والإهانات بدلاً منهم وللإطاحة به ككبش فداء وقت اللزوم. وتوقفت البلد عن العمل وأصبحت فى شبه عصيان مدنى، وتصاعدت الإحتجاجات فى كل محافظات مصر، وأنتهى كل هذا إلى لا شئ تقريباً عدا إلاعلان عن «تعديل» وزارى قريب، والتهديد بإفلاس البلد، ودعوة الأزهر «المواطنين الشرفاء» لتحمل مسئولية حماية الدولة وليس العكس! وأختلف مرشحى الرئاسة حول جمعة «الإنذار الأخير» بين مؤيد ومعارض للإسم أو الهدف! وكانت النتيجة التى نعرفها جميعاً الآن ببقاء وزارة «شرف» كما هى بتغييرات طفيفة لا تقدم أو تؤخر فى مواقع غير حساسة، مع إحتفاظ عنيد وغبى برؤساء الجامعات والبنوك والمحافظين الذين عينهم «المخلوع» كما هم. رفض الثوار «ترقيع» العسكرى للحكومة، ورد «العسكرى» بتوزيع «شنطة رمضان» على قرى مصر!، ونتع «أعوان العسكرى» المتطوعين لتحسين صورته دائماً تصريحات تخوّن الثوار وتعلن كفرهم! ومنها تصريح حزب النور: "المحتشدون فى التحرير بلطجية وحزب وطنى"، وزادوا على التصريح بتنظيم وقفة أمام مسجد «الفتح» للتنديد بمن هم فى «التحرير» وإتهامهم بالبلطجة والعمالة (!) فى نفس توقيت تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلى: "إن «مبارك» كان صديقاً عظيماً لإسرائيل، و«النظام الحالى» وعدنا بألا يحدث أى تغيير"(!). فى ذكرى إنقلاب يوليو، خرجت مسيرة إلى «وزارة الدفاع» مروراً بالعباسية ليتم مواجهتها بكل وحشية من «الشرطة العسكرية» -والتى نفت فيما بعد أى إستخدام للقوة- والكثير من «البلطجية» وبعض «المواطنين الشرفاء»من أهالى العباسية والذين فسروا غرض المسيرة بالإستعانة بالصحف الحكومية والتليفزيون المصرى والإعلام المدفوع الأجر. سقط مئات الجرحى واُعتقل العشرات واستشهد أحد المشاركين، ثم خرجت «الرسالة رقم 69» على صفحة «المجلس الأعلى» لتتضمن اتهاماً صريحاً ل «6 أبريل» بالسعى للوقيعة بين الشعب والجيش! وتبعها بعد ساعات تأكيداً فى «الرسالة رقم 70» والتى تقول ضمناً: "إنه تم رصد محاولات للوقيعة بين الجيش والشعب، يديرها عدد من العملاء والحاقدين على العديد من المواقع الإلكترونية"، ليتبعهم إتهام «الروينى» للحركة: "بأنها تتلقى أموالاً من الخارج لتقويض الدولة"، وهى جملة الإتهامات التى عجز "المجلس الأعلى" أو «الروينى» عن إثباتها فيما بعد!!!. فى 25 يوليو دعى «السلفيين» و«الإخوان» لما يسمى بجمعة «الهوية» مؤكدين على أن الأعداد المشاركة ستفوق العشرة ملايين! لمطالبة «العسكرى» (الذى كانوا يدافعون عنه قبل أيام) بإلغاء وثيقة «المبادئ فوق الدستورية» ليؤكدوا مرة أخرى أنهم لا تحركهم إلا المصالح والرغبة فى الحكم، ولا يتحركون إلا فى حالة تهديد أياً من الهدفين. فى نفس اليوم أعلن «شرف» بدء اتخاذ الإجراءات الخاصة بتفعيل قانون الغدر، وإبعاد جميع أركان النظام السابق من مواقع المسؤولية، ثم تراجع عنه عندما أكتشف أنه سيطبق عليه هو شخصياً لو تم تفعيله! وكرد فعل على الاحتجاجات الواسعة والمتتالية؛ تم نقل محاكمة «المخلوع» للقاهرة لأول مرة، واعلان مكان المحاكمة فى قاعة المؤتمرات والذى تغير إلى أكاديمية الشرطة (وسط أبناؤه) فيما بعد. جائت جمعة«الهوية» والتى تم الإتفاق على تسميتها بجمعة «لم الشمل» والتاكيد على عدم رفع أى شعارات دينية، وتوحيد المطالب بين الإسلاميين والثوار على رفض الوثيقة وتحديد موعد تسليم السلطة، ليفاجأ الجميع يومها برفع شعارات «إسلامية .. إسلامية» وأحتل «السلفيون» منصة «6 إبريل» بسبب «الأغانى الوطنية» ليطفئوها هاتفين من فوقها «الله أكبر» وكأنهم انتصروا على أعداء الإسلام! ثم ظهر الألاف يحملون أعلام «السعودية» فى الميدان!، لتنسحب أكثر من ثلاثين حركة وحزباً من فعاليات جمعة «تفريق الشمل والهوية الوهابية»!. جاء رمضان فى أول أغسطس ليقدم «المجلس الأعلى» هديته لأهالى الشهداء والمصابين المعتصمين فى التحرير بقيام «الشرطة العسكرية» والأمن المركزى مدعومين بالسيارات المصفحة والمدرعات بفض إعتصامهم بالقوة، وإزالة جميع خيام الاعتصام، وتم رفع جميع اللافتات والمنصات الموجودة بالميدان! وسط تأييد واسع من «المواطنين الشرفاء». فى اليوم التالى أستيقظ المصريين (بنوعيهم «الشرفاء» و«الممولين العملاء») على خبر فى «المصرى اليوم» يحمل تصريحاً من ما يسمى ب «مجلس شورى العلماء»، والذى يضم «محمد حسان»، و«محمد حسين يعقوب»: "إن تطبيق الشريعة الإسلامية سيقتصر على 7 مواد فى القانون الجنائى، تخص عقوبات «السرقة» و«الزنى» و«القتل»، لتحل محلها العقوبات الواردة فى الشريعة (أى «قطع اليد» و«الرجم» و«قطع الرقبة»)، ومادة واحدة فى القانون المدنى الخاصة بالبنوك". وكان لهذا التصريح (ويا للعجب) عميق الأثر فى إختيار المصريين للتيار الدينى فيما بعد فى الإنتخابات!!!. ونكمل المقال القادم .. لو كان لنا قادم إن شاء الله..