تحدت تقاليد مجتمع، ومؤسسة غاشمة تحكم، وقفت أمام القاضي لرد كرامتها، وهو ما نالته وسط مباركة المئات الذين وقفوا لمساندتها، سميرة ابراهيم الفتاة البسيطة، بنت الصعيد ردت كرامة ملايين المصريات اللاتي يمنعهن المجتمع من البوح بكثير من الأمور تعتبر من المحرمات في مجتمع أصبحت أولوياته مشوهة، أصرت على حقها رغم أن كثير ممن تقع لهن مثل هذه الأمور يقمن بدفنها في أبار عميقة، ليطويها النسيان مع الزمن، تجاوزت سميرة هذه التابوهات التي لا سند انساني لها الا التخلف والقهر والرجعية الذي يعود الي عصور من الاستبداد. في شهر آذار/مارس الماضي اعتقلت قوات الشرطة العسكرية سميرة ضمن مجموعة من 17 فتاة أثناء فض الجيش لمظاهرة في ميدان التحرير، تعرضن للضرب والاهانة على يد رجال القوات المسلحة، لكن أسوأ ما حدث لهن هو الكشف على عذريتهن - حتى لا يتهمن الجيش باغتصابهن فيما بعد وفقا لمبررات رجال السلطة. الواقعة لم تحرك كثيرا في وجدان المجتمع المصري، أو وسائل اعلامه التي لا تزال تعمل بأوامر من قبل السلطات حتى يومنا هذا، ومع ذلك فان رغبة نشطاء المجتمعات الافتراضية على شبكة الانترنت وعلى رأسها موقعي تويتر وفيس بوك، حول ضرورة استمرار الحديث في القضية ورد كرامة الفتيات اللاتي امتهنت كرامتهن، كانت دافعة لبقاء الأمل في العيش بكرامة وحرية. قضية ' كشف العذرية ' التي لا يرغب الكثير في الحديث عنها، خوفا ممن قام بها، أو انصياعا لتقاليد متخلفة تحكم تفكير قطاع واسع، كشفت الكثير من التناقض في المجتمع المصري الضخم، فهناك الكثير من الأمور والمناطق، لا بد وأن تصل اليها الثورة حتى يكتب لها النجاح، وعلي رأسها المجتمع وتقاليده الفاسدة التي تستند الي دهور من الفساد، ولاتمت بأي صلة من الصلات الي الدين. و أول هذه الأمور هي الأولويات وما يفترض أن يتصدر اهتمامات الانسان، وما ينبغي عليه أن يورجئه للمستقبل، أو يتجاهله لعدم أهميته في تقدم الشخص نفسه أو مجتمعه، فمصر حاليا وبعد فترة طويلة من الظلم والفساد جعلت المواطن يتجه لأفعال غير حقيقية، أو هكذا يعتقد، هربا من واقع مؤلم يحياه، فكثيرون اتجهوا الى قشور التدين المتمثل في الزي والهيئة مبتعدين عن جوهر الدين وأساسياته، الأمر الذي خلق مجتمعا أجوف يحمل الكثير من التناقضات. وأصبحت صغائر الأمور تتصدر النقاشات التي عكستها وسائل الاعلام الحكومية والخاصة، باعتبارها مرآة للمجتمع الذي تصدر فيه، فبدلا من نشر الفضيلة والقيم الخلقية التي حثنا الدين عليها مثل الصدق ورفض الظلم والنهي عن المنكر وهو الفساد الشائع في كل ربوع مصر، انتشر الحديث في أمور تافهة تقلل من شأن من يتداولها وشأن المجتمع الذي يعيش فيه. هذا الانقلاب في الأولويات هو الذي جعل المجتمع المصري يعزف ويتجاهل سواء بقصد أو بدون قضية سميرة ابراهيم، بل ان الشطط فيه ذهب بالبعض لتحميلها مسؤولية ما حدث لها باعتبار أن الفتيات لا يجب أن يخرجن في تظاهرات لرفض الظلم والمطالبة بحقوق المجتمع، لا لشيء الا لأنهن اناث، بينما هرع نحو أربعة ملايين شخص لمشاهدة صورة المدونة علياء المهدي وهي عارية، وفي ظل هذه التناقضات فان من يشاهد الصورة العارية فإنه يجب أن يترك شتيمته لها لأنها خدشت حياء المجتمع. و اذا كان تلك المدونة تعرت من تلقاء نفسها وجلبت الغضب لاقدامها على هذا الفعل، الا أن من غضبوا لهذا السبب، لم تهتز مشاعرهم عندما أجبرت 17 فتاة على التعري أمام جنود وضباط للكشف عما اذا كن عذراوات ام لا، ولم يغضبوا أيضا عندما قام الجيش بكل همجية بالاعتداء على متظاهرات امام مجلس الوزراء وسحلهن بالأقدام وتعريتهن، واللافت للنظر ليس الغضب من علياء المهدي وتجاهل سميرة ورفيقاتها وانما السادية التي تظهر في تبرير أفعال الجيش وانتهاك حرمات وأعراض المصريات، أي أن التعري الاختياري أغضب أكثر من التعري وهتك العرض الاجباري، وهو يدل علي اختلال خطير في تركيبة تلك النفسيات التي تبنت هذا الطرح وهي بالتأكيد قطاع واسع من الشعب المصري، لكن أكثر ما فيه سوءا هو تبني بعض الدعاة لمثل هذا التوجه. سميرة ابراهيم مناضلة حقيقية، ليست كبقية المناضلين الافتراضيين الذين يلهثون خلف الأضواء وتلهث خلفهم الكاميرات لا لشيء الا لعجز القائمين عليها عن ايجاد وجوه جديدة تظهر في اعلام حقيقي. الفتاة الصعيدية المحافظة وقفت ضد المجتمع بجبروته المعنوي وضد الجيش بسلطانه الفعلي، لتنهي عقدة طالما عانت منها البنات والسيدات المصريات وهي السكوت على التحرش بل والاغتصاب وهتك العرض وعدم التحدث عنه، بعدا عن العار والفضيحة، وقفت وحدها في المحكمة لتحرك النخوة التي لازالت متواجدة في المجتمع، لكنها مستترة حاليا بفعل الزمن، سميرة قالت للجميع كفى.