نيرون يجلس في شرفة قصره يتفرج على عاصمة بلاده تحترق، بدت على وجهه المجعّد ابتسامة تشفٍّ وشماتة تحولت إلى ضحكة ساخرة تردد صداها في جنبات الشرفة الفارغة إلا من مقعده الوثير، وأمامه شاشة تلفزيون كبيرة تنقل له ما يحدث أمام مبنى السينيت؛ برلمان روما، ووسط ضحكاته الساخرة الشامتة؛ صاح بصوته الحاد: والله عفارم يا عدلينوس، قدرت تعملها وتخبطهم في بعض، نادولي عدلينوس خليه ييجي حالا...عدلينوس يأتي على عجل وهو يتعثر في هرولته: أمرك يا مولاي.. - إزاي عملت كده .. ده إنت عبقري يا واد. - تلميذك وتحت أمرك يا مولاي. - لأ ازاي صحيح ضرّبتهم في بعض وخليتهم يولعوها ؟ - بشوية فلوس وتفتيح دماغ، مع شوية جهل وحبة عدم انتماء، كل ده على بعض في مِيت واحد؛ همه إللي قدروا يشعللوها. - بس إيه المُجمَّع العلمي إللي ابتدت الحريقة فيه ده ؟ - يا افندم مش المُجَمّع، ده ملوش دعوة بالمجمع الحكومي الكبير اللي جنبه، ده المَجْمَع العلمي، واللي حرقوه ماتمسكوش، إتمسكت ناس غيرهم من اللي مش فاهمين، وانا كنت عامل حسابي وملبس الشوية بتوعنا لبس ميري، وتاهوا في الزحمة والفوضى اللي حصلت، وكل اللي اتحرق شوية خرايط وكتب قديمة ملهاش لازمة، لكن سيادتك ماتقلقش لإن اللي أعرفه إن سيادتك مابتقراش. - أحسن انه اتحرق.. أهُمْ كده مش هيلاقوا تاريخ يتعلموا منه، يا بن اللذينة ! لكن عملت كده إزاي وانت المفروض جوه السجن ! - سعادتك بتقول المفروض، وانا معاك أهه، ورجالتنا كتير لسة في مكاتبهم وفي نفس شغلهم، وبيقوموا بنفس مهامهم ومفيش حاجة إتغيرت. - وبتجيب المصاريف دي منين يا عدلينوس ؟ دانتا مؤكد بتصرف كتير. - يا فندم خيرك علينا، وكل اللي معايا في السجن أو لسة برّة؛ واستفاد من عصر سعادتك ومن حكم عظمتك مابيبخلش، ومستعدين كلهم يدفعوا اللي احنا نقول عليه. - يعني أعتبر الموضوع منتهي ؟ طب هارجع تاني إمتى بقى ؟ - لسه شوية يا فندم، إحنا كنا فين ؟ ده العيال دي كانت فاكرة إن احنا اتقبض علينا بجدّ ! عيال بقى ومش فاهمين إنهم بيتلعب بيهم ! بس تحب حضرتك نلبِّس تهمة حرق البلد لمين ؟ - عندك مين تلبسهاله ؟ - سيادتك عندي اليهود، وعندي المسيحيين الجدد من أتباع بولس إللي جاي من أورشليم يبشر بالمسيحية، وعندي الراجل اللي جاي من جرمانيا اللي اسمه برادعينوس، ممكن نلبسها له، ونبقى ضربنا العصافير كلها بحجر واحد. - لأ اليهود لأ.. دول مراتي بتحميهم وبتدافع عنهم، وطول عمرهم معانا وفي إيدهم حاجات كتير، وبلاش برادعينوس علشان اللي بيحبوه مايعملوش ثورة تانية، خليك في المسيحيين، إعتقل اسمه إيه ده بتاع المسيحيين، ولبسها لهم. - حاضر يا فندم.. بس سيادتك نصبر شوية لما تشعلل كمان. - أكتر من كده ؟ - طبعا سيادتك .. همه اللي عملوه فينا قليل ؟ دي عالم ناكرة للجميل، كانوا عايشين في أمان آكلين شاربين نايمين عمالين يجيبوا في عيال، واحنا اللي كنا شايلين همهم، وآخرتها يثوروا على معاليك وقال إيه الشعب يريد إعدام نيرون ! عفوا يا مولانا، لكن الواحد طق.. معلش أنا آسف. - لكن الأندال دول بيفكروا ازاي ؟ يعني بيقولوا إيه عني ؟ - همه سيادتك مابيفكروش في حضرتك خالص، واللي فيهم مكفيهم، وشوية الدربكة اللي عملناها لهم مجنناهم. - لأ.. بيفكروا ازاي يعني ؟ - شوية بيقولوا فلول نظام سعادتك، وشوية بيقولوا الدول اللي حوالينا هي اللي بتمول الثورة المضادة علشان قياصرة الدول دي خايفين لحسن الثورة تنتقل عندهم، وشوية بيتهموا الفرس؛ أعداءنا التاريخيين، وبيقولوا إن فلوس التمويل كلها جاية من برة. - بس اوعى يا عدلينوس حد يمسك عيل من بتوعك تبقى مصيبة. - يا فندم ماتقلقش، كله تحت السيطرة، العيل من دول بنعكّمه مبلغ كبير ونديله بيت في محافظة تانية بعيدة يروح يعيش فيها هو وأهله، وبنقوله إذا شفنا وشك في روما تاني هنقتلك. - بس افرض حد اتمسك في الأحداث ؟ - يا فندم اللي هيمسكوهم ناس تبعنا ولحم كتافهم من خير معاليك، وماتخافش سعادتك كله تحت السيطرة. - وشوية العيال المتعلمين اللي ثاروا عليا، هتعمل فيهم إيه ؟ - دول يا فندم قلة مندسة، وملهومش وزن في إمبراطورية عظمتك، ولا يبانوا في وسط الملايين إللي خرجت تأييد لحكمك وحكمتك، ودول أمرهم سهل جدا؛ مجرد إن احنا هندِسّ في وسطهم مجموعات من الحرامية والسوابق والأطفال، هيبتدوا يرموا طوب ويكسروا ويحرقوا، وبعدين لما الشرطة تضرب هيتصدرلهم الثوار وكله يتلخبط، ومحدش يعرف مين بيضرب في مين. - يا بن ال....، دانتا شيطان، كل ده والناس فاكرينا أنا وانت محبوسين، طب وولادي ومراتي ودّيتوهم فين ؟ - سيادتك سافروا مصر من ساعة الثورة، وهيفضلوا هناك لغاية ما الأمور ترجع زي ما كانت وأحسن.. ووحياة الإله جوبيتر وبنته منيرفا هترجع يعني هترجع، بس شاعتها أنا عايز الحلاوة... وعلت الضحكات من كليهما. بعد هذا الحوار ببضعة أشهر، اندلعت الثورة مرة أخرى ضد نيرون وعدلينوس، ووصل الثوار إلى قصره وأوشكوا على اقتحامه، وجلس هو مستسلما على سريره فجاءته عشيقته كلوديا التي قررت أن تضع حدا لمأساته، ناولته الخنجر وقالت له: لقد عشت يا نيرون كوَحش، ولكنك يجب أن تموت الآن كإمبراطور، فخذ هذا الخنجر واغرسه في قلبك ولا تدعهم يمسكون بك حيا، تناول الخنجر من يدها، وأمسكت كتفه من الخلف وأنفَذ هو الخنجر إلى قلبه وزأر وخرّ صريعا.... إسلمي يا مصر.