لم يكن أحد من المتابعين لشأن الإخوان المسلمين يتصور أن تحركات الحكومة المصرية وأجهزة الأمن فيها ستكون سريعة بهذه الصورة التي جرت بها لتوجيه ضربة أمنية احتجاجية علي نتائج انتخابات مكتب الإرشاد ورئيسه الجديد المرشد العام لتلك الحركة العتيدة الدكتور محمد بديع!! المعلومات المتاحة والمتصورة عن عقلية جهاز الأمن المصري تحمل قدرا لا بأس به من التقدير لإمكانياته وقدراته التي تسمح له بالتحرك والتغلغل في التجمعات الحزبية والسياسية والدينية الحركية، وهذا القدر من الدهاء كان يفترض التريث في التحرك ضد «الصقور» انتقاما لإخفاقات «الحمائم» أو «الإصلاحيين»!!، علي الأقل انتظارا لتمرير الحملة التي سعت إلي الإيهام بوجود قنوات تفاهم وصفقات بين المجموعة التي نجحت في الانتخابات الداخلية الأخيرة للإخوان، لكن يبدو أن رسائل المرشد الجديد وتحركاته سببت إرباكا للنظام جعلته يغير خطته ويبادر بالهجوم والتصعيد بوجه مكشوف!! وكان تأكيد عصام العريان لرسالة المرشد واضحة الدلالة في رغبة الجماعة صنع تفاهمات مع الحكومة المصرية شرارة التحرك ضد الإخوان. ما شأن الحكومة وتيار التكفير أو التيار القطبي داخل الإخوان؟! حاجة غريبة فعلا، فيما طالعناه عبر الصحف أنه بين الاتهامات التي وجهتها أجهزة الأمن في مذكرتها التي قدمتها للنيابة العامة للدكتور محمود عزت ومن معه أنهم يقودون تيارا قطبيا تكفيريا داخل الإخوان؟! يعني حكومتنا السنية عاوزة الإخوان معتدلين وإصلاحيين وتضمن لهم قدرا من الوجود والتحرك طالما حافظ علي هذه المعادلة، وإذا تغيرت يتدخل الأمن وتشتغل نيابة أمن الدولة واحبس واعتقل وقيد حرية تكفيريي الإخوان!! هل يتصور الذين أمروا بحبس عزت والعريان وباقي المجموعة أن أحدا في أوساط الشعب يصدق ما يمكن أن تروجه أجهزة الأمن أن هؤلاء الصفوة من الدعاة والمثقفين والأكاديميين دعاة تكفير وتشدد؟! هل يمكن أن تنطلي هذه الحيلة الساذجة علي أحد؟ لست خبيراً بالملف الإخواني وليست لدي دراية الغوص في بحره ودهاليزه، لكن القدر الكافي من المعلومات والمتابعة يكفي للقول بأن تحولات الإخوان منذ خرجوا من سجون ناصر عندما أطلقهم الرئيس الراحل أنور السادات، والتي أدار حركتها واستراتيجيتها الراحل العظيم المرشد العام الثالث عمر التلمساني، قد حصلت علي مباركة وإجماع كل صقور الإخوان صقراً صقراً، بل لعلي أزعم أن الإخوان عندما اتخذوا هذا القرار التاريخي بخوض الانتخابات البرلمانية واقتحام الحياة النقابية والتعاطي مع الأحزاب السياسية لم يكن بينهم أو داخل منطقة اتخاذ القرار حمامة واحدة!! طبعا بمفهوم الذين يتحدثون عن الصقور والحمائم داخلها أو بين القطبيين والإصلاحيين!! فعملية استقطاب قيادات الشباب في الجامعات المصرية من داخل الجماعة الاسلامية الطلابية آنذاك باشرها وأدارها ونفذها من تسميهم الحكومة حاليا «الصقور» ودخول من يطلق عليهم «الإصلاحيين» داخل كوادر الجماعة وآلياتها ومكاتبها حتي وصلوا إلي مكتب الإرشاد تم برضي وموافقة «الصقور». لن نصدق أبدا أن الدكتور محمود عزت يقود تياراً تكفيرياً، ولن نصدق أن المرشد العام الجديد تكفيري قطبي، من الممكن أن نختلف معهم وهذا وارد ولعلها سنة الحياة، لكن الاختلاف في الرأي أو الرؤي السياسية والدعوية شيء آخر يختلف عن كيل الاتهامات بهذه الطريقة الساذجة!! فالدكتور محمود عزت شارك في كل مراحل التحولات داخل جماعة الإخوان، والدكتور محمد بديع سجن في قضية النقابيين التي كانت حلقة من حلقات التعاطي الإخواني مع الشأن النقابي والاجتماعي المصري كجزء من كل هو التواصل مع النخب المصرية. أتصور أن تحركات الأمن المصري يمكن أن تسهم في استقرار الأوضاع داخل جماعة الإخوان، لمواجهة هذا العدوان الأمني الغاشم، فكل مراحل الجماعة تاريخيا تحمل هذا الفهم في التوحد إزاء مواجهة العدوان الأمني غير المبرر، وبهذا يمكن أن يفشل المخطط الرامي إلي توجيه رسالة لكوادر الإخوان وقواعدهم، إن اختياركم لهذه التشكيلة سيضر بكم وبجماعتكم!! هذه الرسالة حتما سوف تترك أثراً معاكساً وسوف تسهم بالتأكيد في تضميد جراحات الإخوان ولملمة شملهم والتوحد خلف قيادتهم. أعتقد أيضاً أن الحملة الأمنية الأخيرة تأتي بالتأكيد في إطار السياسة الرسمية المتبعة ضد الإخوان منذ فترة طويلة، فالحملات الرامية لإرهاق الإخوان وتجفيف منابعهم واستنزاف طاقاتهم مستمرة ضد الحمائم والإصلاحيين وقت أن كانوا يتبوأون مكانا متقدماً في قيادة الجماعة واستمرت أيضا بعدهم، لأن سياسة النظام ثابتة إزاء تلك الحركة العتيقة، والتفاهمات أيضا مستمرة رغم كل الحملات التي نفذتها أذرع النظام الأمنية والتي سوف تنفذها أيضا مستقبلا، فصانع القرار داخل النظام يدرك استحالة قدرته علي إقصاء تلك الجماعة التاريخية أو القضاء عليها، ربما كل طموحه يتمثل في تعطيل حركة تقدمها فقط لا غير. علي الإخوان أن يحددوا ملامح منهجهم في الفترة المقبلة، وقدرتهم علي تحمل الضربات التي تحمل في طياتها رسالة واضحة من الغريم الأوحد علي الساحة السياسية في مصر الحزب الوطني الحاكم بحدود المساحة التي يتعين عليهم عدم تجاوزها. هم أيضا مطالبون بتنقية الأجواء داخلياً، بما يرأب أي صدع وجمع الشمل، عليهم أن يحددوا خيارات التحرك ما بين السياسي أو الدعوي، أو ما بين الاجتماعي والنفس الطويل أو استمرار المواجهة سياسيا مع الحزب الذي يريد احتكار كل شيء في بلادنا.