بعد تعديل قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى مرة أخرى فقد بات من المؤكد وبمنتهى السهولة وفى أسرع وقت ممكن الطعن بعدم دستورية هذا القانون المهترئ والحكم ببطلانه، وهو ما سيؤدى بالضرورة لحل مجلس الشعب القادم مبكرا جدا وربما قبل إجراء انتخابات الرئاسة، ليفتح الباب نحو مزيد من الفوضى والارتباك فى مسار التحول الديمقراطى، ويبعد مصر كثيرا عن خارطة الطريق الصحيح لانتقال السلطة إلى المدنيين وعودة العسكر إلى ثكناتهم . لقد نص القانون الذى أقره المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد التعديلات الأخيرة على انتخاب ثلثى أعضاء مجلسى الشعب والشورى بالقائمة النسبية المغلقة وانتخاب الثلث الأخير بالنظام الفردى مع حرمان الأحزاب من الترشح على المقاعد الفردية، وإسقاط العضوية عن الأعضاء المستقلين عند انضمامهم لأى حزب من الأحزاب، وهو التعديل الذى رفضته كل الأحزاب والقوى السياسية، بعضها للإصرار على أن تجرى الانتخابات بكاملها بنظام القوائم النسبية، والبعض الآخر ممثلا فى جماعة الإخوان المسلمين لرفضها الحرمان من الترشح على المقاعد الفردية. ولقد كتبتُ سابقا على موقع الدستور الأصلى أصرخ فى وجه قانون الانتخابات منذ كان مشروعا فى الأدراج، ومنذ كان المشروع يقضى بانتخاب ثلثى الأعضاء بالنظام الفردى المتعارف عليه والثلث الباقى بالقائمة النسبية المغلقة، إذ أننى كنت ومازلت أتصور أن إجراء الانتخابات القادمة بأكملها بالنظام الفردى التقليدى وبنفس تقسيم الدوائر القديمة هو الأقرب للواقع والأجدر على إفراز أقل النتائج سوءا وأكثرها موضوعية وتحقيق معظم ما تبحث عنه القوى السياسية بما فى ذلك استبعاد فلول النظام القديم وتقنين قوة التيارات الإسلامية، كما أنه النظام الوحيد القادر على قياس مدى تغير ثقافة الناخب المصرى ودراسة تأثير ثورة يناير فى اختياراته،لأننا إذا أردنا قياس مدى تأثير عامل بعينه فى نتائج تجربة ما فلابد أولا من تثبيت باقى العوامل، ولكن مطالبة معظم القوى السياسية بإلحاح بنظام الانتخاب بالقائمة النسبية جعل المجلس العسكرى يقدم لها قانونا - جرى تعديله عدة مرات ومازال قابلا للتعديل - يمكن الجزم فى كل مرة بأنه من السهل الطعن فى دستوريته وخصوصا بعد التعديل الأخير. ولهذا وفى إطار اجتهاد متواضع – وأجرى على الله - فلقد حاولت تقديم فكرة قانون لانتخابات مجلسى الشعب والشورى من الممكن أن يحظى بموافقة كل التيارات السياسية ويتفادى معظم الحجج و"التلاكيك" التى من الممكن أن تعنّ لأى منها لأنه يحقق عمليا مبدأ تكافؤ الفرص الذى تضمنه جميع الدساتير السابقة واللاحقة، ويتفادى إلى حد كبير الطعن عليه بعدم الدستورية، ويحقق واقعيا التوازن المطلوب فى مجلس الشعب القادم، ويثرى الحياة الحزبية مستقبلا إضافة إلى العديد من المزايا التى يمكن قراءتها بين السطور. فكرة القانون المقترح * يجمع القانون المقترح بين الانتخاب بالنظام الفردى والانتخاب بالقائمة النسبية وتجرى الانتخابات فيه على جولتين. * تجرى الجولة الأولى من الانتخاب بالنظام الفردى التقليدى وبنفس عدد وتوزيع الدوائر الانتخابية التى جرت عليها الانتخابات البرلمانية السابقة. * يتقدم لخوض الانتخابات الراغبون من الأفراد الذين يحق لهم الترشح حسب القانون سواء كانوا حزبيين أو مستقلين. * يختار الناخب فى كل دائرة اثنين من المرشحين أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين. * يتأهل للجولة الثانية من الانتخابات المرشحان الحاصلان على أعلى الأصوات من مرشحى الأحزاب بشرط أن يكون أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين، ويتأهل لها كذلك من المستقلين المرشحان الحاصلان على أعلى الأصوات بشرط أن يكون أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين. * إذا فاز أحد المرشحين فى الجولة الأولى بالأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة للدائرة يعتبر ناجحا من الجولة الأولى مباشرة، وفى هذه الحالة يخوض الجولة الثانية اثنان فقط من المرشحين الذين حصلا على أعلى الأصوات بعد المرشح الناجح أحدهما من مرشحى الأحزاب والآخر من المستقلين. * إذا كانت صفة المرشح الناجح مباشرة فى الجولة الأولى من غير العمال والفلاحين اقتصر التأهل للجولة الثانية على اثنين من العمال والفلاحين . * تجرى الجولة الثانية بنظام القوائم النسبية المغلقة. * يخص كل محافظة دائرة واحدة أو عدد من الدوائر حسب عدد المقاعد المخصصة لها تضم كل دائرة منها عددا من الدوائر الفردية سالفة الذكر. * تتنافس فى كل دائرة قائمتان إحداهما للمستقلين وأخرى لمرشحى الأحزاب تحتوى كل منهما على المرشحين الذين نجحوا فى اجتياز الجولة الأولى والتأهل للجولة الثانية. * يتم ترتيب أسماء المرشحين فى كل قائمة حسب النسبة المئوية للأصوات التى حصلوا عليها فى الجولة الأولى بشرط عدم تتابع مرشحين من غير العمال والفلاحين فى القائمة الواحدة. * فى حالة تمكن واحد أو أكثر من المرشحين من النجاح مباشرة فى الجولة الأولى يخصم هذا المقعد أو هذه المقاعد من إجمالى عدد المقاعد المخصصة للدائرة فى الجولة الثانية وتجرى الانتخابات على بقية المقاعد. * يختار الناخب قائمة واحدة فقط من بين القائمتين المتنافستين فى الدائرة. * تحصل القائمة على عدد من المقاعد بنسبة عدد الأصوات الصحيحة التى حصلت عليها فى الجولة الثانية طبقا للمتوسط الحسابى للمقعد الواحد مع تقريب الكسر الأعلى إلى الواحد الصحيح لحسم المقعد الأخير فى القائمة. * لايجوز للعضو الناجح من خلال قوائم المستقلين الانضمام إلى أى من الأحزاب التى خاضت المنافسة فى ذات الدائرة الفردية التى ترشح فيها. * تستكمل نسبة العمال والفلاحين من القائمة الحاصلة على الأصوات الأقل.
مميزات فكرة القانون * تحقيق المساواة الكاملة فى الترشح بين المستقلين والأحزاب وتفادى الطعن بعدم دستورية القانون. * سهولة القانون وبساطة تنفيذه وسهولة حساب النتائج واستكمال نسبة العمال والفلاحين دون حسابات معقدة. * تفعيل الحياة الحزبية وخلق روح التعاون بين الأحزاب وخصوصا فى الجولة الثانية حيث يمكن للأحزاب الحصول على الحد الأقصى من المقاعد وفى الوقت نفسه لايُحرم المستقلون من ذلك. * تجنب الانشقاقات والصراعات داخل الأحزاب وفيما بينها عند تشكيل القوائم الحزبية أو الائتلافية حيث يتم ترتيب القوائم تلقائيا حسب النسبة المئوية للأصوات التى حصل عليها كل مرشح فى الجولة الأولى. * السماح للأعضاء الناجحين من خلال القوائم المستقلة بالانضمام إلى أو تشكيل أحزاب جديدة فيما عدا الأحزاب التى تنافست فى ذات الدائرة الفردية التى ترشحوا فيها. * السماح للمرشحين الذين فشلوا فى الحصول على ترشيح الأحزاب لهم بالتقدم للترشح مستقلين بشرط ألا يعودوا للانضمام لأحزابهم ذاتها طوال مدة المجلس فى حالة نجاحهم. * التيسير على الناخبين من خلال الاقتراع بالنظام الفردى المتعارف عليه فى الجولة الأولى، والاختيار مابين قائمتين فقط فى الجولة الثانية. * التجنب الواقعى لسيطرة أى من التيارات السياسية أو الدينية منفردة على أغلبية مقاعد البرلمان فى وقت لم ينضج فيه المجتمع سياسيا بالقدر الكافى. * المرور بمرحلتين مختلفتين لمحاولة إبعاد فلول النظام السابق من التسلل إلى البرلمان فى ظل اختلاف نوعية الناخب تماما فى الجولة الثانية عن الأولى، وتصبح العملية أكثر سهولة إذا تم تطبيق قانون الغدر. * العودة بعدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين إلى 444 عضوا كما كان قبل اختراع كوتة المرأة. * يمكن استغلال المقاعد التى تم توفيرها من خلال هذا القانون فى زيادة تمثيل المرأة والأقباط بتخصيص مقعد أو أكثر فى كل محافظة لكل منهما، ودون الحاجة لإجراء انتخابات مستقلة من خلال اختيار المرشحين الأقرب إلى النجاح أثناء الانتخابات من كل منهما على أن تراعى نسبة العمال والفلاحين فى الاختيار وهو مايضمن تمثيل كل من المرأة والأقباط بنسبة لاتقل عن 7% فى مجلس الشعب. .. أعتقد أن هذه الفكرة يمكن أن تتحول إلى قانون يرضى كل الأطراف، ويحقق أفضل النتائج، ويتفادى معظم السلبيات، وربما يساهم فى إنقاذ كثير من الأمور قبل فوات الأوان، وهو ليس سوى اجتهاد متواضع أقدمه لمن يملك القرار محتكما فيه إلى الرأى العام، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر فإن أصاب فله أجران. والله ثم الوطن من وراء القصد.