.. السؤال الغلط الذي قد يطرحه البعض بقدر من السذاجة أو رغبة في خلط الأوراق هو: أليس من حق الحكومة المصرية أن تستعين بشركات عالمية أو بيوت خبرة لتحسين صورة مصر في الخارج أو تبني مصالحها؟! .. إجابة السؤال بالطبع هي بالإيجاب، أي أنه من حق الدولة في مصر أن تفعل. لكن ما علاقة هذا بما قامت به الحكومة والحزب الحاكم عبر الاتفاق مع شركات أمريكية مثل PLM «بي .إل .إم» وشركة «سي .إل .إس» CLS، وكذلك شركة «كورينس» للترويج لأشخاص، وتلميع، وتبييض صورهم «أو تشويه غيرهم»، وهم من خارج السلطة التنفيذية ولا صفة لهم في الحكومة التي دفعت المبالغ من دم الشعب. .. لماذا يدفع المواطن المصري البسيط ضرائب ورسوماً لنظام وحكومة تنفق هذه الأموال للترويج لجمال مبارك وتلميع صورته في الخارج؟! .. لا أتحدث هنا عن المبالغ التي سددت باسم «أحمد عز» أمين تنظيم الحزب الوطني ، وهي أيضاً مخالفة لقانون الأحزاب كما أوضحنا في مقال سابق لكنني أتحدث عن تلك المبالغ التي سددت بمعرفة السفارة المصرية في واشنطن ممثلة للحكومة المصرية. .. خذ مثالاً حياً مصدره المعلومات والبيانات التي نشرتها وزارة العدل الأمريكية علي الموقع الإلكتروني لبرنامج «فارا FARA»، حيث ذكرت شركة PLM المسجلة برقم 5825 في إفصاحها لوزارة العدل بتاريخ 28 فبراير 2009 أنها تلقت يوم 15 يناير 2009 مبلغ 554 ألف دولار «خمسمائة وأربعة وخمسين ألف دولار أمريكي» من الحكومة المصرية. .. كما كشفت الشركة ذاتها في التقرير ذاته أنها قامت بعد ثلاثة أيام فقط من تسلم المبلغ أي يوم 18 يناير 2009 بتكليف أنتوني بوديستا أحد العاملين بالشركة بإرسال 14 رسالة إلكترونية لأربعة عشر مساعداً لأعضاء بالكونجرس بخصوص جمال مبارك!. .. هذا الكلام ليس اجتهاداً أو تخميناً بل هو معلومات مسجلة علي موقع وزارة العدل بتاريخها وتفاصيلها ويمكن لأي قارئ أن يرجع إليها. .. بل إن العقود التي أبُرمت مع هذه الشركات حرصت علي وضع بند خاص بسرية هذه العقود والمعلومات عن الأنشطة التي ستقوم بها هذه الشركات، التي وافقت علي بند السرية، شريطة عدم التعارض مع قانون تسجيل العملاء الأجانب في أمريكا، الذي يلزم الشركات العاملة في مجال جماعات الضغط بأن تفصح لوزارة العدل كل ستة أشهر عن كل معاملاتها وأنشطتها مع العملاء بالخارج!!. .. أيضاً لم تتضمن العقود أي إشارة مثلاً لمساعدة مصر في موضوع المعونة الأمريكية أو غيرها من القضايا مثل اتفاقية التجارة الحرة أو غيرها، بل اقتصر الحديث في العقود علي الأنشطة الآتية: تنظيم مقابلات صحفية.. إعداد خطب.. توزيع بيانات صحفية!!. .. أغرب بيان قامت إحدي هذه الشركات بتوزيعه هو بيان بما نشرته إحدي الصحف عني شخصياً، مدعية فيه أنني عدو للسامية واليهود ومناصر لجماعة حماس!! والأغرب أن يكون توزيع ونشر هذه البيانات قبل أسبوع واحد من موعد سفري الأول للولايات المتحدةالأمريكية الذي ألغي بقرار من النائب العام يوم 17 نوفمبر الماضي. .. صحيح أن بعض هذه الشركات قام بنشر بيانات أخري مثل مقالة الدكتور عبدالمنعم سعيد في «وول استريت جورنال» عن «الخطر الإيراني والدور المصري» في 28 أبريل 2009، وكذلك فتوي المفتي عن تحريم أسلحة الدمار الشامل في 3 يونيو 2009. .. إلا أنه يبقي السؤال: لماذا تدفع مصر من خزانتها هذه الأموال الطائلة لإرسال 14 إيميلاً لمساعدي أعضاء بالكونجرس عن جمال مبارك ابن الرئيس؟!! ولماذا تمول إرسال بيان صحفي عن أكاذيب تتصل بعدائي للسامية واليهود؟!! ولماذا يتم هذا قبل سفري الذي منعت منه بساعات؟! وما علاقة كل هذا بمصالح مصر الحيوية.. فقط.. إنه فساد، وإهدار واستهتار بأموال الأمة، وقبل هذا حقها في أن تعلم الحقيقة!!.