الدراما في معناها الشعبي هي صراع بين الخير والشر.. دائماً ما ينتصر الأخيار الطيبون ويدحرون فلول السيئين الأشرار.. في حياتنا السياسية دائماً ما نلعب بنفس هذه الأوراق، وآخر فصل منها هو ما حدث مع الضريبة العقارية، الشرير هذه المرة هو الوزير «يوسف بطرس غالي».. تابعوا الجرائد والمجلات لا أقول القومية فقط ولكن المعارضة والمستقلة سوف تشاهدون «استيفان روستي»، «محمود المليجي»، «عادل أدهم»، «توفيق الدقن»، «نجمة إبراهيم» التي أدت دور «ريا» و«زوزو حمدي الحكيم» «سكينة» ولا ننسي أيضاً «صلاح نظمي» كل هؤلاء الأشرار ستراهم علي وجه الوزير «يوسف بطرس غالي» فهو الذي صدر لنا قانون الضريبة العقارية وهو الذي يريد أن يجلد المواطنين الأبرياء وهو الذي - وهذا هو الأهم - يستحق أن نوجه إليه كل مشاعر الغضب.. إنه «دراكولا» ومصاص الدماء و«النينجا» و«السلعوة» القاتلة.. وهنا ينتظر الجميع أن يتدخل الطيب ليحمي الغلابة المطحونين، ويأتي قرار الرئيس بإيقاف العمل بتلك الضريبة أو بتأجيلها أو تقسيطها المهم أن الخير ينتصر ويصفق الجمهور لتلك النهاية، وسوف تلاحظون أن الصحف المستقلة بحسن نية أو بدون أتحدث عن الأغلبية بالطبع تشارك بالتصفيق والتهليل للقطة النهاية وللزعيم الذي أنقذ الشعب؟! هل صحيح أن الوزير يتحرك وفقاً لما يراه؟ لا الوزير ولا رئيس الوزراء لديه حرية في اتخاذ قرار مصيري.. مصر ودول العالم العربي دائماً تحكمها مركزية القرار، وهناك دائماً حسابات أخري، هل تتذكرون النداء الشهير «المنحة يا ريس» الذي يردده أفراد الشعب في عيد العمال؟.. الوزير لا يعلن المنحة بل تسمح الدولة بتسريب الشائعة في كل أجهزة الإعلام أنه لا يوجد منحة هذا العام ثم يأتي قرار الرئيس برداً وسلاماً علي الجميع.. كل الأوراق ينبغي تنتهي للرئيس الكل ينتظر تدخله في كل التفاصيل.. الطفلة «آلاء» التي هاجمت في موضوع تعبير الدولة والرئيس وتقرر حرمانها من النجاح.. الذي أنصفها ليس ناظر المدرسة ولا وكيل الوزارة ولا الوزير ولا رئيس الوزراء إنه الرئيس شخصياً.. هل كان هذا الموقف يستحق تدخل الرئيس؟ الحقيقة أنه بالتأكيد خطأ المصحح الذي أراد أن ينافق السلطة والكل اعتقد أن هذا هو ما يريده الرئيس وأن الوحيد القادر علي العفو هو أيضاً الرئيس.. كل ا لأوراق تنتهي إلي الرئيس الطيب.. هل تذكرون فيلم «طباخ الرئيس» كل ما يقوله هو بالضبط ما تريد الدولة تصديره للشعب أنه يؤكد علي أن هناك حاشية، جزء كبير منها فاسد وهؤلاء الفاسدون يحجبون الحقيقة عن الرئيس ولكن عندما يعلم الرئيس بما يجري يناصر الفقراء ويقف مع صف الطباخ الذي ينتهي به الفيلم وهو يتوجه إلي صورة الرئيس طالباً الحماية.. قد تعتقد أن هذه الأعمال الفنية وتلك المواقف تتسلل ويصدقها فقط البسطاء وهم يتابعون كيف ينقذهم الرئيس ولكن المثقفين يتم توجيه مشاعرهم بنفس الأدوات.. تابعوا ما حدث للمثقف الكبير «د. مصطفي الفقي» من خلال واقعتين: الأولي قبل سنتين عندما كتب «بورتريه» في مقال «عن قرب» بالمصري اليوم تناول فيه بقدر كبير من التقدير «محمد حسنين هيكل».. بينما «هيكل» في تلك الأثناء كان قد نشر علي صفحات الجريدة سلسلة مقالات أغضبت الرئيس.. «مصطفي» حاول التبرير بأنه لم يقصد النشر في هذا التوقيت التي شهدت غضب بين الدولة و«هيكل».. والحقيقة أنه دائماً هناك قدر من الجفاء بينهما أقصد النظام و«هيكل» ولكن أحياناً يصل للذروة، وكانت هذه المقالات قد أوصلت الغضب للذروة علي الفور صدر قرار من الأهرام بمنع مقالات «مصطفي الفقي».. من الذي يصدر قراراً كهذا إلا إذا حصل علي ضوء أخضر من رأس الدولة.. «مصطفي الفقي» ليس مجرد كاتب رأي إنه أحد أعمدة النظام ولا يجرؤ رئيس تحرير ولا رئيس مجلس الإدارة أن يمنعه من الكتابة إلا إذا تلقي أمراً مباشراً من الرئاسة، وهذا هو ما حدث، مر عام وعاد «مصطفي» لصفحة الأهرام والذي أعاده الرئيس شخصياً د. مصطفي هو الذي أشار قبل بضعة أيام إلي تفاصيل تلك الواقعة، فلقد كان المنع ليس فقط عن الكتابة في الأهرام ولكن في الظهور علي القنوات الرسمية للتليفزيون المصري.. تلقي «مصطفي» اتصالاً هاتفياً من الوزير «أنس الفقي» ولا يمكن لأحد أن يعتقد أن «أنس» استيقظ في الصباح الباكر وقال لنفسه أين «مصطفي» وحشني «مصطفي» لماذا لا أراه علي شاشة «ماسبيرو» ولكنه تلقي أمراً من الرئاسة بعودة «مصطفي» وهكذا صدرت تعليمات للمذيعة «لميس الحديدي» باستضافته في برنامجها «اتكلم» ومن بعدها عاد للأهرام.. بعد قضاء مدة العقوبة تم الإفراج عنه لحسن السير والسلوك.. هذه المرة أخطأ مرة أخري عندما قال في حوار له إن الرئيس المصري ينبغي أن يحظي بتعضيد أمريكي وعدم اعتراض إسرائيل.. الذي أنقذه وياللعجب هو تعقيب «هيكل» الذي أرسله للجريدة.. فاكتشفت الدولة أنها استراتيجياً عليها أن تقف مع «مصطفي» وقد يكتفي فقط بقرصة ودن وتوجيه كل نيران الغضب إلي «هيكل» علي أساس أنه يصطاد في الماء العكر، لا ينبغي أن يتم معاقبة «مصطفي» حتي لا يشمت فيه «هيكل»!! إنه الرئيس الطيب الذي ينقذ التلميذة «آلاء» 9 سنوات و«د. مصطفي الفقي» الذي احتفل قبل أشهر قلائل بعيد ميلاده الخامس والستين، الآخرون دائماً هم الأشرار.. وتتعدد أسماء من يلعبون دور الشرير «يوسف بطرس غالي» أو «أحمد نظيف» أو «أحمد زكي بدر» كل مسئول سيجد نفسه في لحظة وقد أصبح عليه أن يلعب هذا الدور حتي تأتي لقطة النهاية مع تصفيق وتهليل الجمهور بعد أن أنقذهم الرئيس الطيب!!