ماذا تريد مصر من القضية الفلسطينية؟ قلت أمس: النظام لا يريد ترك القضية لأنها أحد أسرار البقاء والقوة في محيط عربي..كما أنه لا يريد لعب نفس الدور القديم (لا الحنان ولا حتي القسوة)..يريد فقط الاستمرار في موقع الإدارة لكن بمفهوم غير واضح لأحد. ماذا فعل هذا الغموض...؟ إسرائيل احتجت لأن المعبر المغلق من علي السطح.. مفتوح عبر أنفاق اتهمت المخابرات المصرية (علانية) بغض الطرف عنها.. في المقابل تعاملت «حماس» بالطاقة القصوي لانتظار الحنان وسمحت لعناصرها باقتحام السور «الصفيح» وحطمت الحدود. هكذا إسرائيل غاضبة.. وحماس لمست الوتر الحساس.. وضعت الماء البارد علي جرح ممتد من أيام كامب ديفيد وربما قبلها في (يونيو) 1967 حين اتهمت الدولة المصرية بعدم سيطرتها علي الحدود وتفريطها مرة بالحرب ومرة بالسلام في السيادة. لمست «حماس» جرح السيادة برعونة كاملة فأثارت الغضب والحساسية المفرطة ليس من النظام وحده.. وإنما من كل المؤمنين بالدولة المصرية وهياكلها فيما بعد ثورة (يوليو) 1952. المساس بغريزة من غرائز الدولة وضع «حماس» في مسافة أبعد من الأشقاء وأقرب إلي الخصوم.. وأقام حواجز غير مرئية بينها وبين القضية الفلسطينية.. أصبحت «حماس» شيئاً منفصلا بالتدريج ومعه قطاع غزة. لعبة سرية :النظام يحتفي بالعروبة باعتبارها انتماء لا رجعة فيه.. ويسمح بتسريب خطاب ضد العروبة والقومية مصدر الشر وسبب النكبات والنكسات وأصل كل الأزمات من الفقر إلي الديكتاتورية. عروبة ضد العروبة.. وتمسك بموقع القيادة بدون قيادة فعلية..وتعلق بالتاريخ إلي حد إثقال اللحظة الراهنة بالمزايدة.. لم يعد السؤال: كيف نواجه إسرائيل معا ؟ ولكن: هل نسي العرب دور مصر؟ أصبحت مصر محوراً مضاداً.. وقيمة مسحوبة من حسابات الصراع المعقدة للغاية.. لم يعد وجودها ملهماً.. اكتفت بالضرورة اللوجستية (الوجود علي الحدود) والتاريخية (ثقلها في القضية) وشبكة وجودها المتعددة (بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكان ).لا يتمتع طرف عربي بهذه الشبكة والثقل التاريخي والوجود الجغرافي وهو ما حجز مساحة انتظار دائم للقرار المصري. الانتظار لم يعد للحنان القديم فقط (وإن كان هو سبب ثورات الغضب وصدمات العواطف) وإنما للبحث عن حلول مع أطراف صعبة.. نظام مبارك البارع في تشبيك العلاقات لا يديرها بنفس الكفاءة. الكفاءة غائبة عن الإدارة المصرية لأنها بلا أفق. أسيرة اللحظة. يديرها عقل الأزمات.لا يري سوي الخروج من المطبات.. والسيطرة علي أكبر عدد من الأوراق. المعبر ورقة في يد نظام مبارك تحولت إلي رمز لهويته. التحول لم يكن مسيطراً عليه أو بإرادة خالصة.لكنه فلتان إدارة التوازن الهش. توازن لا يعرف أسراره سوي كهنة يحافظون فقط علي بقاء السفينة ولا يعرفون وجهتها وأنهم تصوروا بنرجسية مفرطة أنهم يعرفون. المشكلة إذن في قيادة مرتبكة تتحرك بمنطق السلاحف الناجية من المذبحة.. تخاف من كل شيء.. من حماس وامتداداتها الداخلية (جماعة الإخوان المسلمين)..ومن إسرائيل وهوسها بالقوة والأمن الذي يحرج النظام الحليف أمام دول المنطقة ووحوشها الإقليمية المنتظرة لأدوار جديدة (تركيا وإيران مثلا).ومن أمريكا الراغبة في استقرار الحليف الأكبر لتستمر مصالحها ووجودها الناعم بعدما فشلت في حضورها المسلح بكل خشونته. نظام مبارك استهلك كل براعاته ومؤهلاته الموروثة من تقاليد الدولة المصرية والمستحدثة من رغبات التطوير في أجهزة دولة كلما تحدثت ازدادت شراسة وكلما تجددت تآكلت. السلاحف الناجية عمرها طويل لكنها بقانون الشيخوخة لا يمكنها إدارة توازنها الهش.. ولهذا تفلت من قبضتها كوارث يمكن أن تكون صغيرة لكنها تكبر وتتحول إلي معارك ورصاص ودم وشهداء وجنازات رمزية.