كشفت الأمطار الكثيفة التي هطلت علي مدينة شرم الشيخ مساء الأحد الماضي أن جمالها زائف فهي تبهر من يراها وتشد النظر لكنها تفتقد أبسط القواعد والمواصفات التي يجب أن تتوافر بمدينة سياحية عالمية يزورها أكثر من 5.4 مليون سائح سنوياً صيفاً وشتاء، فهذه المدينة التي تحولت مؤخراً إلي مقر لحلف اليمين للوزراء والمحافظين الجدد وواجهة مصر الأولي التي تشهد علي عقد أرفع المؤتمرات الدولية والعربية اجتاحتها مياه الأمطار والسيول يميناً وشمالاً حتي غرقت في شبر مياه، فلم يفلح «حسين سالم» الصديق المقرب للرئيس ولا فنادقه التي تحتضنها شرم ولا شوارعها التي كتبت خصيصاً علي اسمه أن تمنع جحافل المياه من إغراق المدينة، وابتلعت العشرات من السيارات بمنطقة السوق القديم، كما تكشف لنا مدي ضعف حكومتنا وقلة حيلتها في بناء مدينة متكاملة تحمل المواصفات العالمية للبناء لتحمل هذه النوعية من الأمطار وسوء الأحوال الجوية، وبينت لنا صور المياه التي تكدست بمداخل الفنادق وأغرقت مساكن العاملين بمنطقة الهضبة وأخفت السوق بمنطقة شرم القديمة أن هذه المدينة صممت كباقي مناطقنا العشوائية، فعلي الرغم من استثماراتها السياحية التي تقدر بالمليارات، فإنها تفتقد عوامل الأمن والأمان كباقي سكان المحروسة ويشير المهندس «أشرف ميلاد» الخبير السياحي ورئيس غرفة السلع بشرم الشيخ إلي أنه بالرغم من تصنيف شرم الشيخ علي أنها مدينة عالمية فإنها تفتقد الكثير من العوامل والإمكانيات لتصل إلي هذه المرتبة، وهو ما تم اكتشافه مع أول اختبار جاد وحقيقي لها والذي بين أن معظم تصميم فنادقها عارية عن المواصفات الفنية للفنادق التي تقر بها منظمة السياحة العالمية والتي تشترط أن تكون أسقف الفنادق عازلة للمياه والحرارة وهو ما لم يتوافر بفنادق شرم، ولهذا تجمعت المياه فوق أسطح الفندق وأسقف الغرف مما أدي إلي سقوط العديد منها لتأكل المياه طبقة الجبس وديكورات الغرف، كما فوجئ السائحون بتساقط المياه عليهم من أسقف المطاعم الموجودة بالأدوار الأرضية، كما يشترط أن تكون فوق أسطح الفنادق مواسير مخصصة لصرف المياه المجمعة علي الأسطح لشبكة الصرف الصحي. وأضاف «ميلاد» أن فنادق شرم الشيخ ليست فنادق عالمية بل هي مجموعة من المهازل التي أضرت بسمعة المدينة بسبب المستثمرين الذين يريدون أن ينتهوا سريعاً من بناء منتجعاتهم ليعوضوا المبالغ التي صرفوها بمرحلة البناء دون التأكد من مطابقة بناياتهم للمواصفات العالمية وقدرتها علي الصمود أمام التغيرات المناخية المختلفة، كما أن هناك تقصيراً من الجهات الرقابية للتفتيش علي الفنادق بشرم ومطابقة مواصفاتها بالمواصفات العالمية، وأضاف «ميلاد» أنه كان يتطلب عند تصميم الشوارع التي توجد بها الفنادق أن تكون هناك درجة من الميل لعدم تكدس المياه أمام الفنادق، كما أن طرق شرم خالية من مخارج للسيول مما أدي إلي تراكم المياه بشوارع وطرق شرم الشيخ وابتلاع العديد من السيارات، وأشار إلي أنه يجب تدارك هذه المشاكل سريعاً خاصة أن الوضع المناخي متغير ومن الممكن أن تتكرر هذه الكوارث عدة مرات. فيما قال اللواء «أحمد صالح» رئيس مدينة شرم الشيخ إن هطول الأمطار بهذه القوة كان أمراً مفاجئاً لنا حيث إن دورة المطر لدينا لا تحدث إلا كل 15 عاماً. وأشار إلي أن الأمطار أدت إلي تفتيت الطبقة الأسفلتية للطرق وتفريغ الطبقة الموجودة تحت الأسفلت مما أدي إلي ارتفاع منسوب المياه من 2 إلي 3 أمتار، وهو ما نتج عنه اختفاء عدد من السيارات، كما أن طبيعة الطرق بشرم الشيخ غير مسطحة، حيث تكثر بها المطالع والمنازل مما أدي إلي تكدس المياه بالمناطق الهابطة كسوق شرم الشيخ القديم ومنطقة خليج القرش، وأشار إلي أن سرعة مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي للفنادق وغيرها أدت إلي عدم تحمل محطات الصرف الصحي لتصريف هذه الكمية من الأمطار، مما أدي إلي ركود المياه بالطرق، كما أشار إلي أنه يتم تكسير الأرصفة علي جانبي الطرق لنزوح المياه إلي الجبال لعدم وجود مخرات للسيول بالطرق لتيسير حركة السيارات والأتوبيسات. وأضاف «صالح» أن المحافظة هي التي قامت بقطع الكهرباء عن المدينة عمداً لتخفيف الأحمال في ظل هطول المطر بصورة مكثفة، مما اضطرنا إلي قطع الكهرباء لعدم وقوع أي كوارث جديدة. وأشار مصدر مطلع بشرم الشيخ إلي أن السبب الرئيسي وراء سقوط سقف المطار القديم أن السقف غير مؤمن، حيث إن مكوناته من الصاج والجبس، فسقوط الأمطار بكثافة أدي إلي تآكل طبقة الجبس ومع قوة المياه أدت إلي سقوط الصاج. وأضاف أن خسائر القطاع السياحي بمنطقتي شرم الشيخ ودهب وصلت إلي 300 مليون جنيه بفعل المطر، كما وقفت حركة البيع والشراء بخليج نعمة، حيث يتركز أغلب السائحين في الفنادق حتي يتم شفط المياه من الطرق، كما تم منع القيام بأي رحلات سفاري إلي صحاري جنوبسيناء حتي تستقر الأحوال الجوية، وأضاف أنه سقط سقف الملاهي الشهير «الباشا» بخليج نعمة نتيجة قوة المياه، وأرجع عدم قوة شبكة المجاري بالمدينة إلي وجود محطات لمعالجة المياه بكل فندق لتقديمها إلي عملائها مع وجود الصرف الصحي، مما أدي إلي عدم قدرة الشبكات علي احتواء هذه الكمية من المياه، وأشار إلي أن سكان البدو يؤكدون أن هناك توابع لهذه السيول لمعرفتهم القوية بطبيعة ومناخ المدينة. وأشار «عادل شكري» أمين عام غرفة الفنادق بشرم الشيخ إلي أنه لم يرد إلي الغرفة أي خسائر بالأرواح للسائحين وأن كل ما ورد انهيار بأسقف غرف الفنادق وانهيار الوجهات للفنادق، وأضاف أن السبب وراء تكدس المياه بالشوارع والطرقات عدم وجود شبكة لصرف الأمطار، بالإضافة إلي عدم اتساع شبكة المجاري بالمدينة لاحتواء هذه الكمية الكبيرة من المياه، وأوضح أن انقطاع الكهرباء بالفنادق كان بغرف المحولات وأكشاك الكهرباء بكل فندق للتأكد من عدم وصول المياه إلي هذه المناطق خوفاً من حدوث ماس كهربائي، وأشار «شكري» إلي أن الكهرباء لم تقطع بالفنادق سوي ل 6 ساعات متواصلة وكان بديلها كشافات الطوارئ الموجودة بالمطابخ والمخازن، وشكك في جودة شبكات الصرف الصحي التي لا تكاد تستخدم بمناطق الهضبة وخليج نعمة وبرغم ذلك فلم تستطع استيعاب هذه المياه. وأشار «عادل كساب» مدير عام الأزمات والطوارئ بجنوبسيناء إلي أن هذه الكارثة كانت بمثابة درس بالنسبة لنا لتفاديه فيما بعد ومعرفة القصور الموجود لدينا داخل المحافظة لمعالجته في الفترة المقبلة، وأوضح أن أكثر الطرق التي تضررت من جراء السيول وقطعتها بدءاً من الكيلو 9 بمدينة أبوزنيمة وحتي عيون موسي بطول 12 كيلو متراً، وأمام قرية غرندل بطول 4 كيلو مترات، والطرق أمام منطقة وادي سدر بطول 6 كم، وأمام قرية مسلة الموجودة برأس سدر بطول 2كم. وأوضح أن أكثر مناطق سيناء تضرراً جراء السيول منطقة أبوصويرة التي انهدم بها 34 بيتاً منها 4 بيوت تهدم كامل و30 بيتاً تهدم جزئي، مما نتج عنه مصرع سيدة بدوية تبلغ من العمر 60 عاماً وإصابة 26 آخرين ومازال البحث جارياً عن باقي المفقودين. فيما أوضح «حازم خطاب» مدير شركة دلتا شرم للسياحة أن السياح متفهمون لأزمة هذه السيول وأنها كارثة طبيعية لا دخل لأحد بها، ولكن أغلبهم ظل طوال صباح يوم الاثنين الماضي داخل الفنادق حتي يتم شفط المياه من أمامها وفي المساء أدوا يومهم بشكل طبيعي، وأشار إلي أن انخفاض نسبة إشغالات الفنادق التي تصل في هذه الفترة إلي 65% وتظل علي هذه النسبة حتي حلول شهر مارس مكنت أصحاب الفنادق من تغيير الغرف التالفة للسائحين بسهولة وهو ما كان ليتحقق لو كانت نسبة الإشغالات مرتفعة. وأضاف «خطاب» أن الارتباك الذي حدث للسائحين كان بسبب الأفواج المغادرة في ذات يوم وقوع السيول وهو ما اضطرهم إلي تأجيل مواعيد سفرهم حتي تتحسن الأحوال الجوية، وأشار إلي أن أقل الفنادق تلفاً بشرم الشيخ هي الموجودة خلف تلال الجبال بمنطقة الهضبة.