يتردد في الفترة الأخيرة علي لسان بعض قيادات الحزب الوطني وبأقلام بعض كوادره الدعائية المروجين له والمدافعين عن سياساته أن عضوية حزبهم قاربت ال3 ملايين عضو! ويزيد آخرون بأنها تجاوزت الثلاثة ملايين!! وكما تري فإن هذا الرقم باعث علي الدهشة ومثير لأسئلة تقفز تلقائياً: هل يعتمر هؤلاء الملايين الثلاثة طاقية الإخفاء؟ أم أنهم طبقاً لخطة ما غامضة ومُحْكمة قابعون في مخبأ ما أو فريزر ما بعيداً عن رؤية ومعرفة أحد؟ وما السرّ وراء إخفائهم القسري أو اختفائهم الطوعي أو خفائهم الموضوعي؟ ثم إن الحزب الوطني يُواجَه يومياً، ومن كل فئات الشعب وأعماره وعلي امتداد جميع المحافظات، بوقفات احتجاجية وتظاهرات محتدمة واعتصامات ممتدة وإضرابات عن الطعام، بعض هذا يندد بسياسات الحزب، وبعضها يطعن في كفاءة حكومته، وبعضها يشكك في نزاهة قياداته، بل إن بعضها يتجاوز بالتطاول الصريح علي رموز الحزب والحُكْم، فأين هؤلاء الملايين الثلاثة من كل هذا؟ ولماذا لا يتصدون لمعارضيهم بشكل حضاري في مظاهرات مضادة ترفع شعارات واضحة لحزبهم وتدافع عن توجهاته وعن رموزه، كما يحدث في كل ديمقراطيات العالم مما يشاهده المصريون علي الفضائيات ويفتقدونه في مصر؟ أليست مشاركة الملايين الثلاثة في مثل هذه الأنشطة أفضل للحزب الوطني سياسياً ودعائياً من الاعتماد علي قوات الأمن المركزي الغاشمة والبلطجية المحترفين؟ أليس في غياب هؤلاء الملايين الثلاثة عن مثل هذه المواقف إيحاءٌ قوي بعدم وجودهم في الأساس، أو أنهم مجرد أرقام مسلسلة في سجلات محفوظة؟ أو أن يكون جمع هؤلاء وتجهيزهم لأمر ما ليس له علاقة بما هو متعارف عليه عن دور قواعد الحزب وكوادره، كما تشرحه الكتب وكما يمارسه السياسيون في الديمقراطيات المرئية والمسموعة والمقروءة؟ وإلا، فلأي غرض تحرص قيادات الحزب الحاكم علي ضمّ هذا الجيش العرمرم إلي صفوفها؟ وماذا يلقنونهم؟ وما المهام الحزبية والوطنية التي يقنعونهم بجدواها للحزب وللوطن؟ وكيف يشعلون أخيلتهم؟ وبماذا؟ أليس غريباً أن تري قيادات الحزب الوطني أنه من الأفضل مداراة عضويتهم الهائلة عن الأعين بدلاً من المباهاة بهم أمام الأمم، والأكثر غرابة، في الوقت ذاته، أن يستسلم هؤلاء الملايين الثلاثة لرغبة قياداتهم، هكذا، ويستمرون وراء ستار، دون كلمة ولا همسة يسمعها أحد في برّ مصر؟ لقد طلع المهندس أحمد عزّ، الذي هو أقوي من أن يُعَرّف بأنه فقط أمين تنظيم الحزب الوطني، علي جماهير القراء قبل أيام ليقول كلاماً يأخذ في بعضه علي قيادات جماعة الإخوان المسلمين أنها تمارس سلطتها علي عضويتها بالأمر المباشر، وقال: إن مكمن هذا الانصياع من أعضاء الجماعة أن العضو فيها يؤمر فيطيع، لأن أساس انتمائه للجماعة، كما يقول المهندس عزّ، هو السمع والطاعة! فهل يري المهندس عزّ أحوال ملايينه الثلاثة علي اختلاف مع هذا إلي الأفضل؟ وإذا كانت أفضل بالفعل، فكيف يُعقل أن تغيب أصوات لجماعات أو لمجموعات من هذه الملايين الثلاثة تحتج أو تتساءل، بكلمة أو بهمسة أو بنَفَس، عن فضائح رموز حزبهم في قضايا مُشينة، ويُدان فيها البعض قضائياً، وتسيء إلي حزبهم بعد أن تطرحها الصحف الخارجة علي السيطرة، وتعالج خفايا جرائمهم وتستكتب المحللين حول أسبابها وآلياتها، وتشير إلي اتهامات إضافية صريحة أو مواربة؟ وأين أصوات هؤلاء الملايين في الصراع المحتدم داخل حزبهم حول أمر مرشحهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ قيادات الحزب القليلة في القمة منقسمة في كواليس البلاط، منهم من يؤيد استمرار الرئيس، ومنهم من يقف وراء نجل الرئيس، ولا تسمع صوتاً واحداً لواحد من الملايين الثلاثة! والسبب أنهم ينتظرون التعليمات تنزل من فوق، وفق آلية لا تضع القواعد الحزبية في الحساب، وكان يُتوقع من حزب يقول إنه ديمقراطي أن ينصت لقواعده ويهتدي منها علي اختيار مساراته!! إن رقم الثلاثة ملايين يقترب من نسبة 4 بالمائة من إجمالي تعداد الشعب المصري، وإذا نحينا جانباً الرُّضّع والأحداث، فإن عضوية الحزب تُشكّل نحو 8% من البالغين! أي أنه، وبشكل عشوائي وبالاحتمالات الرياضية، لا يخلو من عضوية الحزب الوطني أوتوبيس عابر، ولا عربة مترو أو قطار، ولا معدية أو فلوكة لنقل الركاب، ويجب أن يكون بعضهم في أي دار سينما تعرض أي فيلم، وضمن مشاهدي أي مسرحية، وهم بالقطع أكبر عدداً من جماهير بعض الأندية الرياضية التي تملأ الدنيا صخباً مع فوز فريقها، وكثيراً ما يكون لها أمارات احتجاج ظاهرة علناً إذا خسر الفريق، أو إذا نجح في مجلس إدارته من يرونه غير مستحق للنجاح! فكيف لا يبدو لهذه الملايين الثلاثة لا فرح ولا غمّ؟! كيف يري طلاب الجامعة من هؤلاء الملايين الثلاثة عدوان قوات الأمن وإدارة الجامعة علي زملائهم النشطاء في صفوف المعارضة؟ وكيف يقبلون بأن يُهان زملاؤهم وتوقع عليهم العقوبات، لا لشيء إلا لأنهم يُعبّرون بشكل متحضر عن انتماءاتهم السياسية؟ وما شعور طلاب الحزب الوطني وهم يعرفون أن هذا العدوان هو سياسة منظمة لحزبهم، وأن لهذه السياسة امتداداً خارج الجامعة ضد قوي المعارضة السلمية الملتزمة بالدستور والقانون، بل وضد بسطاء الشعب المطالبين بحدود الكفاف؟ في الوقت الذي توفر فيه سياسات حزبهم دروعاً حمائية يتمتع بها نفر من عيون الخارجين علي القانون! ولك أن تتخيل التكوين النفسي لمثل هذا الطالب المنخرط ضمن هذه الملايين الثلاثة وهو يصمد أمام هذه الأسئلة المُزلزِلة، ويقبل أن تظل عالقة بلا إجابات شافية يستطيع أن يواجه بها الآخرين! ويبدو أن صموده هذا هو معيار تزكيته للانضمام إلي قواعد الحزب الوطني الذي لا تقبل بنيته إلا الإجماع، لضمان تحرك الكتلة بناءً علي تعليمات غرفة التحكم المركزي، التي تخطط للخروج بهذه الملايين الثلاثة حين يحين الحين! وبرغم هذا الوضوح، لا يزال البعض يُعوّل علي عضوية الملايين الثلاثة ويقول. إن في صفوفهم كوادر متخصصة أعدوا دراسات وبحوثاً وسياسات تخصّ الكثير من أمور المجتمع! وهو كلام يزيد من لواعج التساؤل: أين هذه الجهود الرائعة؟ وأين ثمارها؟ ولماذا؟ مع هذه الجهود تتدهور الأمور إلي الأسوأ؟ وأين نشاط هؤلاء خارج إطار الصورة التي يتوسطها الرئيس أو نجله أو أعوانهما الأقربون؟ إن القول بالملايين الثلاثة علي سبيل التفاخر يطرح سؤالاً أساسياً، هو: من قال إن قوة الأحزاب ونجاحها وقبول الجماهير بها يُقاس بضخامة عضويتها؟ فإن الحزب الشيوعي السوفييتي، كان من أكبر الأحزاب عدداً، وإضافة إلي أخطائه الأخري الأساسية، فلقد كان هذا العدد الهائل من دواعي هلاكه، خاصة بعد أن صار شرط الانضمام للحزب والطاعة العمياء أهم ضمانات تحقيق مصلحة المواطن الشخصية والترقية الوظيفية، فهرع إلي صفوفه، وهو في عزّالسلطة وهيلمانها، جيش من غير المؤمنين به، وعندما انقلبت الأحوال وتوافر لهم الأمان، كانوا هم أول المنشقين عليه، بل وأول من ضرب فيه معاول الهدم! ومن الغرائب أن المعارضة المصرية علي اختلاف أحزابها وحركاتها، تناضل ضد حكم حزب الثلاثة ملايين من أجل الحصول علي إمكانية الحوار والتواصل مع الجماهير، وعلي الناحية الأخري، فإن حزب الملايين الثلاثة تحت حماية كل أدوات القوة، لا يجري مع الجماهير إلا الحوارات التليفزيونية لزوم الشيء، ولا يهمه أن تقتنع الجماهير أو ترفض ما دامت أصوات الجماهير مُعبأة سلفاً في صناديق الانتخابات سابقة التجهيز! يا للهول! ثلاثة ملايين عضو في الحزب الوطني في حين أن عدد سكان ألبانيا 3.1 مليون نسمة! ولأن الحزب وُلد عملاقاً في حِجْر السلطة، كما أنه يزداد عملقة مع الأيام، فمن المتوقع عما قريب أن يفوق سكان البوسنة والهرسك الذين لا يزيدون علي 3.7 مليون نسمة! ومعروف أن خصوبة أبناء البوسنة والهرسك أقل بكثير من الحزب الوطني!