عندما أقرأ أو أسمع عن إنسان قرر أن يبدل دينه ويعتنق ديناً جديدًا تنتابني دهشة حقيقية وأمعن التفكير في الأمر محاولاً أن أستشف الأسباب التي تدعو شخصًا يدين بدين يقدَّر أتباعه بالملايين يعده بالجنة ويؤكد له كفر الآخرين.. إلي دين آخر أتباعه بالملايين يعده بالجنة أيضاً ولا ينسي أن يؤكد له كفر الآخرين!. أنا أعرف أن الكثير من القراء سيقولون إنه ربما شرح الله صدره للدين الجديد ووجد نفسه متعلقاً به ومستعداً للتضحية بكل شيء من أجل ما آمن به. وهذا في الحقيقة هو ما يدهشني.. لماذا؟ لأنني أعتقد أن الأديان جميعاً تدعو للخير وتقاوم الشر وتحرض الناس علي الإخاء والرحمة والمساواة، والأديان جميعاً تحوي أشياء منطقية يسهل فهمها وأخري غيبية تتخطي قدرات العقل ولولا الإيمان ما صدقها أحد. وعندما يريد أتباع ديانة أن يتحامقوا ويتنطعوا فإنهم يتحدثون عن الأشياء الغيبية لدي أديان الآخرين باعتبارها خرافات لا يليق بالإنسان العاقل تصديقها، وكأن غيبياتهم وميتافيزيقياتهم هي معجزات وخوارق، أما نفس الأشياء لدي الآخرين فهي هلوسة وخزعبلات!. أيضاً فإن الأديان تتشابه في أنه يقوم علي حراستها دائماً رجال دين يأكلون بسبوسة وبقلاوة وبغاشة من قيامهم بالمهمة التي لا يجيدون سواها وهي نشر البغضاء وتلوين القلوب بالسواد وترويع الناس وإلقاء الرعب في القلوب من المصير الأسود الذي ينتظرهم إذا لم يقوموا بكذا وكذا ويمتنعوا عن كذا وكذا. وهذه الكذا المطلوب القيام بها لا تخرج عن إطاعة الحاكم المجرم وتركه يفسق ويفجر، والكذا التي يتعين الامتناع عنها قد تكون مقاومة الظلم والمطالبة بالحقوق!. لهذا فإنني كلما سمعت عمن قام بتغيير دينه فإن الأسئلة تفترسني:هل وجد الوقت الكافي لدراسة دينه دراسة متعمقة أدت إلي رفضه، ثم عرج بعدها علي الأديان الأخري فغاص في كتبها وتفاسيرها وشروحها حتي اهتدي في النهاية إلي أن دين كذا هو الأجدر بالاتباع؟. هل معقول أن يكون الأمر قد مضي علي هذا النحو؟. في الحقيقة إن هذا السؤال يؤرقني لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن أصدق أن شخصاً قد غير دينه عن اقتناع..و هذا الأمر ليس باليسير لأنه لا يقدر عليه سوي العلماء والفلاسفة أمثال روجيه جارودي مثلاً. أما المواطن المسلم البسيط أو القبطي البسيط فلا يعلم عن أديان الآخرين إلا ما يسمعه في الجامع وفي الكنيسة وهو كفيل بتنفيره من دين الآخر!؟. أما إذا ما مد بصره بعيداً عن تعاليم رجال دينه وحاول أن يفهم بنفسه فإنه لو كان مسيحياً سيشاهد رجال دين مسلمين يسبحون بحمد الحاكم ويعبدونه من دون الله ويقومون بتفصيل الفتاوي علي مزاج السلطة، وسيجد أسامة بن لادن ماثلاً في الصورة، كما سيجد مناخاً دولياً يحرض علي كراهية المسلمين.. فما الذي قد يغريه وسط كل هذا باعتناق هذا الدين وهو الذي كما أسلفنا لا يملك القدرة علي تنحية القشرة الفاسدة حتي يظهر له جوهر الدين العظيم. ولو كان هذا المواطن البسيط مسلماً فإنه سيجد كنيسة لا تحترم الدولة وقوانينها ولا تنفذ أحكام القضاء وقد تركت عبادة الله وتفرغت للسياسة بكل ما فيها من دسائس ومكائد وألاعيب ومناورات، وسيجد قسيسين يملأون وعي الأتباع بأفكار عن المسلم الغازي المحتل الظالم الذي حل ضيفاً ولا يريد أن يرحل، وإذا نظر غرباً فسوف يري البينديكت المتعصب بتاع العيال!. كل هذا سيحجب عن المسلم البسيط سماحة المسيحية الحقة التي لن يري منها شيئاً!. ولا ننسي أن الأديان انتشرت بفعل حلاوة أخلاق معتنقيها.. فالإسلام علي سبيل المثال انتشر في الهند وإندونيسيا والصين وباقي بلاد آسيا ثم في أفريقيا بدون حروب أو غزوات وإنما انتشر عن طريق التجار الذين أغرت أمانتهم وصدقهم وحسن خلقهم الناس بالدخول في دينهم. والسؤال هو: ماذا بقي اليوم في أخلاق الناس مسلميهم ومسيحييهم يمكن أن يغري ويلهم ويُحتذي بعد أن توحش الناس علي يد السلطة وصاروا فصيلين لا ثالث لهما: شحاتين وحرامية؟!. وعلي الرغم من أن الله وحده هو المطلع علي القلوب فإنني لا أصدق وسط هذه الظروف المزرية أي شخص يغير دينه.. وليسامحني الله!.