العنوان سرقته من المسلسل البوليسي الرومانسي الرائع «أهل كايرو»، الذي تابعته بداية بدافع الحمية الصحفية، كون كاتبه هو المبدع المدعو «بلال فضل»، لكنني نسيت بلالاً ونسيت الصحافة وحميّتها ونسيت النجم العالي خالد الصاوي، ونسيت المخرج الموهوب، وانجذبت إلي هؤلاء الممثلين الذين لم أرَهم من قبل، وصفقت كثيراً لشقيق «صافي سليم»، وصفّقت أكثر لوصيفة «صافي سليم» أو لبّيستها، ولولا أداء «مدير الأمن» الباهت، ذي الشعر الهندي، ولولا بعض الهفوات التي يمكن علاجها في أقرب «مستوصف طبي» لما توقفت عن التصفيق إلي يوم يبعثون. و«كل مَن عليها فان». وحّدوه. والمصريون سيتقاتلون عما قريب، بسبب فتاة حوّلوها إلي «ناقة البسوس» التي تسببت في حرب دامت أربعين سنة بين قبيلتي بكر وتغلب. المصريون سيتقاتلون عما قريب كما نقرأ ونشاهد في وسائل إعلامهم، وسيفنَون، فتفضي البلد وتخف الزحمة، وتنخفض أسعار الأراضي وأسعار اللحمة، بعد انخفاض أسعار دماء الناس. ومن يقول إن جذور المصريين فرعونية لا عربية، فهو واهم وابن ستين في سبعة وستين. هم عرب، هذه طبائع العرب وهذه عاداتهم. وليسوا أي عرب والسلام، لا، المصريون من قحطان لا شك في ذلك ولا عك. وقحطان هم أصل العرب، والقحطانيون هم الأكثر تفاخراً بأجدادهم ودياناتهم، وتجد غالبيتهم في اليمن، وتلتقي أحدهم في الديسكو، فتسأله عن اسمه فيجيبك: «أحمد عبدالباري منصور سالم يوسف الشنّاتي، إسماعيليٌّ من الأزد من قحطان». وتستمع إلي معلّق كرة القدم اليمني وهو يعلّق علي مباراة اليمن واليابان في تصفيات آسيا: «في حراسة المرمي، محمود هادي عبداللطيف شمّار المشيعلي، وفي قلب الدفاع صالح رسّام بوبكر عليوي الغضيباني، وفي مركز الظهير الأيمن يونس عبدالرازق شليح فهدان التراني، وهو ليس من قبيلة تران الكهلانية اليزيدية بل من تران الهمدانية السنّية، التي انحدرت من...»، ومع انتهاء المعلق من تعداد أسماء المنتخب اليمني وجذورهم يطلق الحكم صافرة نهاية المباراة بفوز كاسح لليابان. يا عمي، المصريون عرب، عليّ اليمين عرب. وهل يتقاتل علي التفاهات إلا العرب... شوف إيطاليا واسمع معلق قناة «أبو ظبي الرياضية» وهو يقول: «روبرتو باجيو أعلن أمس اعتناقه البوذية، وطلب من بوذا مساعدته في المباراة»، ويحالفه التوفيق، بالصدفة، في تلك المباراة، فتصرخ جماهير إيطاليا المسيحية بعد المباراة: «شكراً بوذا، شكراً بوذا، شكراً بوذا». لم يختبئ باجيو في كنيسة ولا في مسجد ولا فرن خباز، ولم تطالب الجماهير بإقامة حد الردة عليه، ولم يظهر في برنامج «يو تيوب» يعلن اعتناقه البوذية وهو «بكامل قواه العقلية»، ولم ولم ولم... وفي «غزوة مانهاتن»، كما يسميها بن لادن، أو 11 سبتمبر، لجأ موظفو الأمن القومي الأمريكي إلي ملجأ المبني المخصص لذلك، تفادياً لهجوم طائرات القاعدة، فصرخ أحد كبار مسئولي الأمن القومي في الحضور: «مَن هو المؤمن من بينكم؟ من المؤمن منكم بحق السماء؟»، فأجابه أحدهم: «مستر فلان يقال إنه مؤمن، وهو موجود في الملجأ المجاور»، فصرخ القيادي: «ائتنا به ليصلّي لنا كي ينقذنا الرب»... إذن، الجماعة مفيش من الأساس، لا كاثوليك ولا بروتستانت ولا يعاقبة، ولا سنة ولا شيعة ولا «إخوان مسيحيين» ولا «خدّام المهدي»، ميح. والأدهي أنهم لا يعلمون عن ديانات بعضهم البعض، أو قل لا ينشغل أيّ منهم بديانة غيره. إن شاء الله يتشقلب وأنا مالي. والله يمسيك بالخير يا وكيل مدرستنا أيام الثانوية، المصري الفاضل أستاذ عاطف حلاوة، وأنعم به من رجل، عندما كان يتفقد قاعة الامتحانات ويتمشي بهيبته من أول القاعة إلي آخرها، وهو يردد «كل واحد يبص ف ورقته»، ثم يسأل: «كل واحد يبص ف إيه؟»، فترتجّ القاعة بصراخنا: «ف ورقته يا أستاذ»، ويكرر: «يبص ف إيه؟»، «ف ورقته يا أستاذ»، فيغادر القاعة وهو يحذّر: «علي الله أشوف واحد يبص ف ورقة غيره»، وكان صادقاً في تهديده، لذا لم يجرؤ أحد علي البص في ورقة غيره. وكنا سنقبل، علي مضض أو مضضين، عذر مصر لو كانت حدودها تشترك مع إيران والعراق، اللتين تفرّقان بين الزوج وزوجه، لكنها (أي مصر) متاخمة لليبيا، حيث القومية هي برنامج ليبيا لهذا اليوم، والعروبة برنامجها بكرة، والوحدة الأفريقية بعد بكرة، والوحدة مع إيطاليا بعد بعد بكرة، وهيصة... ومن الجنوب تتاخم السودان، والسودان لديه تخمة من المشاكل التي تلخمه عن بلاوي متاخميه. إذن مصر «توماتيكة، ولعتها منها وفيها» كما يقول عادل إمام: أبناؤها وبناتها هم الذين زرعوا الفتنة في أرضها. ياه، مصر العظيمة علي شفايف حفرة. أين أنت يا عمنا وأستاذنا عاطف حلاوة كي تأخذها كعّابي من الإسكندرية إلي أسوان وأنت تصرخ: «كل واحد يبص ف ورقته، كل واحد يبص ف إيه؟»، فترتج الدنيا علي صوت مصر وهي ترد عليك: «ف ورقته يا أستاذ». أقول هذا، بينما الشيعة والسنة في الكويت يسرجون خيلهم، ويودّعون أطفالهم، استعداداً للتقاتل فيما بينهم.