هل أنا أو أنت أو أي أحد في هذه الدنيا الواسعة كنا نحتاج لبشارة أو إشارة جديدة تساعدنا علي التنبؤ بأن مسخرة الانتخابات التشريعية المزورة المقبلة ستكون كذلك إن شاء الله؟! بالطبع لا.. فكما أننا جميعًا نعرف وندرك حقيقة أن الشمس تشرق من الشرق كل صباح بانتظام ممل، فنحن نعرف أيضًا أن كل انتخابات عصر الرئيس حسني مبارك كانت مسخرة ومزورة دائمًا، وما تغير هذه المرة فقط هو حزمة أو «حلة الطبيخ الدستوري» التي سدت ثغرة الإشراف القضائي المنقوص علي عمليات الاقتراع فأصبح التوقع السائد (المدعوم بما جري في انتخابات الشوري الأخيرة) أن المسخرة المقبلة سوف تذهب إلي عوالم بعيدة وتحلق في فضاءات غير مطروقة من قبل ومعها سيصبح التزوير القديم غالبًا أمنية أو حلمًا بعيد المنال، لأن التلاعب وتلفيق النتائج اللذين تعودنا عليهما سيتحولان تحولاً نوعيًا وجنسيًا تامًا وسيصيران شيئًا أقرب إلي الاختراع والاختلاق من العدم شخصيًا!! ومع ذلك فالعبد لله كاتب هذه السطور سافر بضعة أيام خارج الحدود وعاد ليكتشف أن النظام وأجهزته وأبواقه وأتباعه المخلصين والتعبانين علي السواء أفرطوا في الكرم وأغدقوا علينا المزيد من البشارات والإشارات، تأملت بعضها فوجدته يرسم صورة ذهنية معقولة جدًا تبرز أقوي ملامح المسخرة الانتخابية التي ننتظرها. وقد لفتني في زحام هذه البشارات كلها واقعتان اثنتان بالذات، أولاهما تقطع بأن التزييف والتزوير ليسا مجرد سلوك منحرف أو نوع من الإدمان علي الرذيلة وإنما هي عقيدة إيمانية وتكاد تكون «ديانة» متكاملة يدين بها أهل الحكم ويخلصون في الالتزام بها وممارسة طقوسها وشعائرها والعمل علي هدي مبادئها وأركانها في كل مناحي الحياة، والثانية تشي بشكل التطبيق العملي لمبدأ «تمكين المرأة» الذي كان حجتهم في تفصيل تشريع ينص علي تخصيص «كوتة» للنساء تمنحهن فرصة التمتع بالقعدة الحلوة علي مقاعد البرلمان المزور بجوار المزورين الموقرين الرجال. وأبدأ بعقيدة التزوير التي عبر عنها ببلاغة ما قاله الدكتور عبد المنعم سعيد - رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام - قبل أيام في أحد البرامج التليفزيونية الفضائية عندما سُئل عما لو كان استمع من جهات «سيادية أو رئاسية» إلي أي لوم أو عتاب علي قيام صحيفة جنابه بالتدخل المهني التزويري في صورة فوتوغرافية بثتها إحدي وكالات الأنباء العالمية وتعديل موقع الرئيس مبارك فيها ونقل سيادته من المؤخرة إلي مقدمة السائرين علي البساط الأحمر في بيت أمريكا الأبيض، فقد استرعي انتباهي أن الدكتور سعيد أجاب عن السؤال بأنه لا أحد لامه أو عاتبه علي نشر تلك الصورة المزورة التي كان زميله رئيس التحرير قد وصفها بأنها «تعبيرية» بينما نعتها هو بأنها «تكوينية»، وقال معاليه نصًا: «معلوماتي أن التوجه (التزويري) الذي اتخذته الأهرام كان مرحبًا به».. ممن؟! من «السيادية والرئاسية» طبعًا!! غير أن «التكوين التعبيري» الأكثر بلاغة عن معني «تمكين المرأة» الساكن في رأس نظام حكم عمل طوال عمره المديد بمبدأ «تمكين» الحرامية والنشالين من الثروة والسلطة في البلاد، ظهر جليًا في الطريقة المبتكرة التي جري بها قمع وبهدلة النشطاء والشخصيات الوطنية المحترمة الذين ذهبوا الأسبوع الماضي إلي ميدان عابدين ليتظاهروا سلميًا هناك ضد خطة توريث الوطن شعبًا وأرضًا للأستاذ النجل، ويستعيدوا ذكري وقفة الزعيم أحمد عرابي في الميدان نفسه وصيحته الخالدة «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارًا ولن نستعبد أو نورث بعد اليوم».. فما حدث أن مهمة قمع هذه المظاهرة جري توزيعها بالعدل والقسطاس علي رجال ونساء الشرطة وجري «تمكين» الست المرأة المباحث من فرصة الحصول علي نصيب عادل من كعكة البلطجة وقلة الأدب، وقد أثبتت إحداهن (تدعي ابتهال) تميزًا وتفوقًا في هذا المجال تنطق به العلامات الزرقاء الداكنة التي مازالت حتي الساعة تزين مناطق واسعة في جسدي الزميلتين الصحفيتين مني سالم وشيرين المنيري، إذ لم يشفع لهما عند الست المذكورة أنهما وُجدتا في المكان لممارسة واجبهما المهني، فأصرت علي أن تعدمهما العافية وافترستهما بغل وكادت تأكلهما أكلا لتثبت للذين «مكنوها» و«علفوها» و«سمنوها» أنها لا تقل توحشًا وسعارًا و«خنشرة» عن البلطجية الذكور.. وكذلك ستثبت «المتمكنات» البرلمانيات المزورات عندما يتمكنَّ إن شاء الله من افتراس مقاعدهن في المجلس الموقر المتوقع «تكوينه تعبيريًا» بعد أسابيع قليلة.