لا يروق لي كثيرا كتاب النظام، ولا أحب علي الإطلاق كاتب الرئيس نعم، أتفهم أن بحكم القرب الإنساني تختلط المشاعر والأحكام، بل والرؤية، وكلما زاد القرب تصعب رؤية الصورة كاملة، بل تكون ناقصة وهناك جوانب كثيرة غير واضحة، وبحكم القرب أيضا تتشابك المصالح ويصبح كاتب الرئيس هو لسان حاله، وعندنا في العالم الثالث الذي لابد أن نعترف أنه عالم متخلف لا يمكن مطلقا أن نثق في كاتب الرئيس أو كاتب النظام أقول ذلك بشكل مطلق، وفي الوقت نفسه أحترم العلاقة الإنسانية، لذلك كنت معجبا بمقولة الأستاذ أحمد بهاء الدين: أنا أقل كتاب النظام نفاقا، الرجل عنده حق، واحتفظ بمسافة ما تجعله ليس بعيدا عن الأحداث الرئاسية، لكنه أعطي لنفسه مساحة لعقله ولضميره، لذلك لا يروق لي كثيرا الأستاذ محمد حسنين هيكل، مع احترامي الشديد لموهبته الفذة ولعقله المرتب المصحصح وقدرة تحليله للأوضاع السياسية التي يعيش فيها ومع الأستاذ لا يروق لي أيضا بقية كتاب الرئيس مهما كان اسم الرئيس، موسي صبري وأنيس منصور وإبراهيم سعدة وسمير رجب وغيرهم ممن اقتربوا من الدائرة المغلقة في الرئاسة، لأنهم بشكل أو بآخر يضللون الناس بما يراه الرئيس هو الأصلح، ولأننا دولة ديكتاتورية من طراز رفيع منذ عهد جمال عبدالناصر، وكل أمور الدولة في قبضة رجل واحد وفكر واحد وسياسة واحدة فلا يمكن مطلقا أن أثق في أحد منهم، مهما ادعي علينا وقال إنه حيادي ويري مالا يراه الآخرون ويعرف مالا يعرفه الآخرون، هم حقيقة الأمر مضللين للشعب المسكين ويسوقون الناس كالأغنام إلي مايريد الرئيس، بعض ممن ذكرت لي علاقة بهم إنسانية، وجلست معهم لأستمع ولا أنكر انبهاري الشديد بهم وبعقلهم الراجح وشخصيتهم القوية وانفتاحهم علي العالم وتشابك معارفهم ومصادرهم، لكن كنت أحتفظ بداخلي بدرع قوية هي الناس، القارئ الغلبان الذي نتمني رضاه جميعا - وهو الأصل - فعندما تعلم وتبصر قارئ واحد بالحقيقة، وتعلمه، فقد بلغت رسالتك، أما أن تكون كاتبا لإرضاء شخص واحد هو الحاكم فأنت قد ضللت الطريق الصحيح لهذه المهنة السامية، والمفترض أن تكون سامية، ولابد أن أعترف أن كل ماذكرتهم في أعلاه من الأستاذ هيكل إلي موسي صبري إلي إبراهيم سعدة كانوا من أهم الكتاب بل هم أسطوات المهنة علي حق، ومعلمين في فنون الصحافة وقدموا الكثير لهذه المهنة، لكن لا يمكن أن أقرأ التاريخ من خلالهم، وبرغم أعمالهم العظيمة، هيكل كاتب خطاب التنحي وكاتب خطاب 16 أكتوبر، بعد النصر العظيم، وموسي كاتب خطاب الكنيست، إلا أنني أيضا لا يمكن أن أثق فيهم وفيما يقولون حتي لو كان بعضه صحيحًا وبعضه حقيقيًا، وما ذكره الأستاذ هيكل عن فنجان القهوة الشهير الذي أعده السادات إلي عبدالناصر، ما هي إلا بداية وتمهيد نيران علي الرئيس السادات الذي حرم هيكل من أهم لحظة تاريخية يحلم بها الأستاذ هي زيارة القدس، فمن المعروف إعجاب الأستاذ بقادة إسرائيل التاريخيين وذلك علي المستوي الفكري، رجال يصنعون دولة من لا شيء، وحلم الأستاذ كان هو رؤية هؤلاء والتحدث معهم والدخول في عقولهم بشكل شرعي ليفهم ويفسر عقلية أعدائه، وقد أهان السادات هيكل كما هو معروف وحرمه من اللحظة التاريخية المهمة، وعليك أن تتخيل مقالات هيكل لو زار القدس وحاور جولدامائير وبيجين وموشي ديان ومن بعدهم شامير ورابين وعيزرا فايتسمان وغيرهم، لذلك الأستاذ من الحلقة المقبلة، أتوقع أنه سيفتح النيران الثقيلة علي الرئيس السادات بنفس طريقة فنجان القهوة التي ذكرها، ذكر المعلومة بجانب النفي القاطع وهي مدرسة أخبار اليوم الشهيرة وقد رد عليه الأستاذ أحمد رجب بنفس الطريقة وبنفس الأسلوب ومن نفس المدرسة، ولابد أن نعترف مسبقا لأن الأمور اختلطت علينا أن الرئيس جمال عبدالناصر رجل وطني يحب مصر وقادها من وجهة نظره، وأن الرئيس السادات هو الآخر رجل وطني ويحب مصر وقادها من وجهة نظره، والرئيس مبارك رجل وطني ويحب مصر ويقودها من وجهة نظره، قد نختلف معهم نعم لكن لا يمكن أن نتهمهم لا بالخيانة أو العمالة، نعم منهم من قادنا إلي كارثة، لكن لا يمكن علي وجه الإطلاق أن نشكك في وطنيتهم وقد يتفق معي الأغلبية في ذلك، قد نهاجمهم لكن لابد ألا نغفل هذه الحقيقة المهمة، لذلك ما يقوله الأستاذ هيكل هو شبه تأريخ لأهم مراحل مصر في العصر الحديث، لابد أن نأخذه علي محمل الاجتهاد وليس علي محمل الحقيقة المجردة، إن الحقيقة الوحيدة هو يكتب من وجهة نظره ككاتب قريب من الدائرة المغلقة ومن وجهة نظر الإنسانية التي تعطي الانطباعات الشخصية في الحب والكره والتشكيك، ويمكننا أن نبعد الأغراض الشخصية لأن الأستاذ مستقبله وراءه وأعتقد بحكم السن لا يريد شيئاً في المستقبل، التاريخ لا يمكن أن يكتب بأصابع كتاب الرئيس حتي لو كانوا شاهدين علي الواقعة، لأننا في عالمنا الثالث «مطبلي ومزمري النظام» لا يمكن الوثوق بهم مع احترامي الشخصي لهم وبموهبتهم الفذة التي نترحم عليها، لكن كتاب الرئيس هم آخر من نصدقهم ونتمني أن نري عصرا لدولة ديمقراطية عظيمة تستحقها مصر ولها كتاب علي مسافة ما ليعطوا لعقولهم وضمائرهم مساحة التفكير من أجل الناس!!