قد توافقني، أو لا توافقني، لكنني أري أننا لم نتعامل مع ذكري أستاذنا العظيم نجيب محفوظ، علي مدي أربعة أعوام كاملة، كما يستحق من تقدير واعتبار وتخليد لذكراه، لكن مع أي شيء نتعامل بجدية واحترام؟! وفي أي شيء نتصرف كما ينبغي أن يكون التصرف السليم؟! هذا التقصير، والإهمال، والتسيب في كل أمر من أمور حياتنا يقودنا إلي فكرة الثورة ومعناها، فمصر في أشد الحاجة إلي ثورة حقيقية، ثورة تعيد الأمور المقلوبة إلي وضعها الصحيح. ولنتأمل في مفتتح عمله الفذ «صداء السيرة الذاتية»، ولننظر فيما كتبه أستاذنا تحت عنوان: «دعاء» إذ يقول: «دعوت للثورة.. وأنا دون السابعة. ذهبت ذات صباح إلي مدرستي الأولية محروسا بالخادمة، سرت كمن يساق إلي السجن، بيدي كراسة وفي عيني كآبة وفي قلبي حنين للفوضي، والهواء البارد يلسع ساقي شبه العاريتين تحت بنطلوني القصير.. وجدنا المدرسة مغلقة والفراش يقول بصوت جهير: بسبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضا. غمرتني موجة من الفرح طارت بي إلي شاطئ السعادة. ومن صميم قلبي دعوت الله أن تدوم الثورة إلي الأبد!» فبعدما تعدي أستاذنا الثمانين من عمره المثمر، يتذكر دعوته من صميم قلبه أن تدوم الثورة إلي الأبد، فقد كان يدعو للثورة وهو دون السابعة. فماذا صنع الزمن في رؤية محفوظ ودعوته القديمة للثورة؟ لننظر إلي حركة الزمن، ومعني الثورة عند الطفل والشيخ، فبعد مرور كل هذه السنوات الطوال، مازال الحنين إلي هذه الثورة المتجددة يملأ قلب الراوي (الشيخ)، فالخروج من السجن - الذي يساق إليه الراوي (الطفل) - لا يكون إلا بالثورة، والتخلص من الكآبة - التي في عينه - لا يتحقق بدون الثورة، وللوصول إلي شاطئ السعادة لابد من الثورة علي كل ما يسوقنا إلي البؤس والقهر واليأس والتعاسة، فالثورة هنا هي رمز التغيير الشامل، تغيير كل ما هو سيئ وفاسد وظالم وقبيح، والثورة أيضا رمز للحرية المفقودة، والتي افتقدها الطفل، كما افتقدها الشيخ، فالحرية شعار الإنسان الحر في كل زمان ومكان، ومن خلال الثورة الدائمة علي عناصر القبح تتجلي ملامح الجمال، وبالثورة تعلو قيمة الإنسان، وتتحقق كرامته، حين يتحرر من الأغلال والقيود، ويتجاوز العقبات والحدود، لينطلق بقوة نحو مستقبل أفضل، حيث المساواة، والعدل، والحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.