السيسي يهنئ الشعب المصري والأمتين الإسلامية والعربية بالعام الهجري الجديد    «مستقبل وطن»: ندعم خطط الدولة ونولى ملف الاستثمار أولوية كبيرة    محافظ دمياط يعتمد تنسيق المرحلة الأولى من الثانوية العامة بدمياط| التفاصيل    أسعار السلع التموينية اليوم الخميس 26-6-2025 في محافظة الدقهلية    أسعار الخضروات اليوم الخميس 26-6-2025 في الدقهلية    منظمة إفريقية: أبوابنا مفتوحة للتعاون مع تركيا في مجالات الطاقة    رسميًا.. موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة 2025 بعد قرار السيسي    محافظ أسيوط لأهالي قرية نجع سبع: أنتم شركاء التنمية ونعمل معًا من أجل المستقبل    مجلس الوزراء: تراجع واردات السكر الخام 54.5% خلال الربع الأول من 2025    وزير الإسكان يُعلن تسليم مركز شباب نموذجي بمنطقة النوادى بمدينة بدر    ويتكوف: دول "لن تخطر على بال أحد" ستنضم إلى اتفاقيات إبراهام قريبًا    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: الاحتلال يروج أكاذيب بخصوص المساعدات لتبرير استمرار التجويع    تضارب بين البنتاجون ووكالة الاستخبارات الأمريكية بشأن نتائج قصف منشآت إيران النووية    الناطق باسم الأمن الفلسطيني: جرائم الاحتلال لن تثنينا عن أداء دورنا الوطني    الخطوط الجوية القطرية تنهي إجراءات سفر 20 ألف شخص عالق    كوفاتش: التأهل في هذه الأجواء كان جيدا    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع.. موقف مرموش.. ورباعي هجومي أمام يوفنتوس    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية والديمقراطية    رودري: ما زلت على بُعد أشهر من استعادة مستواي المعهود    محمود فؤاد: لا يوجد مسئول في الزمالك يمكنه مطالبة شيكابالا بالاعتزال    الثانوية العامة 2025|ترقب أولياء الأمور أمام اللجان.. صور    ضبط عنصر إجرامي بحوزته 53 كيلوجرامًا من مخدر الميفدرون بالقليوبية    طقس اليوم.. الأرصاد: أجواء صيفية مستقرة.. والعظمى المحسوسة على القاهرة 38 درجة    كلب ضال يعقر 11 شخصًا ويثير الذعر بقرية إبيار في الغربية    ضبط لصوص سرقوا مجوهرات ودولارات من شقة بمصر الجديدة    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات    ضربها في الشارع.. مها الصغير تحرر محضرا ضد السقا    محمد رمضان يكشف قيمة أحدث عروضه للمشاركة في رمضان 2026    عمرو دياب يعلن رسميا تعاونه مع عمرو مصطفى في أغنية «ابتدينا» بصور تجمعهما    الجوزاء يفتعل الجدل للتسلية.. 4 أبراج تُحب إثارة المشاكل    عودة الصنادل.. القبقاب والشبشب يتصدران موضة صيف 2025    وفاة والدة المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    لبلبة عن صورتها المتداولة مع عادل إمام: ليست حقيقية وملعوب فيها    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    الصحة: تقديم أكثر من 200 ألف خدمة طبية وعلاجية بمستشفيات الأمراض الصدرية خلال مايو الماضي    رئيس قسم التخدير بجامعة عين شمس: التخدير الموضعى الأكثر أمانًا بيئيًا    ماذا قال مينا مسعود بعد زيارته لمستشفى 57357؟    ماذا يحدث لجسمك عند تناول «فنجان قهوة» على الريق؟    26 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    خبير ألماني في النزاعات المسلحة: الناتو في مرحلة غير مستقرة للغاية    طلاب الثانوية العامة بالدقهلية يستعدون لدخول لجان امتحانى الفيزياء والتاريخ    مصير وسام أبوعلي في الأهلي.. موقف اللاعب و4 بدلاء ينتظرون    مواعيد مباريات دور ال16 فى كأس العالم للأندية.. الإنتر يواجه فلومينينسى    رسميًا.. اليوم إجازة رأس السنة الهجرية 2025 للموظفين بالحكومة والقطاع الخاص    بينها تخفيف التوتر وتحسين المزاج.. فوائد كثيرة لشرب الماء الساخن بالصيف    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    لمنع تأمين مساعدات غزة.. نتنياهو يصدر أمرًا بالتدخل العسكري    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    حضور جماهيرى كبير.. ويل سميث لأول مرة فى مهرجان موازين بالمغرب (صور)    «الشؤون العربية والخارجية» بنقابة الصحفيين تعقد أول اجتماعاتها وتضع خطة عمل للفترة المقبلة    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    مع إشراقات العام الهجري الجديد.. تعرف على أجمل الأدعية وأفضلها    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    مع حلول العام الهجري الجديد 1447ه.. متى يبدأ رمضان 2026 فلكيًا؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمل فوزي تكتب : أوراق الحق
نشر في الدستور الأصلي يوم 20 - 08 - 2010

بمناسبة الشهر الكريم - رغم أننا لسنا باحتياج لأي مناسبة علي الإطلاق لكي أهديكم واحدة من القصص المدرجة في ملف الظلم والاستهتار بحياة البني آدم المصري الذي تجده إذا ضاع حقه لا يعرف ماذا يفعل ولا يعرف كيف يحصل علي حقه ويعيده من جديد.
كثيراً ما يصادفني مواطنون من فئة المظلومين الباحثين عن حقهم الضائع ودائماً ما يكون القاسم المشترك بين هؤلاء المواطنين المظلومين، الدائرين في دائرة- في أغلب الأحيان - تكون دائرة وهمية للحصول علي حقوقهم - وأعترف أن الصحافة والإعلام أحد هذه الدوائر الوهمية، فقد يتصور بعض المواطنين أن وصولهم لمكتب صحفي أو مذيع ما أنهم قد نالوا حقوقهم أو علي الأقل هم في الطريق إلي نيل حقوقهم، لكن الصورة ليست دائماً وردية أو حتي منطقية، المهم هو أن ما يجمع كل هؤلاء المواطنين الواقعين في دائرة الظلم هو ما يحملونه من حقائب بلاستيكية أو دوسيه بلاستيك محشوراً بالأوراق والمستندات - التي قد تكون كل خطابات الشكاوي التي سبق له وأن أرسلها إلي موظف أو مدير مروراً بالوزراء.. .انتهاء بالشكوي المرسلة للسيد الرئيس، وبمجرد وقوع عيني علي كلمة «رئاسة الجمهورية» أدرك تماماً أننا أمام قصة يائسة وميئوس من حلها وأعلم أن صاحب هذه الشكوي شخص يمارس العبث في بلد احترف العبث فأصبح اللامنطق واللاحق أهم سياساته.
ما أكثرهم المواطنين المظلومين الحاملين أوراق حقوقهم يدورون بها هنا وهناك في محاولات مستميتة لاسترجاع الحق ولكن يظل الورق حبيس حقائبهم البلاستيكية - ولكن غالباً ما تكون دون جدوي - وفي النهاية تظل الأوراق وتضيع الحقوق.
منذ أيام مرت علي واحدة من تلك القصص اليائسة التي أوجعتني، وأصارحكم أن أكثر ما أوجعني ومسني ليست مأساوية القصة نفسها - رغم أن القصة بالفعل مأساة حقيقية - ولكن نظرات الفتاة « شيماء» صاحبة هذه المأساة من وراء نظارتها الطبية السميكة وابتسامتها البريئة وهدوئها في حكي المأساة ودموعها المتحجرة المقاومة للتساقط بفضل كلماتها الساخرة الذكية التي ترددها بين حين وآخر تعليقاً علي قصتها.
شيماء... فتاة قاربت الثلاثين من عمرها، بدأت مأساتها منذ عام 1996، عندما ذهبت إلي أستاذ طب وجراحة العيون بمعهد بحوث أمراض العيون بالجيزة لإجراء عملية مياهاً زرقاء للعينين وتمت العملية بنجاح.
وفي عام 2004 توجهت شيماء إلي عيادة الطبيب في المهندسين وقرر أن هناك مياه بيضاء علي العين اليسري فقط ويجب إجراء عملية عاجلة بالعين اليسري وزرع عدسة وبالفعل قامت شيماء بكل الأشعات والفحوصات اللازمة وقرر الطبيب دخول شيماء المعهد وبعد إجراء العملية وخروج شيماء ودفع تكلفة العملية 2700 جنيه، أحست الفتاة ببعض المضاعفات فذهبت إلي عيادة الطبيب فقرر إعطاءها بعض الأدوية التي لم تجد علي الإطلاق وزادت المضاعفات وحدثت عتامة علي القرنية، واقترح عليها الطبيب أن هناك عملية بالعين اليمني السليمة سوف تغني عن لبس النظارة وهي عملية «ليزر ياج».. وقد أوضح لها أن ا«لليزر ياج» مفيد جداً، لأنه يقوم بتنظيف الكبسولات الموجودة داخل العين المثبت عليها العدسة لإزالة العتامة من علي الكبسولات، وقد خافت الفتاة واعترضت وقالت للطبيب إنها لم تزرع عدسة أساساً ولكنه أوهمها أنه قام بإجراء هذه العملية للعينين في عام 1996 أثناء إجرائه للمياه الزرقاء.وقد أقنعها الطبيب أن هذه العملية ستحسن الإبصار جيداً وستغنيها عن استخدام النظارة، وقد استسلمت الفتاة وسلمت عينيها لثقة الطبيب ولضميره وأثناء جلوسها علي الجهاز المخصص شعرت بآلام مبرحة لدرجة لم تتحملها فإذا بالطبيب يوقف الجهاز ويخرجها من الغرفة ويطلب منها الذهاب إلي المنزل.
ومنذ هذه اللحظة المأساوية.. .تدهورت الرؤية بالعين اليمني وأوهم الطبيب الفتاة أن هذا التدهور طبيعي جداً، لأنه مؤقت ولكن المصيبة أن ذلك التدهور أخذ في الاستمرار والتزايد يوماً بعد يوم حتي كادت شيماء لا تبصر وتدهور نظرها من درجتين إلي إحدي عشرة درجة.
مرت شيماء برحلة عذاب بعد ارتفاع ضغط العين وضغطه علي العصب البصري.وفوجئت الفتاة بعد إجراء العديد من الفحوصات الطبية والسونار أن الطبيب لم يزرع لها عدسة أساسا، أي أن عملية الليزر ياج هذه لم تكن تصلح لها من الأساس، لأنه لا توجد لديها عدسة مزروعة، وأيضا أن عينيها بها عيب خلقي وهو عدم وجود قزحية، أي أن شيماء وقعت ضحية جهل وجشع طبيب مقابل بعض الآلاف القليلة، ولأنه لا يملك شجاعة المواجهة وبعد تردد الفتاة علي عيادته مستاءة أكثر من مرة لأنها ببساطة لا تفهم ماذا حدث لعينيها، ولماذا أصبحت تقريباً فاقدة للبصر، بعد كل هذا العذاب قال لها الطبيب الذي أقسم علي شرف وأمانة وضمير المهنة: «لو عاوزة تقولي إن حصل خطأ طبي.. إنت حرة، لو عاوزة تشتكيني في النقابة.. تبقي غلطانة لأن النقابة دي إحنا اللي بننتخبها عشان تحمينا ومحدش هيعرف يعمل لي حاجة»!!
وبالفعل تقدمت الفتاة لكل الطرق الشرعية البديهية وقدمت شكوي بالنقابة في عام 2007 ولم يفعل أحد أي شيء وقد تم تحويل الفتاة إلي الطب الشرعي ولم يتم الكشف عليها أساساً بأجهزة متخصصة تثبت وجود فتحات يتم تثبيت الكبسولات عليها التي من المفترض زراعة العدسة عليها، بل ولم يتم إعلام الفتاة بتقرير الطب الشرعي حتي تتمكن من مناقشتهم أو الاعتراض عليه أو توضيح بعض الأمور، كله حدث في الخفاء..
في النهاية، وعلي الرغم من كل هذه التفاصيل التي ذكرتها الفتاة بمرارة ويأس رغم ابتسامتها الراضية ، سألتها: طب إنت متوقعة أعمل إيه يا شيماء أو أساعدك إزاي؟
قالت لي بهدوء: أنا بس عاوزة آخذ حقي، بس مش عارفة إزاي.
وهنا أمسكت شيماء بأوراق حقها، كل ورقة، كل مستند، كل غيصال، تقرير الطب الشرعي، تقارير طبية أخري تثبت حقها، وقد أخرجتها لعرضها علي، وعمل نسخة لي، والحقيقة إنني في هذه اللحظة شعرت بغصة ومرارة..
كيف لي أن أساعد هذه الفتاة الرائعة التي أخذت تردد جملاً لم أستطع نسيانها أو إغفالها.
قالت لي: بعد أن كنت أعمل مدرسة للأطفال، أرعاهم وأهتم بهم، لا توجد وظيفة تقبلني الآن، كيف يقبلون موظفة تقريباً لا تري !!
قالت لي: تصدقي إن فيه ناس بتقول لي: هنديك مرتب كل أول شهر، بس ما تجيش الشغل !!! وبذهول كبير دمعت عيناها قائلة: « دي آخرتها.. .أشحت وآخد فلوس ما اشتغلتش بيها.. .تيجي إزاي.. ليه هو أنا كرامتي ضاعت ؟
قالت شيماء وهي تضحك ساخرة بخجل: نسيت أقولك إني جات لي جلطة في قدمي اليسري من شدة حزني وعجزي عن استرداد حقي.
أنا عاوزة حقي.. بس حقي مش أكتر !!
قالتها شيماء وصمت، لأنني لا أعرف كيف يحصل البني آدم علي حقه في هذا البلد الأمين، خطأ طبي صعب إثباته ويصعب إدانة الطبيب، صعب علي الفتاة الوحيدة التي فقدت بصرها ووظيفتها ومستقبلها وفرصتها في حياة طبيعية أن تمشي هذا المشوار الطويل المضني وحدها، صعب عليها أن تحمل حقيبة أوراق حقها الكثيرة وتندفع في طريق المحاكم والدعاوي القضائية التي لا تعرف دهاليزها ولا تقدر علي تكاليفها، كانت محقة الفتاة عندما قالت لي: عاوزة حقي بس مش عارفة أجيبه إزاي؟
قلت لها أنا أيضاً: بصراحة يا شيماء.. أنا أيضاً لا أعرف كيف تحصلين علي حقك وكيف تستردينه؟
بنبرة أعتقد أن شيماء ربما تكون قد شعرت بها نبرة قاسية وخشنة: « خلينا عمليين يا شيماء، لا تتوقعي أنني سأكتب فستحصلين علي حقك، كل ما يهمنا الآن هو أن تقومي بإجراء العملية التي ستنقذ ما تبقي من بصرك وهي عملية زرع القرنية التي قد تصل تكلفتها إلي حوالي عشرين ألف جنيه.
ليس مضموناً علي الإطلاق أن يساعدنا مسئول أو وزير للحصول علي حقك ومعاقبة الطبيب المخطئ ولكن الممكن والمحتمل أن هذا البلد به ناس يرون أن الحياة لا تجدي إلا بمساندة الآخرين وإعانتهم علي الحياة... وربما يوجد من يساعد شيماء أن تستعيد جزءاً من نور عينيها، تستعيد جزءاً من رغبتها وثقتها في أن الحياة بها ما يستحق أن تعيش لأجله هناك من يستطيع أن يحمل مع شيماء أوراق حقها.!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.