تراجع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الثلاثاء 4 يونيو 2024    أول مرة منذ 6 فبراير، انخفاض سعر خام برنت لأقل من 78 دولارًا للبرميل    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    طهران ترفض مقترح بايدن بشأن وقف إطلاق النار في غزة    لحظة أقتحام نشطاء يساندون فلسطين لقنصلية الاحتلال في سان فرانسيسكو (فيديو)    سيف زاهر يعلن أسماء اللاعبين المتوقع انضمامهم للأهلي ويفجر مفاجأة عن علي معلول (فيديو)    ملف يلا كورة.. مشروع القرن ينتظر الأهلي.. استدعاء عمر كمال.. وإصابة فتوح    سيف جعفر يتحدث عن سرقة العقود من الزمالك.. ماذا قال؟    الدماطي: الأهلي أول نادي أرسل الدعم لأهلنا في فلسطين.. وتعاقدات الرعاية من قبل أحداث غزة    طقس اليوم.. شديد الحرارة نهارا مائل للحرارة ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 38    اليوم، بدء قبول اعتذارات المعلمين المشاركين في امتحانات الثانوية العامة 2024    طريقة حصول نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الغربية الرابط والخطوات    كريم محمود عبد العزيز يحيي ذكرى ميلاد والده: "في الجنة ونعيمها يا أعظم أب"    عمرو عرفة يروج لفيلم أهل الكهف    زوجى ماله حرام وعاوزة اطلق.. ورد صادم من أمين الفتوى    6 شروط لأداء الحج ومعنى الاستطاعة.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    متى ينتهي وقت ذبح الأضحية؟.. الأزهر للفتوى يوضح    طبيبة تحذر الحجاج من المشروبات الغازية على عرفات: تزيد العطش    مصرع وإصابة 21 شخصا في المغرب تناولوا مادة كحولية    عمرو أديب يكشف مفاجأة بشأن زيادة مدة انقطاع الكهرباء    إيران: تسجيل 80 مرشحا لخوض الانتخابات الرئاسية    طاعات على المسلم فعلها تعادل ثواب الحج والعمرة يومياً.. تعرف عليها    "في حد باع أرقامنا".. عمرو أديب معلقاً على رسائل شراء العقارات عبر الهاتف    أسعار الذهب في الإمارات بختام تعاملات الأمس    واشنطن تفرض عقوبات جديدة على صناعة الطائرات المسيرة بإيران    أمير هشام: جنش يرغب في العودة للزمالك والأبيض لا يفكر في الأمر    نفاذ تذاكر مباراة مصر وبوركينا فاسو    مقتل صاحب كشك على يد عامل بسبب خلافات مالية    حاكم كورسك: إسقاط 20 طائرة مسيرة أوكرانية خلال يوم    4 يوليو المقبل.. تامر عاشور يحيي حفلا غنائيُا في الإسكندرية    انطلاق تدريبات جوية لقوات الناتو فوق شمال ألمانيا    وفاة 11 شخصا جراء تسرب للغاز في منجم بمقاطعة بلوشستان الباكستانية    عبد الحفيظ: مرحلة مدير الكرة انتهت بالنسبة لي.. وبيبو يسير بشكل جيد مع الأهلي    مصطفى بكري: الرئيس حدد مواصفات الحكومة الجديدة بالتفصيل    نقابة الصحفيين تكرم الزميل محمد كمال لحصوله على درجة الدكتوراه| فيديو    مجهولون يطلقون النار على المارة وإصابة مواطن في الأقصر    رفضت ترجعله.. تفاصيل التحقيق في إضرام نجار النيران بجسده بالبنزين في كرداسة    سيد عبد الحفيظ يعتذر من خالد الغندور لهذا السبب    مجدى البدوي يشكر حكومة مدبولي: «قامت بواجبها الوطني»    وكيل مديرية الصحة بالقليوبية يترأس اجتماع رؤساء أقسام الرعايات المركزة    بمرتبات مجزية.. توفير 211 فرصة عمل بالقطاع الخاص بالقليوبية    مصطفى بسيط ينتهي من تصوير فيلم "عصابة الماكس"    «كلمة السر للمرحلة القادمة رضا المواطن».. لميس الحديدي عن استقالة الحكومة    اليوم 240 .. آخر احصاءات الإبادة الجماعية في غزة: استشهاد 15438 طفلا و17000 يتيم    وصلة ضحك بين تامر أمين وكريم حسن شحاتة على حلاقة محمد صلاح.. ما القصة؟ (فيديو)    مصرع شاب في حادث مروري بالوادي الجديد    هل الطواف بالأدوار العليا للحرم أقل ثواباً من صحن المطاف؟.. الأزهر للفتوى يوضح    عدلي القيعي يرد على تصريحات شيكابالا: قالي أنا عايز اجي الأهلي    النائب العام يلتقي وفدًا من هيئة الادعاء بسلطنة عمان الشقيقة    "الشراكات فى المنظمات غير الحكومية".. جلسة نقاشية ضمن فعاليات مؤتمر جامعة عين شمس    صحة الفيوم تنظم تدريبا لتنمية مهارات العاملين بوحدات النفايات الخطرة    متربى على الغالى.. شاهد رقص الحصان "بطل" على أنغام المزمار البلدي بقنا (فيديو)    حضور جماهيري ضخم في فيلم " وش في وش" بمهرجان جمعية الفيلم    أكرم القصاص: حكومة مدبولي تحملت مرحلة صعبة منها الإصلاح الاقتصادي    غدًا.. جلسة استئناف محامى قاتل نيرة أشرف أمام حنايات طنطا    بمشاركة 500 قيادة تنفيذية لكبريات المؤسسات.. انطلاق قمة "مصر للأفضل" بحضور وزيري المالية والتضامن الاجتماعي ورئيس المتحدة للخدمات الإعلامية    النائب العام يلتقي وفدًا رفيع المستوى من أعضاء هيئة الادعاء بسلطنة عمان الشقيقة    تقديم الخدمة الطبية ل 652 مواطنا خلال قوافل جامعة قناة السويس بقرية "جلبانة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمل فوزي تكتب : أوراق الحق
نشر في الدستور الأصلي يوم 20 - 08 - 2010

بمناسبة الشهر الكريم - رغم أننا لسنا باحتياج لأي مناسبة علي الإطلاق لكي أهديكم واحدة من القصص المدرجة في ملف الظلم والاستهتار بحياة البني آدم المصري الذي تجده إذا ضاع حقه لا يعرف ماذا يفعل ولا يعرف كيف يحصل علي حقه ويعيده من جديد.
كثيراً ما يصادفني مواطنون من فئة المظلومين الباحثين عن حقهم الضائع ودائماً ما يكون القاسم المشترك بين هؤلاء المواطنين المظلومين، الدائرين في دائرة- في أغلب الأحيان - تكون دائرة وهمية للحصول علي حقوقهم - وأعترف أن الصحافة والإعلام أحد هذه الدوائر الوهمية، فقد يتصور بعض المواطنين أن وصولهم لمكتب صحفي أو مذيع ما أنهم قد نالوا حقوقهم أو علي الأقل هم في الطريق إلي نيل حقوقهم، لكن الصورة ليست دائماً وردية أو حتي منطقية، المهم هو أن ما يجمع كل هؤلاء المواطنين الواقعين في دائرة الظلم هو ما يحملونه من حقائب بلاستيكية أو دوسيه بلاستيك محشوراً بالأوراق والمستندات - التي قد تكون كل خطابات الشكاوي التي سبق له وأن أرسلها إلي موظف أو مدير مروراً بالوزراء.. .انتهاء بالشكوي المرسلة للسيد الرئيس، وبمجرد وقوع عيني علي كلمة «رئاسة الجمهورية» أدرك تماماً أننا أمام قصة يائسة وميئوس من حلها وأعلم أن صاحب هذه الشكوي شخص يمارس العبث في بلد احترف العبث فأصبح اللامنطق واللاحق أهم سياساته.
ما أكثرهم المواطنين المظلومين الحاملين أوراق حقوقهم يدورون بها هنا وهناك في محاولات مستميتة لاسترجاع الحق ولكن يظل الورق حبيس حقائبهم البلاستيكية - ولكن غالباً ما تكون دون جدوي - وفي النهاية تظل الأوراق وتضيع الحقوق.
منذ أيام مرت علي واحدة من تلك القصص اليائسة التي أوجعتني، وأصارحكم أن أكثر ما أوجعني ومسني ليست مأساوية القصة نفسها - رغم أن القصة بالفعل مأساة حقيقية - ولكن نظرات الفتاة « شيماء» صاحبة هذه المأساة من وراء نظارتها الطبية السميكة وابتسامتها البريئة وهدوئها في حكي المأساة ودموعها المتحجرة المقاومة للتساقط بفضل كلماتها الساخرة الذكية التي ترددها بين حين وآخر تعليقاً علي قصتها.
شيماء... فتاة قاربت الثلاثين من عمرها، بدأت مأساتها منذ عام 1996، عندما ذهبت إلي أستاذ طب وجراحة العيون بمعهد بحوث أمراض العيون بالجيزة لإجراء عملية مياهاً زرقاء للعينين وتمت العملية بنجاح.
وفي عام 2004 توجهت شيماء إلي عيادة الطبيب في المهندسين وقرر أن هناك مياه بيضاء علي العين اليسري فقط ويجب إجراء عملية عاجلة بالعين اليسري وزرع عدسة وبالفعل قامت شيماء بكل الأشعات والفحوصات اللازمة وقرر الطبيب دخول شيماء المعهد وبعد إجراء العملية وخروج شيماء ودفع تكلفة العملية 2700 جنيه، أحست الفتاة ببعض المضاعفات فذهبت إلي عيادة الطبيب فقرر إعطاءها بعض الأدوية التي لم تجد علي الإطلاق وزادت المضاعفات وحدثت عتامة علي القرنية، واقترح عليها الطبيب أن هناك عملية بالعين اليمني السليمة سوف تغني عن لبس النظارة وهي عملية «ليزر ياج».. وقد أوضح لها أن ا«لليزر ياج» مفيد جداً، لأنه يقوم بتنظيف الكبسولات الموجودة داخل العين المثبت عليها العدسة لإزالة العتامة من علي الكبسولات، وقد خافت الفتاة واعترضت وقالت للطبيب إنها لم تزرع عدسة أساساً ولكنه أوهمها أنه قام بإجراء هذه العملية للعينين في عام 1996 أثناء إجرائه للمياه الزرقاء.وقد أقنعها الطبيب أن هذه العملية ستحسن الإبصار جيداً وستغنيها عن استخدام النظارة، وقد استسلمت الفتاة وسلمت عينيها لثقة الطبيب ولضميره وأثناء جلوسها علي الجهاز المخصص شعرت بآلام مبرحة لدرجة لم تتحملها فإذا بالطبيب يوقف الجهاز ويخرجها من الغرفة ويطلب منها الذهاب إلي المنزل.
ومنذ هذه اللحظة المأساوية.. .تدهورت الرؤية بالعين اليمني وأوهم الطبيب الفتاة أن هذا التدهور طبيعي جداً، لأنه مؤقت ولكن المصيبة أن ذلك التدهور أخذ في الاستمرار والتزايد يوماً بعد يوم حتي كادت شيماء لا تبصر وتدهور نظرها من درجتين إلي إحدي عشرة درجة.
مرت شيماء برحلة عذاب بعد ارتفاع ضغط العين وضغطه علي العصب البصري.وفوجئت الفتاة بعد إجراء العديد من الفحوصات الطبية والسونار أن الطبيب لم يزرع لها عدسة أساسا، أي أن عملية الليزر ياج هذه لم تكن تصلح لها من الأساس، لأنه لا توجد لديها عدسة مزروعة، وأيضا أن عينيها بها عيب خلقي وهو عدم وجود قزحية، أي أن شيماء وقعت ضحية جهل وجشع طبيب مقابل بعض الآلاف القليلة، ولأنه لا يملك شجاعة المواجهة وبعد تردد الفتاة علي عيادته مستاءة أكثر من مرة لأنها ببساطة لا تفهم ماذا حدث لعينيها، ولماذا أصبحت تقريباً فاقدة للبصر، بعد كل هذا العذاب قال لها الطبيب الذي أقسم علي شرف وأمانة وضمير المهنة: «لو عاوزة تقولي إن حصل خطأ طبي.. إنت حرة، لو عاوزة تشتكيني في النقابة.. تبقي غلطانة لأن النقابة دي إحنا اللي بننتخبها عشان تحمينا ومحدش هيعرف يعمل لي حاجة»!!
وبالفعل تقدمت الفتاة لكل الطرق الشرعية البديهية وقدمت شكوي بالنقابة في عام 2007 ولم يفعل أحد أي شيء وقد تم تحويل الفتاة إلي الطب الشرعي ولم يتم الكشف عليها أساساً بأجهزة متخصصة تثبت وجود فتحات يتم تثبيت الكبسولات عليها التي من المفترض زراعة العدسة عليها، بل ولم يتم إعلام الفتاة بتقرير الطب الشرعي حتي تتمكن من مناقشتهم أو الاعتراض عليه أو توضيح بعض الأمور، كله حدث في الخفاء..
في النهاية، وعلي الرغم من كل هذه التفاصيل التي ذكرتها الفتاة بمرارة ويأس رغم ابتسامتها الراضية ، سألتها: طب إنت متوقعة أعمل إيه يا شيماء أو أساعدك إزاي؟
قالت لي بهدوء: أنا بس عاوزة آخذ حقي، بس مش عارفة إزاي.
وهنا أمسكت شيماء بأوراق حقها، كل ورقة، كل مستند، كل غيصال، تقرير الطب الشرعي، تقارير طبية أخري تثبت حقها، وقد أخرجتها لعرضها علي، وعمل نسخة لي، والحقيقة إنني في هذه اللحظة شعرت بغصة ومرارة..
كيف لي أن أساعد هذه الفتاة الرائعة التي أخذت تردد جملاً لم أستطع نسيانها أو إغفالها.
قالت لي: بعد أن كنت أعمل مدرسة للأطفال، أرعاهم وأهتم بهم، لا توجد وظيفة تقبلني الآن، كيف يقبلون موظفة تقريباً لا تري !!
قالت لي: تصدقي إن فيه ناس بتقول لي: هنديك مرتب كل أول شهر، بس ما تجيش الشغل !!! وبذهول كبير دمعت عيناها قائلة: « دي آخرتها.. .أشحت وآخد فلوس ما اشتغلتش بيها.. .تيجي إزاي.. ليه هو أنا كرامتي ضاعت ؟
قالت شيماء وهي تضحك ساخرة بخجل: نسيت أقولك إني جات لي جلطة في قدمي اليسري من شدة حزني وعجزي عن استرداد حقي.
أنا عاوزة حقي.. بس حقي مش أكتر !!
قالتها شيماء وصمت، لأنني لا أعرف كيف يحصل البني آدم علي حقه في هذا البلد الأمين، خطأ طبي صعب إثباته ويصعب إدانة الطبيب، صعب علي الفتاة الوحيدة التي فقدت بصرها ووظيفتها ومستقبلها وفرصتها في حياة طبيعية أن تمشي هذا المشوار الطويل المضني وحدها، صعب عليها أن تحمل حقيبة أوراق حقها الكثيرة وتندفع في طريق المحاكم والدعاوي القضائية التي لا تعرف دهاليزها ولا تقدر علي تكاليفها، كانت محقة الفتاة عندما قالت لي: عاوزة حقي بس مش عارفة أجيبه إزاي؟
قلت لها أنا أيضاً: بصراحة يا شيماء.. أنا أيضاً لا أعرف كيف تحصلين علي حقك وكيف تستردينه؟
بنبرة أعتقد أن شيماء ربما تكون قد شعرت بها نبرة قاسية وخشنة: « خلينا عمليين يا شيماء، لا تتوقعي أنني سأكتب فستحصلين علي حقك، كل ما يهمنا الآن هو أن تقومي بإجراء العملية التي ستنقذ ما تبقي من بصرك وهي عملية زرع القرنية التي قد تصل تكلفتها إلي حوالي عشرين ألف جنيه.
ليس مضموناً علي الإطلاق أن يساعدنا مسئول أو وزير للحصول علي حقك ومعاقبة الطبيب المخطئ ولكن الممكن والمحتمل أن هذا البلد به ناس يرون أن الحياة لا تجدي إلا بمساندة الآخرين وإعانتهم علي الحياة... وربما يوجد من يساعد شيماء أن تستعيد جزءاً من نور عينيها، تستعيد جزءاً من رغبتها وثقتها في أن الحياة بها ما يستحق أن تعيش لأجله هناك من يستطيع أن يحمل مع شيماء أوراق حقها.!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.