تنسيق الثانوية العامة 2024.. تعرف على درجات القبول في جميع المحافظات    وزارة الزراعة: المجازر البيطرية استقبلت 31 ألف أضحية خلال أيام العيد    رسالة ماجستير تناقش رضا العملاء وتطبيقات البنوك: أهم وأكثر التطبيقات الرقمية المستخدمة إنستا باي    حزب الله: استهدفنا بالصواريخ والقذائف مقر قيادة اللواء الشرقى 769 فى كريات شمونة    بينها إيطاليا.. 7 دول أوروبية تدخل مرحلة "العجز المفرط"    المصرى ينعى مشجعتى النادى الأهلى    فيدال: كنت أرغب في الانضمام لقائمة تشيلي بكوبا أمريكا    رابع أيام عيد الأضحى.. استمرار الاحتفالات والمسابقات بمراكز شباب مطروح    العثور على جثة عامل بها آثار نهش كلاب ملقاة ببركة صرف فى مدينة بدر    في رابع أيام عيد الأضحى.. توافد الزوار على بحيرة قارون وغلق شواطئ وادي الريان    فيلم Inside Out 2 يحقق 334 مليون دولار إيرادات خلال 4 أيام عرض    يسرا تعود للمسرح بعد غياب 22 سنة    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    طريقة عمل المخ بالبيض.. وصفات جديدة سهلة التحضير    في اليوم العالمي له.. وزارة الصحة تقدم معلومات عن مرض الأنيميا المنجلية    التحالف الوطنى بالأقصر: استمرار توزيع لحوم الأضاحى على الأسر الأكثر احتياجا    مصر تتسلم أعمال الدورة 67 للجنة المعنية بالفضاء فى الأمم المتحدة    محافظ الجيزة: ذبح 3067 أضحية للمواطنين بالمجازر خلال عيد الأضحى    3 أبراج لديها القدرة على حل المشكلات (تعرف عليهم)    إعلام: صفارات الإنذار تدوى مجددا فى موقع كرم أبو سالم العسكرى جنوب غزة    ذكرى ميلاد الفنان حسن حسني.. 500 عمل فني رصيد «الجوكر»    تعليمات مهمة لحل امتحان مادة اللغة العربية لطلاب الثانوية العامة 2024    دخول 25 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة اليوم    في رابع أيام عيد الأضحى.. جهود مكثفة لرفع مستوى النظافة بشوارع وميادين الشرقية    جولة تفقدية على مخزن الأدوية الاستراتيجي بالريسة ووحدات الرعاية الأولية بالعريش    أكلات هامة لطلاب الثانوية العامة.. لتعزيز الذاكرة والتركيز    بعد واقعة الصفع.. عمرو دياب يتألق ضمن حفلات عيد الأضحى بدبي (صور)    كانسيلو: أشعر بالراحة في برشلونة.. أتمنى أن أستمر مع الفريق الموسم المقبل    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    غياب 4 نجوم عن الأهلي أمام الزمالك وثنائي مهدد    قومي المرأة: العمل على إعداد دليل عن "تمكين المرأة المصرية"    تعرف على خريطة 10 مشروعات نفذتها مصر لحماية الشواطئ من التغيرات المناخية    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج التخطيط والتنمية الزراعية بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    صحة الشرقية تعلن تنظيم قافلة طبية بالفرايحة غدا    محامي الشيبي: كاس أنصفتنا واتحاد الكرة ظلمنا في قضية حسين الشحات    حقيقة القبض على رجل الأعمال شريف حمودة وعلاقة مشروع طربول بالقضية    سعر كيلو السكر في السوق اليوم الأربعاء 19-6-2024    "رياضة الشرقية": مليون مواطن احتفلوا بالعيد في مراكز الشباب    ننشر أسماء الحجاج المتوفين في المستشفيات السعودية    بعثة الحج السياحي: 14300 حاج مصري يقيمون بمنطقة العزيزية    السائرة إلى عرفات.. أسرة صاحبة أشهر صورة في موسم الحج: "تعبت في حياتها وربنا كافأها"    مصرع وإصابة 6 أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين ملاكي في أسيوط    تحرير 8 محاضر لمخالفات تموينية بدسوق    إعلام حوثي: القوات الأمريكية والبريطانية استهدفت المجمع الحكومي في الجبين    عائلات الأسرى الإسرائيليين يحتجون داخل مقر الكنيست    أجر عمرة.. مسجد قباء مقصد ضيوف الرحمن بعد المسجد النبوي    وكالة الأنباء السورية: مقتل ضابط جراء عدوان إسرائيلي على موقعين في القنيطرة ودرعا    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025 للموسم الثاني على التوالي    فعالية «توظيف مصر» برعاية «التحالف الوطنى»    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    عاجل.. مفاجأة صادمة في تقرير حكم مباراة الزمالك والمصري.. «جوميز في ورطة»    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    ناقد فني: أعمال عادل إمام توثق مراحل مهمة في تاريخ مصر    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمل فوزي تكتب :أخرجوا !!!
نشر في الدستور الأصلي يوم 10 - 09 - 2010

إذا أردت أن تعرف درجة تحضر أي مجتمع عليك أن تحدد موقعه أولاً علي خريطة الإنسانية، والإنسانية التي أقصدها هنا لا تنتمي إلي نظرية «الدموع القريبة»، بمعني أن الشخص الذي ينفعل عاطفياً بسرعة هو الشخص الأكثر إنسانية أو أن الشخص الذي يبكي أمام مسلسلات رمضان هو «الشخص الذي تنطبق عليه مواصفات الإنسانية» بأي حال من الأحوال!!
الإنسانية - من وجهة نظري علي الأقل والتي هي غير مفروضة عليك علي الإطلاق - أن نقدر قيمتنا كبني آدمين ونقدر قيمة الآخرين، وأن نعرف ونعي أولاً يعني إيه بني آدم !!!
ولأنني لا أريد أن أواصل هذا المقال بكلام مرسل تشم من خلاله رائحة التشاؤم أو حتي التنظير، لأنه لن يجدي علي الإطلاق، ولكن الهدف الحقيقي مما سأرصده لكم في السطور القادمة هو أن نري أنفسنا جيداً - هذا إن كنا نري أساساً - أو إن كانت لدينا بصيرة.
أعتقد أن أقسي الشعوب وأكثرها ظلماً هي الشعوب التي تغيب إدارتها عن تطبيق الإنسانية أو حتي مراعاتها وتزداد تلك المجتمعات قسوة والويل كل الويل عندما تعيش في مجتمع تدار فيه اللا إنسانية بدرجة عالية لا نحسد عليها من «اللامنطق»!!.
اللامنطق الذي يحكموننا به لسنوات طويلة أكل عقولهم وعقولنا أيضاً وخربها فأصبحوا هم عاجزين عن إعمال الفكر أو حتي الحس، وأصبحنا نحن راضين أو متكيفين ( احسبها كما شئت )... لأننا علي الأقل متوقعون الأسوأ فيأتينا المزيد منه.
اللإنسانية في بلدنا هي التي تقصم ظهر المواطن، تكسره، تهزه، تشككه في قدراته، تفطس عزيمته، تقتل روحه وطموحه ورغبته في العطاء لهذا المجتمع .
كتبت مراراً وتكراراً عن مشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، وهم فئة «بالملايين»، أي أنهم مجتمع آخر داخل مجتمعنا، لا يعدوا هامشيين أو قلة هم غيرمتنكرين أو مختفين عن أعيننا - لكي نميز أن لديهم الكثير من الحقوق التي يستحقونها ،لكننا لا نري... لقد قررنا أن نعمي أبصارنا وبصائرنا عن احتياحات وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة .
كنت أتحدث إلي د/ علاء الدين محمد عبد المتعال وهو مدرس فلسفة متفرغ بكلية الآداب جامعة حلوان، وهو كفيف أيضاً، ولمن لا يعرف جامعة حلوان، فهي شاسعة الاتساع، مبانيها ومدرجاتها علي مساحات متباعدة للغاية تصل إلي عدة كيلومترات، كأنها صحراء وتناثرت فيها المباني، وعن كيفية وصول د. علاء إلي المدرج أو المكان الذي يلقي فيه المحاضرة سألته ففاجأني بهذه المهزلة اللإنسانية اللامنطقية قائلاً: «للأسف منعوا دخول التاكسيات إلي الجامعة منذ عامين، وعندما تقدمت بطلب للاستثناء نظراً لظروفي، فجاءني الرد من أمين عام الجامعة بمنتهي التعاون والود بأنه سيتفضل مشكوراً بتخصيص سيارة لي تقلني من باب الجامعة الرئيسي وحتي مكان المدرج، ولكن المشكلة أن هذا الإجراء إن نفذه الأمين يوماً، لن تصبح عادة ولن يصبح هذا التخصيص قائماً ومستمراً. فما الحل؟
فجاءتني الإجابة أيضاً من المسئولين في الجامعة بأن هناك «ميني باص الجامعة» يمكن استخدامه، لكن المشكلة الأساسية أن هناك ميني باص وحيد هو الذي يخدم كل هذه الأعداد وغير موجود إلا في أوقات محددة، فماذا أفعل عندما آتي إلي الجامعة لمحاضرة في منتصف اليوم؟!!
يقول د. علاء المشكلة ليست شخصية علي الإطلاق لأنني كشخص كفيف يمكن أن أقطع المشوار سيراً علي الأقدام في عز الظهر، المهم أن أجد من يصحبني ونسير معاً، لكن هناك طلاب من ذوي الإعاقة الحركية مثلاً ..ماذا يفعلون إذن ؟
إنني أتحدث عن سبب منطقي لمنع التاكسيات التي يتم تأمين دخولها بأخذ هوية السائق لحين عودته من توصيل الشخص داخل الجامعة ثم الخروج مرة أخري، فما المشكلة أن يسهلوا علي البني آدمين سواء معاقين أو غير معاقين... أليس هذا هو المنطق والإنسانية؟!!
القصة الثانية التي أكدت لي أننا نعيش في مجتمع فقد المنطق هو ما بدأ يحكيه لي مصطفي مهدي ومصطفي شاب مصري يفرح القلب التعيس وما أكثر التعساء الذين يعيشون في هذا الوطن، ولكن هذا الشاب نفسه يحارب ويجاهد من أجل الحفاظ علي تفاؤله وطاقته غير المحدودة وقدراته التي تصنف علي أنها من الهدايا الربانية العظيمة التي يختص الله بها إنسان، ثم يأتي عبد من عباد الله " المفسدين والجاهلين وغير المؤمنين " ليشككوا في قدرة الله عز وجل... آه والله.. ما أكثرهم في مجتمعنا، ناس تفقدك الإيمان بقدراتك وتفقدك التحدي وتواجه إيجابياتك بسلبياتها المريضة، وهذا هو ما يحدث مع مصطفي الشاب الكفيف الذي قررت والدته العظيمة أن يلتحق بمدارس عادية ( غير متخصصة للمكفوفين )، تعاملت معه بنصيحة أسداها لها أحد الأقارب الذي كان يعيش في إنجلترا حين قال للأم ذات يوم: ( لو عاوزة مصطفي يكون راجل... جمدي قلبك ولو تطلب الأمر ادبحي قلبك بسكينة باردة وسيبي ابنك يعيش كأنه مبصر ..علشان يبصر بجد من جواه ).
وقد فعلتها الأم بمنتهي الحب والإرادة والقوة والنضج والحكمة والتضحية، جعلت من مصطفي رجلاً بالفعل يعيش الحياة ويمارسها بشكلها الطبيعي، يعيش مراحل حياته طبيعياً، مصطفي الذي حصل علي ليسانس دراسات إسلامية جامعة الأزهر ويدرس للماجستير في معهد للدراسات الإسلامية ولكن باللغة الإنجليزية، مصطفي الذي يهوي ركوب الخيل ويقود السيارة، مصطفي الذي يعبر طريق النصر وحده، مصطفي مبصر القلب والعقل، لديه تحديات سوية لأي شخص سوي، أن يحصل علي وظيفة مناسبة في مجاله أو في غير مجاله، تقدم للعمل في عدة مدارس وقدم لهم عرضًا كاملاً عن أدواته ومهاراته وكيفية تعامله مع الكمبيوتر وكيفية إدارة الحصة والتعامل مع الطلاب ومتابعة الأبحاث لدرجة أبهرت الكثيرين... والمفاجأة التعيسة أنهم علي الرغم من انبهارهم فإنهم يقدمون الأعذار للشاب وفي الكواليس يكون السبب معروفاً «أصله كفيف».
في حوار ممتع قال لي مصطفي: تصدقي إن جامعة الأزهر لا توجد بها مكتبة صوتية، يعني علشان أطور من نفسي وأعمل أبحاثي لازم «اسحب» عمر سامح معي - صديقي - الذي يستمتع بهذه المهمة الثقيلة ويقول لي دائماً: يا بني أنا مبسوط لأنك تتيح لي الفرصة إني أتعلم حاجة جديدة.. ويواصل مصطفي: هناك أشخاص في الحياة لم ينعم الله عليهم بصديق مثل عمر سامح، ماذا يفعلون لاجتياز دراستهم ومواصلة أبحاثهم..» مش ده معناه برضه إن المسئولين مش شايفين إن فيه كفيف يستحق أن تتوافر له حقوقه البحثية؟
لكن ماذا أقول عن مجتمع غير مؤهل علي الإطلاق للتعامل مع الكفيف، حتي ولوبحسن نية، فمن الأشياء السخيفة التي تواجه الكثيرين من المكفوفين هي أن تعاطف الناس معهم يتم بدرجة عالية من الاقتحام، إذا سار رجل كفيف في الشارع دون أن يطلب مساعدة، فإذا به قد يجد شخصًا أمسك ذراعه دون حتي أن يستأذنه أو يسأله إذا كان يريد المساعدة، وهذا السلوك يعني اقتحامًا يضيق به الكثيرون من المكفوفين الذين يعرفون كيف يديرون حياتهم دون مساعدة أو اعتماد علي الآخرين .
مصطفي الذي يمثل نوراً مفروشاً علي طريقه يفكر كثيراً أن «يمشي» من البلد دي، وعلي حد تعبيره: أنا عارف إني أقدر أعيش زي أي شخص مبصر، لكن بصراحة أنا عايش مش مبسوط في البلد... مش عاوزهم ينجحوا في إنهم يكرهوني فيها»!!!
أقول لكل من يشكك في قدرات مصطفي وألوف غيره، إنكم تقتلون ثروة قومية فمن أدراكم أيها الجهلاء بأنكم قد تكونوا بلامنطقكم القاسي تحرمون مصطفي وآخرين كثيرين جداً غيرهم أن يصبحوا مثل المغني التركي شانتراك الذي حطم الرقم القياسي في قيادة السيارات بسرعة 293 كيلومتراً في الساعة، هذا المواطن التركي الذي أهدي نجاحه إلي بلده وأصدقائه المعاقين، قال لهم: أرجوكم أخرجوا من بيوتكم إلي الشوارع وحطموا قيودكم... بإرادتكم تستطيعون تجاوز إعاقاتكم .
وهنا في مصر... أمثال مصطفي يريدون الخروج من بيوتهم إلي أحضان شوارع بلادهم ومؤسساتها، يريدون البناء في هذا البلد، لكن البلد ( عندها رأي تاني خالص ) فهي تحاول إخفاءهم في جحور الوطن...
أقول لمصطفي وأشباهه الكثيرين... أخرجوا... وأخرجونا معكم !!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.