الحكاية التي سأحكيها لكم فيها موعظة وفيها دراما عالية جداً كما أنها تليق بأيام الرحمة التي نعيشها عرفت صديقتي أن والد إحدي زميلاتها الشابات مريض ومحجوز في مستشفي جامعي كبير، ابنة المريض قليلة الحيلة، مصابة بالذعر، وحيدة.. فقيرة.. صغيرة، أي أنها نموذج لمن يستحق المساعدة، نزلت صديقتي بعد صلاة التراويح واصطحبت ابنها الشاب ربما تحتاج لمساعدته وتوجهت لإنقاذ زميلتها الصغيرة، وصلت بصعوبة إلي الأب قال لها: إن ابنته ذهبت لشراء الدم ولم تعد. طلبت مقابلة الطبيب المناوب، فاستقبلها بمنتهي الترحيب وشرح لها حالة المريض، قال لها إنه ينزف من القولون ويحتاج دماً الآن وفصيلته غير متوفرة في بنك الدم التابع للمستشفي، وأضاف أن مريضاً آخر في السرير المجاور يحتاج دماً هو الآخر من نفس الفصيلة، وأنه وحيد تماماً جاء من بلده بني سويف وحده، وأنها يحاول أن يوفر دماً للاثنين معاً، اتصلت صديقتي بزميلتها الشابة فعرفت أنه استطاعت شراء كيس دم لأبيها وأنها قادمة في الطريق، فاقترحت علي الطبيب أن تحاول هي شراء الدم للمريض الثاني، فاندفع الطبيب تجاه الثلاجة وسلمها عينة دم المريض الثاني وكتب لها الطلب، فأخذت العينة ونزلت لابنها الذي كان ينتظرها بسيارته أمام المستشفي، وطلبت منه التوجه إلي أقرب بنك دم، فوجدت الفصيلة واشترت الكيسين المطلوبين وعادت لتسلمهما للطبيب، قبل أن تعود زميلتها التي اشترت كيس الدم لأبيها. سعادة الطبيب بتسلمه كيسي الدم جعلته يصافح صديقتي بحرارة، ويقول لها: «أنا مش مصدق نفسي، أنا اتشرفت بمقابلة حضرتك». بادلته نفس الشعور، قالت بمنتهي الصدق: «الحقيقة أنا اللي اتشرفت بمعرفتك». كانت تعنيها تماما. اتصلت بي لتحكي ( عمري ما تخيلت إن ممكن دكتور شاب بيشتغل في ظروف صعبة كده يكون مهتم بمريض فقير وحيد للدرجة دي، ولا تخيلت إني ممكن أساعد حد غريب ما اعرفش حتي اسمه ولا شكله بالسهولة دي ). قالت أيضا ( أنا حاسة إن ربنا كان عايزني أساعد الراجل ده، وأنا فاكرة إني نازلة أساعد زميلتي ). وقالت: «إزاي الدم ناقص في البلد للدرجة دي وإحنا مش حاسين، وإيه السبب؟ هي الناس بطلت تتبرع بالدم؟ إنتوا ليه مش بتكتبوا الكلام ده ؟». قلت لها: «الدكتور نبيل فاروق كاتب في الدستور أمس الأول -الخميس -عن الدم» قالت: «حتي لو كنت قرأت المقال.. التجربة حاجة تانية». ثم أخذت تردد همساً: «ياه.. ربنا كبير.. الواحد مش حاسس باللي بيحصل في الدنيا.. كأننا عايشين في دنيا تانية».