تناولنا في مقالين سابقين ما اعتبرناه «ميراث» الرجل الذي قادته الظروف ليقود بدوره شركة من أكبر الشركات التي اعتنت ببناء العقارات والفلل وتجارة الأراضي وهي «الرحاب»، وإشارتنا لكون ما نطرحه ميراثًا وصل إليه أردنا بها التخفيف علي الرجل وتناول الموضوع برفق وموضوعية، وقدرنا بالتأكيد طهارة الراحل المؤسس طلعت مصطفي باعتباره يتمتع بكونه رجل أعمال عصاميًا، لكن يبدو أن الوارث يدير الميراث بطريقة ودن من طين وأخري من عجين، كأنه أكبر من أن يحاسبه أصحاب الفضل فيما وصل إليه من عز وفخفخة وهم السكان الذين قطنوا تلك العقارات والشقق وتملكوها بقوت أيديهم وعرق جبينهم، فبقي علي صمته ولا أريد أن أظلمه بقولي علي «كبره» فالكبر كما قال المصطفي «بطر الحق وغمط الناس»، لكننا بالتأكيد لن نتوقف عن نقل رسائل هؤلاء المواطنين فقد علمنا من سبقونا أنه لا يضيع حق وراءه مطالب. وما القضية التي شغلت الرأي العام كثيرًا وأودت بشخصية مرموقة من الشخصيات التي كانت تمثل خطوط تماس كثيرة اقتصادية وسياسية وبرلمانية بحجم وقيمة هشام طلعت مصطفي أن يقف داخل قفص الاتهام بما لا يتناسب مع ذلك الاسم أو تلك القيمة، ذلك درس في حد ذاته يكفي لأن يستوعبه كل من تداعبهم تطلعاتهم للصعود في عالم المال والسياسة، وهو درس أيضًا لمن جلس في مقعد الرجل الأسير حتي يفصل الله في أمره، والحقيقة أنني في كل مراحلها سواء قبل الإعلان عنها رسميًا أو مع كل التفصيلات التي تلاحقت وصولاً إلي قرار المحكمة التي تنظرها بحظر نشر وقائع المحاكمة اخترت الوقوف علي الحياد وتمتمت كثيرًا أقيلوا عثرة أخيكم، لم أكن يومًا من الشامتين في أحد معاذ الله، ولم أشأ أن أتطرق لمسائل خاصة في الحياة الشخصية لأي مسئول نقابي أو سياسي أو برلماني، فالحياة الخاصة هي ملك لأصحابها لا شأن للعامة بها، وعلينا أن نقدر إسهاماتهم العامة، وعلي قدر ما تجاوز معي آخرون وقعوا في عرضي وسمعتي وكرامتي لم أشأ أبدًا أن أنهج ذات النهج معهم مع قدرتي وإتاحة الفرصة أمامي لسلوك ذات النهج، وقد رأينا جولات من الحرب القذرة التي دارت بين رجال أعمال وآخرين ورأينا وسمعنا غوصًا عميقًا في بحر الحياة الخاصة لمشاهير وشخصيات عامة كنت أقف أمامها فاغرا فاهي ألمًا من هول ما رأيت من تخطي للخطوط الحمراء في حياة الناس. لكن المعلومات التي تناهت إلي علمي تفوق حد السكوت أو مجرد مصمصة شفاهنا، فقد دخلنا عالم آخر غير عالم البزنس ورجال الأعمال فذلك عالم له تقدير مهما بدت علامات الاستغراب والدهشة من حجم الأموال التي جناها بعضهم في وقت قياسي!! هكذا بلغتني تفاصيل قضية من أهم قضايا الفساد في عمليات بيع وشراء الأراضي، فأهم ما كشفته جريمة قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم هو رائحة الفساد الذي استشري في عضد السلطة في مصر، وكشفت عن صرا عات البزنس والتسابق علي حصول آحاد الناس علي أراضي الشعب المصري.. كشفت الجريمة عن حالة إحباط في هذا المجتمع الذي يحاول الناس أن يعيشوا فقط لا أن يترفوا في حياتهم. غرقت سوزان تميم في دمائها، وغرقنا نحن في معرفة من الذي أعطي أرض مدينتي لهشام طلعت بكل هذه التسهيلات التي تصل إلي حد مجانية الأرض بالكامل.. غرقنا في معرفة أشكال وألوان جديدة من الفساد.. ورغم الإعلان عن تفاصيل صفقة أرض مدينتي فإن مجلس الشعب مازال غائبًا عن أكبر عملية استيلاء علي أرض هذا الشعب. ذكر لي صديقي محمد هاشم المحامي والعهدة علي الراوي أن وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة خصصت مساحة من الأراضي في مدينة القاهرةالجديدة تبلغ مساحتها ثمانية آلاف فدان تعادل 3360000 متر مربع ثلاثة وثلاثين مليون متر مربع بمدينة القاهرةالجديدة لصالح الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني من أجل إنشاء مشروع للإسكان الحر(مشروع مدينتي)، والغريب العجيب في الأمر أن مقابل ثمن هذا البيع مقابل عيني يتمثل في 7% من القيمة الإجمالية من كل مرحلة يتم الانتهاء من بنائها بنفس شروط ومواصفات ما تم بناؤه!! إلا أنه حتي هذه النسبة رغم ضحالتها لم تقم الشركة بسدادها للدولة مما يعني أن الأرض (بالمجان)!! إضافة إلي هدية متواضعة من الدولة تتمثل في توصيل المرافق بالمجان!! وبالطبع تم هذا البيع المعيب دون اتخاذ الإجراءات القانونية الصحيحة فلم تك هناك مزايدة ولا مناقصة ولا قرعة علنية ولا يحزنون بل دون الإعلان عن هذا البيع بالصحف المعتادة، يعني تم البيع بالأمر المباشر من وزير الإسكان الذي اعتاد تسقيع الأراضي لرجال الأعمال في الوقت الذي تجري فيه القرعة العلنية لعشرات الألوف من شباب شعبنا المغلوب. لم يكن هذا البيع المجاني إن جاز التعبير هو الوحيد الذي يعبر عن سطوة بزنس اللصوصية ونهب أموال الشعب، وإنما أطل الفساد ليطل برأسه من جديد وعلي أرض من أراضي الدولة في البحر الأحمر حيث حصلت شركة " داماك" الإماراتية علي مساحة 30 مليون متر في أجمل الشواطئ المصرية في مدينة الغردقة وكان الثمن يا ولداه هو دولار واحد فقط لسعر المتر!! والجهة التي أبرمت هذا البيع هي هيئة التنمية السياحية.. والطريف أن هذا البيع جاء بوعد وموافقة شفهية من معالي رئيس الوزراء أحمد نظيف في إحدي زياراته لدولة الإمارات العربية، بعد أن تم إلغاء نظام التخصيص والعمل بالمزايدة فقط، إلا أن حكومتنا السنية خالفت النظام العام وقامت بتخصيص هذه المساحة ل «داماك» ورغم كل هذه المعلومات الموثقة فلم يزل البعض يؤكد عدم وجود العقد في هيئة التنمية السياحية وأن شركة «داماك» لم تقم بإنشاء المشروع!! كل هذه المشروعات ذات الأرقام الخيالية تفريط في أراضي الدولة لكبار رجال الأعمال أو الشركات الأجنبية أو المحلية في الوقت الذي لا يجد الشباب فيه قطعة أرض للبناء عليها ويكلمونا بدم بارد عن خطتهم في دعم الفقراء والشباب وشعار سخيف يخدعون به البسطاء من أجلك أنت؟!