«إذا لم يكن للحياة معني فلم لا نخلق لها معني؟!» قالها كاتبنا العظيم نجيب محفوظ من خلال روايته «السكرية » ذاكرا أيضا: «ربما كان من الخطأ أن نبحث في هذه الدنيا عن معني، بينما أن مهمتنا الأولي أن نخلق هذا المعني..» نعم علينا مسئولية وواجب خلق وإيجاد معني، بل أكثر من معني لحياتنا». «لنا حياة وليس لنا غيرها، وإذا لم نضطرب بالحب فمتي نصنع ذلك؟» يذكرنا وينبهنا بذلك الشاعر أنسي الحاج ثم يضيف: «لنا حب وليس لنا غيره، إذا احتقرناه فأين نصنع مجدنا؟» والدعوة مفتوحة للجميع. إذن لا يوجد أي مبرر لغيابك عن المشاركة. أما الكاتبة الأمريكية أليس ووكر فقد كانت صريحة وصادقة عندما كتبت: «إنني حاولت أن أعلم القلب وأدربه كيف لا يريد الأشياء التي لا يستطيع الحصول عليها». إنها دائما المحاولة. وطبعا شرف المحاولة بالتأكيد جدير بالتقدير والاحترام.. والتكرار أيضا. كما أن «الحكاية لا تكتمل بروايتها وإنما يكملها من يسمعها» ذكرها الكاتب بهاء طاهر، لعلنا ننتبه أن متعة السرد والحكي تكملها متعة السمع، ف «كلي آذان صاغية » خاصة إذا كانت الحكاية شيقة وممتعة. واحكي يا.. وأوعي تقول إنك تعبت أوزهقت.. هكذا هلَّ العام الجديد بعد أن وصل العام القديم إلي نهايته.. وبالطبع العام المنصرم أو المنصرف أو «اللي كان» له ماله وعليه ما عليه وقد نراه بشكل عام أنه كان عاما طيبا و«لكن» وقد نصفه بأنه كان عاما «مش ولا بد» ونقول برضه.. «ولكن» ذلك ال «لكن» إياه ولا أقصد اللفظ، بل النفسية والموقف الذي يخرجنا دائما من مأزق التعميم والتسليم أو الاستسلام لمنطق الأمر الواقع والتعبير القاسي إياه «خلاص بقه يعني حنعمل ايه؟». إن «لكن» ( وممكن نشدد علي الكاف أو نلحن لكن زي ما إحنا عايزين) كتعبير وتوصيف وموقف واستثناء يعتبر «طوق نجاة» أو «تخريجة» أو «تفريعة» من الشارع الرئيسي الذي غالبا لا يرحم ويجرفنا مع مرور الأيام وقسوة الأحكام. يعني ببساطة كما يقول عم حسين (الشهير): ماتقولش إن الدنيا اسودت خلاص.. وأكيد حتفرج!! وقد اعتاد البشر خلق الله في المجتمعات المختلفة أن يستقبل العام الجديد باحتفالات تفاؤلا وأملا بدوام ما هو طيب وزوال ما هو غير طيب (أوفلنقل شر). كما ينظر لبدء العام الجديد علي أنه فرصة ودعوة لمحاسبة النفس أو تحديد أهداف جديدة «يعني عايز أو ناوي تعمل إيه؟ وده فرصتك لبدء صفحة جديدة بهمة ونشاط » كما يذكرنا سعيد في الإيميل السنوي المعتاد في نهاية شهر ديسمبر. بالمناسبة يوجد توجه آخر (وطبعا إحنا بنموت في التوجهات والأفكار الجديدة ربنا يزيد ويبارك) ينصح أو يقول بأن تقوم بإعداد قائمة بأشياء لا تريد أن تفعلها (نعم لا تريد أن تفعلها) خاصة أن هذه القائمة سوف تكون أقل طولا من قائمة أشياء تريد أن تفعلها كما تقول صديقتنا سمر وتضيف » أن إزاحة أو إزالة الأشياء التي لا تريد أن تفعلها قد تكون أكثر يسرا وسهولة و«تخففك من هموم الدنيا منغصاتها اللي انت شايلها فوق أكتافك» يعني «خف من أحمال سفينتك عشان تعرف تبحر أحسن وأسلم» إن سحب أو إزالة أو إطاحة المنغصات والمطبات والعكننة و«الزن عالودان» من طريقنا في الحياة تجعل الرؤية أمامك أكثر وضوحا وتركيزك سيزداد حدة وطبعا خطواتك ستصبح أكثر ثقة. ومين عارف يمكن الدنيا الشابة لما تشوف رشاقة خطوتك تعبدك (علي رأي المبدع صلاح جاهين) وعالعموم إمش عدل يحتار عدوك فيك ( علي رأي العزيز ابن البلد) وسواء كنا في نهاية عام أو بداية عام فالمهم ألا نفقد الدهشة.. وألا نفقد القدرة أو الرغبة في أن نندهش. «ما أريده من قارئ قصصي هكذا تقول الكاتبة الكندية أليس مونرو هو أن يشعر بأن هناك شيئًا ما يدهش ويبهر.. وأن هذا الأمر المدهش والمبهر ليس ما حدث، بل كيف حدث؟ وكيف يحدث كل شيء في الحياة؟». أليس مونرو الذي أصدرت أخيرا مجموعة قصصية باسم «المزيد من السعادة» تعد في رأي الكثير من النقاد أنها أحسن من تكتب القصة القصيرة باللغة الإنجليزية في الوقت الحالي. وأنها «تشيكوف» العصر الحالي والأدب المكتوب بالإنجليزية. مونرو من مواليد 1931 (تبلغ من العمر ال 78 عاما) وقد بدأت تكتب وتنشر وتلفت الانتباه منذ أن كانت في ال 18 من عمرها. ورغم مرور السنوات فإن أليس مونرو كامرأة وكزوجة (تزوجت مرتين) وكأم (لثلاث بنات) وكاتبة متميزة حصلت علي أرفع الجوائز الأدبية لم تفقد بعد الدهشة والقدرة علي الحكي المدهش وأن تري ما هو غير عادي في حياة البشر العاديين وتكتب عنهم وعن حياتهم..عن حياتنا. مونرو تقول إن الذاكرة هي الطريقة التي نروي بها لأنفسنا قصصنا. وأيضا أن نروي قصصنا للآخرين بصيغة مختلفة إلي حد ما... وأن ليس باستطاعتنا أن ندير حياتنا ونسير فيها بدون هذا السرد المستمر. أليس مونرو منذ أسابيع كانت في نيويورك تتحدث عن تجربتها الإبداعية فقالت: «إنني عندما أكون في المراحل الأولي لكتابة قصة قد أجلس أمام النافذة وأتأمل ما يحدث في الخارج لمدة أسبوع دون أن أكتب كلمة واحدة.. إنني أفعل ذلك لكي «ترسي الأمور في دماغي». هكذا يجب أن نفعل نحن أيضا حتي لو لم نكتب قصة أو ليست لنا نافذة أو ليس لدينا أسبوع كامل (ممكن دقائق أو ساعات) لتأمل حالنا. إنها القدرة علي التأمل والرغبة في فهم اللحظة وهضمها. والأهم أن تستمتع بما يحدث حولك وبداخلك. وأن تهدئ من روعك ولهثك وقلقك وانزعاجك. نعم علينا أن نحاول.. و«قل إنك حاولت» أو «كان لك شرف المحاولة». «ويكفي طاووسي العزيز شرف المحاولة» هكذا قال الكاتب العزيز بهاء طاهر وهو يتحدث عن مجموعته القصصية الأخيرة وقصته المسماة » «لم أعرف أن الطواويس تطير». وذكر » هذه هي الفكرة، التشبث بالحياة والأمل في الإفلات من سجن العمر.. وليس الطاووس وحده الذي يريد الإفلات عن طريق الحب، بل يتماهي معه الراوي في محاولة الإفلات من سجن العمر..» بهاء طاهر بهذا الكتاب يعود إلي فن القصة بعد أحد عشر عاما علي صدور مجموعته القصصية الأخيرة «بالأمس حلمت بك». بهاء طاهر أيضا لم يفقد بعد الدهشة والرغبة في الإقبال علي الدنيا وبشرها، وطبعا لديه قدرته علي سرد كل هذا ببساطة تأسر أعماق النفوس. ولذلك لم ولن نفقد اندهاشنا وانبهارنا بكتاباته وقصصه ورواياته، وهو الذي يجمع ويمزج ويخلط ويضفر بين البساطة والثراء وبين الحزن والأمل وبين التصادم مع ما يدور من حولك والتصالح بما يحدث بداخلك. وطبعا عليك أن تقرأ رواياته وقصصه.. «ووقتها حتعرف أن بهاء طاهر كل هذا وأكثر». وألف تحية له لقيامه بإثراء حياتنا بكلمته ونظرته ودهشته. ولد كاتبنا الكبير عام 1935 وصدرت له حتي الآن ست روايات منها «واحة الغروب» و«خالتي صفية والدير» و«الحب في المنفي». كما صدرت له أربع مجموعات قصصية أولها «الخطوبة» عام 1972، عندئذ وصفه يوسف إدريس بأنه «كاتب لا يستعير أصابع غيره». ويعرف عشاق بهاء طاهر ومريدويه أنه ليس أبدا في حاجة إلي استعارة أشياء أو أي شيء من الآخرين؛ فكاتبنا العزيز له كلمته وبصمته وصوته المميز وصداه الخاص به. وإذا افترضنا أن الإحساس بتقدم السنين واستحالة العودة إلي الماضي هو المصير الحتمي لنا (أو هكذا بيزنوا علي وداننا) فإن الحل الوحيد كما يقول بهاء طاهر جاء علي لسان بطلة قصة «الجارة» التي تقول فيه إن كل يوم جديد هو هدية ينبغي أن يتقبلها الإنسان ويفرح بها، بل يعيشها بكل عمق، غير أن تلك الهدايا متاحة لكل البشر طوال الوقت والمهم الاستفادة منها والاستمتاع بها، وهكذا يكون الإنسان قد عاش 1000 عام. تقول السيدة سوروندون بويل «الجارة» وهي ترفض العملية الجراحية والابتعاد عن بيتها ومكانها المفضل: «ما أهمية أن أعيش مائة عام علي هذا السرير أو علي سرير مثله في أي مكان؟ هل يساوي هذا نهارا من نزهة في حديقة وسط خضرة الأشجار وجمال الأزهار؟ هل يساوي وقفة ساعة علي شاطئ البحر؟ هذا يا صديقي هو الألف عام الحقيقي؛ أن نفرح بكل دقيقة في هذه الدنيا قبل أن نودعها. وأكيد الرسالة وصلت.. المهم أن نعرف وندرك قيمة ومعني هذه الدقيقة؛ إنها «نعمة» وطبعا كل الشكر لمن وهبها لنا.. إننا في بداية عام ومن المعتاد والمنتظر أن نلتفت حولنا.. لنعرف ماذا حدث لنا في العام الماضي؟ وأيضا «نفسنا نعمل إيه في السنة الجديدة؟» وبالتالي نحتفي ونتذكر أناسًا قابلناهم.. وأناسًا سابونا لوحدنا ومشيوا وطبعا هناك لحظات نتمني تكرارها ياريت ولحظات أخري «نفسنا نكسر القلة وراها» وطبعا دايما فيه بكره دايما فيه لفتة حلوة تساوي الدنيا كلها وأيضا نظرة دافئة تختفي معاها برودة الوحدة وفيه لمسة حنان تزول بها آلام الأيام واضحك فالحياة مش بس الصورة حتطلع حلوة عالعموم جرب وأنت مش خسران حاجة وده حالنا وحال دنيانا كلمة تجر كلمة ويوم يسحب يوم وسنة تشد وراها سنة وإحنا معاهم نمشي ونجري ونعوم ونغطس ونهلل ونشكو ونغني ونرقص ونعيش ونحيا عالعموم حنشوف آخرتها إيه؟ وكل سنة جديدة وإحنا كلنا بخير