أستطيع أن أزعم أنه لا يوجد شخص في مصر سواء كان رجلا أو امرأة، شابا أو طفلا شاهد علي شاشات التليفزيون أو قرأ مأساة مصرع سبعة شباب مصريين تحت العقار المنهار بالدرب الأحمر زعم أنه كان من الصعب علي الجميع أن يغط في النوم في تلك الليلة السوداء إلا وبه غصة انتابته جراء هذا الحادث المؤلم الشنيع... الغلابة في مصر هم الذين يدفعون ثمن فقرهم وللأسف يدفعون ثمن جشع الآخرين وأيضا يدفعون ثمن إهمال المسئولين. إن حادث انهيار عقار الدرب الأحمر والذي راح ضحيته سبعة شباب مصريين وإصابة آخرين للأسف أثناء نومهم يؤكد بلا شك أن الغلابة هم الذين يدفعون الثمن في كل دقيقة، هؤلاء الشباب هم شباب قادمون من إحدي قري الفيوم، تلك المحافظة التي اشتهرت بأنها من أكثر المحافظات فقرا، هؤلاء الشباب نزحوا إلي القاهرة للبحث عن لقمة العيش وجمع المال ليس من أجل شراء الأراضي أو الحيوانات الزراعية أو الذهاب إلي الفسحة حتي لو في جمصة. هؤلاء الشباب والأطفال كانوا يجمعون المال لسد الأفواه الجائعة في أسراهم. تخيلوا معي شبابًا في عمر الزهور بعضهم للأسف الشديد طلبة جامعيون والبعض الآخر أطفال جاءوا إلي القاهرة ليس للفسحة ولا مشاهدة أضوائها المنيرة ولا شوارعها الصاخبة ولا ميادينها الشهيرة، بل جاءوا بحثا عن لقمة العيش آملين أن يخرجوا من القاهرة ذاهبين إلي أسراهم حاملين تلك اللقمة وخيالهم لم يوصلهم إلي أنهم جاءوا إلي عالم الإهمال والسرقة. هؤلاء الغلابة سكنوا في مكان غير آدمي كان صاحبه يقوم بتأجيره كزرائب لتربية المواشي وبعد مشاكل مع الجيران حول هذه الزرائب إلي منازل كما هي مشققة الجدران، كل الذي فعله صاحب هذا العقار أنه قام ببناء سقف خرساني علي الحجرات وقام بتأجيرها للعمال الغلابة الراغبين في البحث عن حياة كريمة بعد أن قسم أرض العقار إلي عدة حجرات مساحة كل واحدة منها لا تتجاوز الأربعة أمتار ويقوم بتأجير كل واحدة منها بمبلغ 200 جنيه شهريا يتم تقسيمه علي شاغلي الحجرة ومن الغريب والطريف أن الرجل ذا القلب الرحيم كان لا يشترط حدًا أقصي لقاطني الغرف. تخيلوا معنا منزلا متهدما صادرًا له قرار إزالة من سنة 1993 أي ما يقرب من 17 عاما ومع ذلك صاحبه الجشع يسكنه جهارا نهارا بدون أن يفكر أحد في الحي بالدرب الأحمر أن ينظر إلي هذا المبني ومدي سلامته ويأمر بإزالته. لا نعرف بالضبط السبب الذي جعل المسئولين بالدرب الأحمر يتركون هذا المنزل بهذا المنظر ولكن في النهاية خرجت رائحة الموت وأصوات وعويل وبكاء الغلابة لتفضح الجميع.. الفقر والحي والدولة والمجتمع الأهلي ورجال الأعمال وكل من يعلم أو لا يعلم أن هناك بني آدمين من مصر يعيشون في أماكن عاش بها المواشي كزرائب. إن ما نشرته الصحف عن حكاوي الغلابة الذين انهار العقار فوقهم وهم نائمون تدمع العين وتكسر القلب ولابد من المطالبة بالقصاص من الجميع وحتي يمكن لنا ألا ننتظر مأساة أخري علينا أن نبلغ أن في باب الخلق ورش حدادة كثيرة مقامة داخل منازل أشبه بذلك العقار صاحب الكارثة وعلي من يهمه الأمر أن يذهب إلي باب الخلق ليشاهد تلك الورش والمنازل التي يسكنها الكثيرون ويعمل بها المئات من غلابة الصعيد أطفالا وشبابا. عليهم أن يذهبوا إلي هناك ليروا حجم الكارثة ونحاول أن نوقف هذه المهازل والدولة مسئولة عما حدث ممثلة في أحيائها المحلية وعلي الجميع أن يدفع ثمن دم هؤلاء الغلابة.. كل الموظفين المسئولين عن متابعة العقارات التي تم إصدار قرار إزالة لها في تلك المنطقة وغيرها لابد أن يحاسب ونعلن عن المحاسبة للجميع حتي نتمكن من وقف هذا النزيف. ومن الغريب أن التحقيقات الأولية أثبتت أن صاحب العقار المنهار قام بإزالة ثلاثة طوابق من العقار وتسكنها ثماني أسر وتمكنت محافظة القاهرة من توفير مساكن بديلة لهم إلا الرجل الجشع احتفظ بالدور الأرضي في غفلة وإهمال وربما رشوة لمسئولي الحي وأجرها كزرائب في 2004 ثم تبعها بالتأجير للشباب القادم من المحافظات الفقيرة بحثا عن لقمة العيش. ما حدث من انهيار عقار الدرب الأحمر ومصرع هؤلاء الشباب لابد أن نصارح أنفسنا ونؤكد أن دم هؤلاء في رقابنا جميعا حكومة وشعبا وعلي الجميع أن يتحمل المسئولية في ذلك وبما أننا أصابنا الملل من مطالبة الحكومة بالعمل علي وقف هذا النزيف فعلينا أن نطالب الجمعيات الأهلية والمجتمع الأهلي بالتحرك لوقف هذه الكوارث.