مِنْ سينتصر؟ مِنْ المفروض أن يقول نظام مبارك «وداعاً» علي حد تعبير مجلة الإيكونوميست في مقال عن التغيير في العالم العرب المقال اهتم بالتغيير في مصر والسعودية باعتبارهما أهم دولتين بالنسبة للغرب في المنطقة. أهمية السعودية في البترول ومصر في الأمن... هما حليفان للغرب ومن المهم (حسب المجلة) أن يشجع الغرب تطوير النظام السياسي في القاهرة والرياض علي التطور والتحرير الاقتصادي والسياسي لكي يتحولا إلي أماكن للأمل لا للخوف. هذه وجهة نظر تتعامل بحذر قليلا علي انتظار التغيير عبر النهايات البيولوجية..لا السياسية..لماذا ينتظر بلد كامل القدر لكي يحدث التغيير؟ سؤال لم يشغل المجلة، لكنه يشغل مصر التي تبدو في أزمة جديدة عليها إلي حد كبير. مبارك ورث من الأنظمة السابقة عليه الاستبداد، وفقط، لم يرث كاريزما عبد الناصر أو السادات، ولا وعي كل منهما علي طريقته بالدور الحيوي لمصر في الإقليم والعالم، لكنه فعل ما لم يفعله أسلافه جميعاً، أو لم تتح لهم فرصة القيام به. مبارك وجد الفرصة تحت مقعده، أرضاً محتلة تعود، ورغبات دولية في تحويل دور مصر من قائدة الثورة والتمرد علي النظام العالمي إلي «مسمار» في ماكينة الدفاع عن النظام العالمي ذاته.. وهو تحول مدفوع الثمن، تتحول مصر فيه إلي سوق أو محطة من محطات السوق العالمية. هذه التحولات أدارها مبارك بعقلية الموظف الذي لا يعترض علي الأوامر، لكنه ينفذها بمزاجه أو حسب طريقة تضمن مصلحته. تفككت قبضة الدولة علي الثروة بعد ضغوط المؤسسات المالية الدولية لكن إلي مجموعات من أهل الثقة اختارتهم الدولة ليلعبوا دور «رجال الأعمال»، وزعت عليهم حصص الاستفادة من الطفرات المالية، واحتفظت بنسبتها ونصيبها وملكيتها للثروة معنوياً. لم تتكون شرائح رأسمالية، لكن مجموعات من المستفيدين من عطايا ولي النعم (الدولة)، والثروات كلها تقريباً تحت وصاية الدولة التي تعرف متي تسمح ومتي تمنع؟. هكذا تطورت أشكال كثيرة من الحياة في مصر، وتغيرت أوضاع الخدمات، واتسعت العين إلي درجة مدهشة، لكن مازالت الأطر التي تتحكم فيها الدولة قديمة، استبداد ورعاية غير مباشرة للفساد، وعدم انتباه إلي أن غياب العدالة سيصنع أزمة كبيرة في مجتمع يري الناس فيه ثمار نمو اقتصادي تذهب إلي أرصدة مجموعات قليلة من المحظوظين والشطار. هذه هي طبيعة الأزمة الجديدة، مجتمع اتسعت عينه لتري التنوع في السلع والتعدد في الآراء، لكن المسموح أمامها استهلاك البضائع في السوبر ماركت. طرق الصعود المالي والاجتماعي مغلقة إلا علي حفنة الشطار ومن حولهم، وفرص التعبير السياسي محاصرة بكتائب الأمن المركزي وترسانات القوانين المقيدة للحريات والمانعة لتداول السلطة. هنا يبدو التطور الذي حدث في عصر مبارك خرافة لا يشعر بها إلا مصاصو الدماء. هل سينتصر مصاصو الدماء في النهاية، أم للتغيير قانون أقوي ينتقل فيه المجتمع إلي فاعلية أكبر من مجرد لعن القدر أو انتظار قرار ملاك الموت، أو الصراخ خوفاً أو ذعراً من مصاصي الدماء؟! سنري.