تصاعدت أحداث العنف فى مدينة فيرجسون بولاية ميسورى الأمريكية على إثر قتل الشرطة شابا أمريكيا من أصول إفريقية، جاء مصرع الشاب بست رصاصات من البوليس بعد أن اتهمه صاحب متجر بسرقة علبة سيجار. التفاصيل ليست مهمة كثيرًا، الأهم أن مقتل الشاب تشوبه شبهات عرقية، فقد قُتل بسبب لون بشرته الأسمر، وهو ما اعتقده سكان المدينة من أصول إفريقية فخرجوا فى مسيرات ومظاهرات سلمية احتجاجا على قتل مايكل براون. واجه البوليس المسيرات والمظاهرات بقنابل الغاز المسيل للدموع، ومع زيادة حدة المظاهرات قرر حاكم الولاية فرض حظر تجوال والاستعانة بقوات من البوليس الوطنى. المشهد فى فيرجسون كان كافيا لأن تستقبل الإدارة الأمريكية نصائح بضبط النفس والسماح بحرية التعبير والتظاهر السلمى، وقد جاءت المبادرة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، الذى طلب من الإدارة الأمريكية احترام حرية التعبير وحق التظاهر السلمى. وفى تقديرى أن ما جرى ويجرى فى فيرجسون بولاية ميسورى قدم ردا عمليا على البيانات الأمريكية التى لم تنقطع تجاه عدد كبير من دول العالم تطالبها واشنطن باحترام حقوق الإنسان والسماح بحرية التعبير عن الرأى والقبول بحق التظاهر السلمى وغيرها من المطالب التى ترد فى بيانات المتحدثين باسم الخارجية والبيت الأبيض، ناهيك بعشرات المسؤولين الذين يخرجون ليل نهار لتوجيه النصائح لحكومات الدول الأخرى. ما حدث فى ميسورى كان مناسبة ملائمة للغاية لأن ترد بعض الحكومات الصاع صاعين لواشنطن وتلفت انتباهها إلى ضرورة احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير وحق التظاهر السلمى على أراضيها قبل أن تسأل غيرها من الدول. كانت مناسبة ملائمة تماما لدولة مثل مصر التى عانت ولا تزال تعانى من الغطرسة الأمريكية الشديدة والانحياز إلى تنظيم إرهابى وعصابات من المجرمين والقتلة ممثلة فى جماعة الإخوان ومن معها، فواشنطن لم تتوقف عن إصدار البيانات والتصريحات التى تنتقد فيها أجهزة الدولة المصرية المختلفة، وعلى رأسها جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية المصرية وتتهمها بالإفراط فى استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين، وهى اتهامات كاذبة تماما، فلا الشرطة أفرطت فى استخدام القوة ولا المتظاهرون سلميون، بل مسلحون بكل أنواع الأسلحة، من هنا جاء بيان الخارجية المصرية الذى طالب واشنطن باحترام حرية التعبير وحق التظاهر السلمى، مشددًا على أن القاهرة تتابع عن كثب ما يجرى على الأرض فى مدينة فيرجسون بولاية ميسورى، وبادرت الشرطة المصرية بتقديم نصائحها إلى نظيرتها الأمريكية فى كيفية التعامل مع التظاهرات السلمية. طبعا بيان الخارجية وتعليق الداخلية له علاقة مباشرة بحال العلاقات المصرية - الأمريكية التى يشوبها التوتر بشكل عام، ولها علاقة بموقف واشنطن من ثورة الثلاثين من يونيو ورعايتها لجماعة الإخوان، ومن ثم البيانات المتتالية التى تصدر من هناك بشكل شبه يومى تعليقا على الأحداث فى بلادنا، والتى تحمل اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وحق التظاهر السلمى وحرية التعبير عن الرأى. فى تقديرى أن بيان الخارجية وتعليق الداخلية كانا موفقين للغاية وسجلا موقفا مصريا واضحا تجاه أحداث أمريكية داخلية، وهو ما أصاب نائبة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بقدر من التشنج، ومن ثم استخدمت فى ردها على بيان الخارجية المصرية لغة أقرب إلى «كيد النسا» منها إلى الردود الدبلوماسية. تحية إلى الخارجية المصرية وهمسة فى أُذن «الداخلية» بأن المطلوب منها أن تكون قدوة ونموذجا فى تطبيق القانون والموازنة بين أمن الدولة والمواطن من ناحية والحقوق والحريات من ناحية ثانية.