بشىء من الغضب يتحدث بعض أكبر الصحف الإسرائيلية عن كيف كان الجنود الإسرائيليون يمارسون مهمتهم القذرة فى قتل أطفال غزة وهم يأكلون محشى ورق العنب مع سلطات الطحينة وبابا غنوج المعبأة فى علب خاصة!! الغضب لا يأتى من قتل الأطفال العرب، فهذه مهمة إسرائيل منذ خرجت إلى الوجود، ولا من محشى ورق العنب الذى تعوّد عليه جنود إسرائيل، وإنما الغضب «أو فى الحقيقة ادعاء الغضب» يأتى من أن المحشى قادم من تركيا، التى يزايد رئيس وزرائها أردوغان فى ادعاء معاداة إسرائيل حتى على الفلسطينيين أنفسهم!! بالطبع تكتفى صحف إسرائيل بالحديث عن «المحشى» ولا تتحدث عن علاقات عسكرية وثيقة بين تل أبيب وإسطنبول لم تتأثر يوما بالثرثرة الفارغة أو الألاعيب السياسية المتفَق عليها، ولا تتحدث عن أسلحة إسرائيلية ما زالت تُباع لتركيا، ولا عن تزويد الطائرات الحربية الإسرائيلية بالوقود عبر تركيا! بعيدا عن «مسخرة» الحديث عن «المحشى» التركى، لا المجزرة ومن شارك فيها.. دعونا نسأل: ماذا فعلت تركيا لمساندة الشعب الفلسطينى، وهو يواجه المذبحة؟ أوقفت كل جهودها لمحاربة مصر «لا إسرائيل». زايدت وحرَّضت لمنع وقف إطلاق النار فى الأيام الأولى، ثم اصطحبت ربيبتها الصغيرة «قطر» إلى مؤتمر باريس، لتبيع المقاومة الفلسطينية وليتم الإعلان عن مقايضة نزع سلاح غزة مقابل بعض المساعدات المالية!! هذه هى حدود الدور التركى - القطرى، ولا يمكن أن تنتظر غير ذلك من دولة أساسية فى حلف «الناتو» ومن دويلة تحتضن القاعدة العسكرية الأمريكية الكبرى خارج الولاياتالمتحدة، ومركز قيادة العمليات الأمريكية التى خرجت منها الطائرات الأمريكية لتضرب فى أكثر من دولة من دول المنطقة!! لعبة توزيع الأدوار لا ينبغى أن تنسينا أن المخطط واحد، وأن الهدف ليس إلا إغراق المنطقة العربية فى الفوضى، وضرب كل مصادر القوة فيها، وإعادتها تحت الهيمنة الخارجية، وإسدال الستار على أى أحلام عربية بالنهضة والاستقلال والتقدم. فى لعبة توزيع الأدوار ستجد تركيا «بعد أن أدت مهمتها فى تدمير سوريا» تقف صامتة على إرهاب «داعش»، وهو يلتهم نصف العراق ويقترب من حدودها!! وستجد إيران على الناحية الأخرى لا يهمها إلا تثبيت الانقسام الشيعى - السُّنِّى لكى تستغله فى مد نفوذها!! وستجد الغرب، الذى كان يُقيم الدنيا ولا يُقعدها إذا حدثت «خناقة» بين مسلم ومسيحى لكى يدّعى الدفاع عن حرية الأديان، يقف صامتا بينما المجازر تتم على أيدى «داعش» وأشباهه، ومئات الآلاف من أشقائنا المسيحيين العرب يخرجون بملابسهم فقط طلبا للنجاة من إرهاب حقير يتاجر بالإسلام البرىء من هذه الجرائم التى لا يُقدِم عليها إلا عملاء يؤدون دورهم فى حماية قوى أجنبية تعرف ما تريد، وتطلب منا أن نلغى عقولنا ونصدق أن بضعة آلاف من المتخلفين يستطيعون وحدهم أن يتحولوا إلى قوة قاهرة فى أسابيع وتنتقل من هدم سوريا إلى غزو العراق إلى بدء الهجوم على لبنان وتوجيه التهديدات إلى باقى الدول العربية من الأردن إلى الخليج إلى شمال إفريقيا! فى لعبة توزيع الأدوار لن تجد فارقا يُذكر بين إرهاب إسرائيل وإرهاب «داعش»، ولا بين ما يجرى فى سورياوالعراق وبين ما يجرى على حدودنا فى ليبيا.. وستجد أردوغان، الذى كان يحلم باستعادة الخلافة العثمانية، يسلّم بوقوع العراق تحت حكم خليفة آخر، يطلب البيعة له ول«داعش»!! وستجد طهران، التى تدّعى التحدث باسم الشيعة، تراقب وتنتظر نصيبها من الصفقة على حساب العرب، سنةً وشيعةً!! وستجد أوروبا لا تتحرك إلا دفاعا عن مصالحها البترولية والمالية!! وستجد أمريكا، التى أشعلت المأساة، تبدو مثل أسد عجوز فقد السيطرة على كل ما يجرى!! وسط هذا كله تقف مصر كنقطة ارتكاز أساسية، هى الهدف الأساسى للمؤامرة، وهى الباب الذى لا يوجد غيره لإنقاذ الموقف، تتحرك مصر لبناء التحالف المنشود لمواجهة الكارثة التى تهدد المنطقة، بينما الإصرار مستمر لإشعال الحدود الشرقية والغربية، فى ليبيا تسير الأمور من سيئ إلى أسوأ، وفى غزة يريد البعض استمرار المأساة ليتواصل شلال الدم الفلسطينى، بينما لعبة توزيع الأدوار تفرض على قطروتركيا المزيد من التحريض ضد مصر، وتفرض على إسرائيل أن تهدد بمنع استيراد محشى ورق العنب من عند أردوغان!!