قال نبيل عبد الفتاح، خبير الحركات الإسلامية، أن الحركة الإسلامية السودانية كانت أمامها فرصة ذهبية لإنتاج تجديدات تختلف عما هو سائد في العالم السني، تمكن السودان من لعب دورا بارزا إفريقيا وعربيا، إلا أن صراع النخبية في السودان أدى إلى تغيرات كثيرة أنهكت فكرة الدولة الحديثة وأجهضت الوحدة. جاء ذلك خلال الندوة التي عقدت بمكتبة البلد الأحد ، حول كتاب (الحركة الإسلامية السودانية تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ) للمحبوب عبد السلام، الذي كان أحد كوادر الحركة ومن أقرب الشخصيات لقائدها حسن الترابي، ليسجل شهادته صادقة على أهم الأحداث التي وقعت خلال ما سمي بعهد الإنقاذ، ويقر بعدة أخطاء وقعت فيها الحركة بقوله: أكثر شيء افتقدناه في جبهة الإنقاذ هو الصدق مع الشعب والذات. وتعتبر تجربة الكتابة من الداخل التي خاضها المؤلف حالة نادرة في الوطن العربي، حسب وصف عبد الفتاح. وأشار خبير الحركات الإسلامية إلى أن أسلمة المؤسسة العسكرية في بلد متعدد كالسودان أدت إلى المزيد من التفكك والتناقض بين مكوناته الرئيسية، ساعد على ذلك، (السرية) داخل الحركة الإسلامية، وتناقضها مع ما يعلن ويحدث على أرض الواقع، مضيفا، أن وصول الحركة للسلطة في السودان عن طريق الانقلاب رغم نفي الترابي في الماضي احتمالية حدوث ذلك أضعف كثيرا من قوة أيديولوجيتها في الشارع السوداني الذي كان من الممكن أن يمنح الحركة الثقة دون الحاجة لأي انقلابات لو أنها صبرت قليلا. من جانبه، أكد المهندس أبو العلا ماضي، وكيل مؤسسي حزب الوسط، أن الطريقة التي أدارت بها مصر علاقتها بالسودان في الماضي، كانت السبب الرئيسي في انفصال السودان عنها، وهي نفس الطريقة التي تدير بها السودان علاقتها مع الجنوب الآن، القائمة على التجاهل، والتقليل من شأن مطالبها. وأيد ماضي رفض الترابي الانضمام للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، معللا ذلك، بأنه لم يكن من السهل على الترابي أن يسلم قياده لمن كانوا على رأس الإخوان في ذلك الوقت للفرق الفكري الشاسع بينهما. وأضاف بقوله: الحركات الإسلامية تحملنا كإسلاميين وذر تجاربها، حتى أننا نتحرج من الذهاب إلى بعض البلدان التي حادت فيها الحركات الإسلامية عما وعدت به. مؤكدا أن الحركة في السودان لم تقدم حتى مجرد نموذج المستبد العادل! وأشار، إلى أن الأنظمة العربية تتبنى التعددية دون تداول للسلطة، وتتعامل مع الشعوب كمرضى تعطيهم جرعات دمقراطية واحد على مليون كل مائة عام حتى لا يصابوا بسكتة ديمقراطية على حد وصفه مؤكدا أن من يولد معارضا في الوطن العربي، يبقى معارضا حتى دخوله القبر، ومن يولد في السلطة، يبقى فيها حتى دخوله القبر! واختتم ماضي بقوله: أن من أكثر النقاط التي اختلف فيها الإسلاميين مع الترابي، هي موافقته وتأييده لنميري في إقرار ما سمي بتشريعات سبتمبر سيئة السمعة، مؤكدا أنه لم ينقذ الترابي من هذا الحرج والتناقض إلا اعتقاله من قبل النميري نفسه في آخر أيام حكمه. بينما انتقد الحاج وراق، أحد كوادر الحركة الشيوعية، في السودان المشروع الإسلامي برمته، بقوله: الدولة الدينية أكذوبة تنتهي إلى شر محض، مدللا على كلامه بدعوى أن أي نظام إسلامي أو عقائدي يبطش بالناس أكثر من أي نظام شمولي، لظنه أنه ينفذ كلام الله ومشيئته. وأورد وراق محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا كمثال على تفكك الحركة الإسلامية في السودان، متسائلا: إذا لم يكن الترابي على علم بعملية اغتيال رئيس دولة سيقوم بها جهاز الحركة السري، فكيف سيعلم بأمر الاعتقالات والتعذيب؟ وأضاف، أن الحركات الإسلامية منذ معاوية تتطور تحت نظم استبدادية، لذلك تكون النتائج واحدة في الغالب، فالأسس التي قام عليها فكر حسن البنا، هي نفس المنطلقات التي تحرك منها الترابي، والأخطاء التي وقع فيها البنا، هي نفس الأخطاء التي وقع فيها الترابي.