مئات العمال يقيمون سرادق عزاء رمزيًّا فى مقر الاتحاد احتفالا باستقالة الحكومة كأن التاريخ يعيد نفسه، نفس الموقف الذى تعرضت له حكومة عصام شرف، عندما فشلت فى إدارة هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، عاد ليواجه حكومة الببلاوى، بعد الحصار العمالى الذى طوقها خلال الأسابيع الماضية، وجاء ملف «الحد الأدنى للأجور» بمثابة المسمار الأخير فى نعش الحكومة، التى بدت عاجزة عن التعامل مع التصعيد العمالى بالإضراب، على الرغم من تباهى الحكومة المستقيلة بوضعها مشروع القانون، فإن فشلها فى تطبيقه كان أحد أسباب محاصرتها بالإضرابات العمالية، بدءا من إضراب عمال غزل المحلة، مرورا باعتصام «طنطا للكتان»، و«غزل شبين»، و«المراجل البخارية»، ثم الضربة القاضية التى تلقتها حكومة الببلاوى على يد هيئة النقل العام التى دخلت إضرابا كليا أول من أمس، امتد إلى 28 جراجا، كان بمثابة المسمار الأخير فى نعش الحكومة المرتعشة، التى لم تجد أمامها سوى الفرار من المشهد السياسى برمته، بعد أن غطت الاحتجاجات العمالية أغلب المحافظات، وزحف الغضب العمالى إلى أسوار مجلس الوزراء التى عكست شوق العمال إلى حياة كريمة جاءت على شكل ملصقات، امتلأت بها الجدران الشاهدة على أفول شمس حكومة الببلاوى.
سياسة وزراء الببلاوى كانت أحد الأسباب الداعية أمس إلى قيام 10 شركات من قطاعات مختلفة، بتنظيم مظاهرة حاشدة أمام مقر مجلس الوزراء، جمعت بين عمال 6 شركات لهيئة استصلاح الأراضى، و«غزل شبين»، و«طنطا للكتان»، و«المراجل البخارية»، و«كفر الدوار»، الذين حملوا نعشا كبيرا وانطلقوا به فى محيط مجلس الوزراء، ورددوا هتافات من بينها «لا إله إلا الله.. حكومة الببلاوى توفاها الله»، وجاء على رأس مظاهر الاحتفال الطريف، ما قامت به شركة «طنطا للكتان» التى قررت عمل عزاء للحكومة من باب الترفيه والدعابة، إلا أن الأغرب فى الأمر أنه من المقرر حضور مئات العمال إلى مقر الاتحاد للاحتفال فى هذا العزاء، بانتصار إرادتهم، ورحيل حكومة العجزة والفشلة كما وصفوها.
كمال الفيومى القيادى العمالى بغزل المحلة، أكد أن الحكومة فشلت فى إقرار الحد الأدنى من الأجور، مما كان سببا فى جميع المشكلات التى واجهتها، فقد أعلنت عن قيمة الحد الأدنى إلا أنها فشلت فى تطبيقه على قطاعات ومؤسسات الدولة، ولم تستطع اتخاذ قرار بشأنه لخوفها من أصحاب النفوذ من رجال الأعمال، مضيفا أن تعسر تطبيق الحد الأدنى كان السبب الذى وقف وراء أغلب الاحتجاجات العمالية التى واجهت الحكومة فى الفترة الماضية، والتى عجلت برحيلها بعد محاصرتها بالتظاهرات العمالية فى كل مكان، وأمام جميع الهيئات والمؤسسات المنوط بها إصدار القرار.
جمال عثمان قيادى عمالى بشركة «طنطا للكتان»، أكد أن العمال فور استماعهم خبر إقالة الحكومة انطلقوا مكبرين ومعلنين سعادتهم بهذا القرار، لأن تلك الحكومة العاجزة فشلت فى علاج مشكلات العمال، وأحبطت جهودهم، وكانت إقالتها أمرا واجبا فى هذا الوقت، لافتا إلى أنه ومئات العمال حضروا منذ الساعات الأولى من صباح أمس «الإثنين» لمحاصرة مجلس الوزراء، وكان أهم مطالبهم إقالة الحكومة التى لا تحترم أحكام القضاء.
حكيم محمد، عامل بالهيئة العامة للبريد، قال إنهم تظاهروا لليوم الثانى أمام مقر الهيئة العامة للبريد، ودخل عدد كبير من مكاتب البريد فى إضراب عن العمل للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وكشف عن ادعاءات الحكومة بقولها إن العاملين بالهيئة يتقاضون آلاف الجنيهات، إلا أن هذا غير صحيح على الإطلاق، فهناك مئات العمال يتقاضون ما بين 700 و1000 جنيه راتبا شهريا، ولم تتم زيادة أجورهم أو حتى إدراجهم فى الحد الأدنى للأجور، وهذا ما دفعهم إلى الاعتصام، مؤكدا أن الحكومة خافت من إعلان شمول الهيئة للحد الأدنى للأجور، لأنها لا تستطيع الاقتراب من الحد الأقصى فى الهيئة لخوفها من أصحاب النفوذ بها، وضعفها عن التعامل معهم.
محمد جمال، أحد عمال شركة «إبيسكو»، قال إنهم تظاهروا أيضا للمطالبة بتعيينهم بالشركات التى يعملون بها، بدلا من شركة «إبيسكو» التى تقوم بدور مقاول بالباطن، مشيرا إلى أن عمال الشركة انتابتهم حالة من السعادة الجنونية فور علمهم بإقالة تلك الحكومة التى جلسوا للتفاوض معها مئات المرات دون فائدة، بينما عجز وزير البترول عن إيجاد حل لمشكلاتهم، مؤكدا أن عمال «بتروجت» حضروا أكثر من جلسة تفاوض لإعادتهم إلى العمل، إلا أن الوزير لم يستطع اتخاذ أى قرار بشأنهم، ليضيف مزيدا من الفشل فى سجل تلك الحكومة.
بدوى فتحى، أحد القيادات العمالية بهيئة النقل العام، قال إنهم طرقوا أبواب جميع المسؤولين، وأعطوا عشرات الفرص لحل الأزمة، إلا أنهم لم يجدوا من يستمع إليهم، فهناك أجور بالهيئة تتراوح ما بين 500 و700 جنيه، ولا يكفى هذا الراتب لإطعام أسر هؤلاء العمال العيش الحاف، إلا أن الأمل راود العمال عندما أعلنت عن حد أدنى للأجر 1200 جنيه، غير أن العمال فوجئوا بأن راتبهم لم يزد جنيها واحدا، وهذا ما أثار غضب العمال، ومع ذلك أعطوها أكثر من فرصة، ولم يجدوا بدا من الدخول فى الإضراب العام عن العمل، معتبرا أن هذا الإضراب الأخير كان النواة التى قسمت ظهر البعير، وأجبرت الحكومة على الاستقالة، لأنهم فوجئوا بتوقف 28 جراجا عن العمل، ولم يستطيعوا إيجاد بدائل، فضلا عن التظاهرات التى حاصرت المجلس، مؤكدا أن إضرابهم سبق أن هزّ عرش حكومة شرف والجنزورى، ولم ولن يستطيع أحد أن يجبر العمال على التوقف عن المطالبة بحقوقهم على مدار الحكومات الخمس التى سبقت الثورة، لتلحق بهم حكومة الببلاوى العاجزة.
رجب أحمد، عامل بشركة «كفر الدوار للغزل والنسيج»، أكد أنهم ما زالوا يحتجون، وكان لخبر استقالة الحكومة أثر واضح فى الفرحة التى طغت على العمال الذين قطعوا شريط السكك الحديدية عشرات المرات فى عهد حكومة الببلاوى، وآخرها احتجاجهم فى نهاية الأسبوع الماضى، وكانوا قد أخذوا قرارا وأعلنوا عنه بالتظاهر أمام مجلس الوزراء فى نهاية هذا الأسبوع، بل أرسلوا وفدا منهم للتظاهر والاعتصام أمس أمام مقر مجلس الوزراء مع عمال «طنطا»، و«غزل شبين»، مؤكدين أن فشل الحكومة فى التعامل مع أقوى قطاعات الدولة، وهم العمال، هو الذى أتى بنهايتها وأطاح بها، لافتا إلى أن سبب احتجاجهم الرئيسى كان المطالبة بحد أدنى عادل للدخل، ففوجئوا بانقطاع مرتباتهم لمدة 3 أشهر، واستثنائهم من الحد الأدنى، كأنهم يتقاضون آلاف الجنيهات، على الرغم أن منهم من يتقاضى 300 جنيه راتبا، مؤكدا أن قطاع الغزل مأزوم، وحكومة الببلاوى أعلنت عشرات المرات أنها ستضخ استثمارات فى هذا القطاع لإنعاشه، إلا أنها لم تستطع تنفيذ ما وعدت به.
عادل عبد الرحمن، قيادى عمالى ب«غزل شبين» قال إنهم يعتصمون منذ 3 أسابيع، وتظاهروا أمام مجلس الوزراء فى 4 وقفات احتجاجية متتالية، إلا أن هذه الاحتجاجات لم تؤت بنتيجة، وفشل مجلس الوزراء فى تفاوضه مع العمال، نظرا لعدم وجود أى حلول للمشكلات العمالية المتكررة، فى وجود عجز حكومى، وفشل ذريع، ورغم عقد جلسات تفاوض بشأن «غزل شبين»، الصادر حكم بعودتها وضخ استثمارات للعمل بها، فإن الحكم لم ينفذ، وما زالت الشركة متوقفة عن العمل حتى الآن، بينما ما زال العمال مشردين.