يعتقد البعض أن إعادة فيلم قديم برؤية جديدة في إطار واقع مختلف يعد إفلاساً فنياً وأن الغرض الحقيقي لمثل هذه الأعمال الفنية هو تحقيق ربح تجاري وهي لا تتجاوز أبداً الإطار الذي صنعه الفيلم الأول، والحقيقة هي أن الإبداع قائم في عمقه علي زوايا الرؤية المغايرة للسائد في الأفكار المطروحة دائماً علي مشاعرنا وإذا كانت إعادة تقديم الأعمال الفنية القديمة مرتبطة سينمائياً بتلك الأفكار التي تستند إلي سينما الخيال العلمي، حيث الكائنات الخرافية والغزو الفضائي وتقديم الزمن القادم في ظل صناعة صارت توفر عن طريق الكمبيوتر جرافيك والأبعاد الثلاثية رحابة سينمائية لم تكن متوفرة من قبل إلا أن المشاعر في إطار واقع اجتماعي مختلف من الممكن أن تسمح للسينمائي بأن ينزل نفس التجربة. يمثل كوريا الجنوبية فيلم «الخادمة» للمخرج «آي إم سنج سو»، وهذا الفيلم إعادة برؤية عصرية لفيلم قديم حمل نفس الاسم وتولت مؤسسة «مارتن سكورسيزي» المخرج العالمي الشهير مسئولية ترميمه قبل نحو عامين وعرض في المهرجان في هذا الإطار التراثي علي اعتبار أنه واحد من كلاسيكيات السينما العالمية.. الفيلم الجديد قدم بعد 50 عاماً من خلال قصة ميلودرامية ولكنها تحمل إدانة أخلاقية لطبقة المجتمع الراقي في كوريا، حيث يبدأ الفيلم بمشهد لفتاة تنتحر في هذه المدينة الصاخبة «سول» ولا يدري أحد سر انتحارها بل إن الحياة يبدو وكأنها أيضاً لا تتوقف كثيراً أمام هذا الانتحار والذي نراه فقط من خلال رسم علي الشارع يوضح موقع حادث الانتحار.. الفيلم يترك كل الإجابات مفتوحة لماذا انتحرت هذه الفتاة؟! وينطلق بعد ذلك مباشرة إلي بطلة الفيلم «جوت دويون» التي تعمل خادمة في منزل أحد الأثرياء دورها رعاية طفلة أصحاب المنزل ورعاية أيضاً الزوجة الحامل في شهورها الأخيرة.. الخادمة تعيش الإحباط لعدم قدرتها علي الإنجاب ولهذا تم طلاقها ويبدأ صاحب البيت في إقامة علاقة جنسية معها وتستجيب له وتحدث المعجزة لتصبح حاملاً في أسابيعها الأولي.. وتبدأ المساومات من أجل التخلص من الجنين ولكن قبل ذلك نري مؤامرة للتخلص من الخادمة بالقتل وينتهي الفيلم بانتحار البطلة داخل هذا القصر بعد أن ربطت عنقها بالثريا العملاقة في أعلي السقف ثم احتراقها، وكان الفيلم يجيب عن السؤال المفتوح الذي رأيناه في بداية أحداث الفيلم لماذا انتحرت تلك الفتاة الفقيرة؟! ليحمل إدانة للطبقة التي تريد أن تشتري كل شيء بالمال.. وبعد أن نري الدمار والحريق تغادر الأسرة هذا القصر.. يقدم المخرج رؤية خيالية للأسرة مع الخادمة وكأنها صورة نسجتها ابنة هذه الأسرة التي تعلقت بهذه الخادمة وتعاطفت معها وكانت شاهدة إثبات علي كل المحاولات السابقة للتخلص منها.. ويبقي لنا الحديث عن الكثير من الأفلام منها فيلم المخرج «مانويل أوليفيرا» البرتغالي والذي يحمل «102» عام علي كاهله ولكنه يتحرك بكل شباب وحيوية في جنبات المهرجان.. ويقدم أيضاً فيلماً رائعاً «الحالة الغريبة» لإنجليكا. يقدم «مانويل» مفردات صارت كثيراً ما تتكرر في أفلامه وهي العلاقة مع الموت وأيضاً لأنه كاتب السيناريو والحوار لمعظم أفلامه فهو يضيف لمحات فلسفية تتجاوز الواقع لتحمل أفكاره هو.. الموت لا يعبر عنه المخرج برهبة أو خوف ولكن ببساطة شديدة يري أن الحياة لقطات ومن الممكن تثبيت اللقطة الأخيرة وبالتالي يتجاوز الإنسان الموت.. بطل الفيلم مصور فوتوغرافي يهودي الديانة واختيار الدين هنا لا يشكل قيمة درامية استند إليها ولكنه مجرد رسم لملامح البطل.. «الحالة الغريبة» عنوان الفيلم هي أنه مطلوب منه تصوير فتاة في ثوب الفرح غادرت الحياة.. الأم تريد منه أن يختار زوايا لتصويرها داخل النعش بعد أن ارتدت ملابس العُرس. في إحدي اللقطات يحرص «مانويل أوليفيرا» علي أن نري العروس من خلال عدسة المصور ويتصور للوهلة الأولي مثل البطلة أنها لا تزال علي قيد الحياة فهي تبتسم له وعلي الفور تأتي اللقطة التالية وهو يتابع نظرات المجتمعين حول النعش منتظراً أن يشاركوه نفس الإحساس ولكن لا أحد رأي ذلك.. منذ تلك اللحظة يعيش البطل مع تلك الفتاة «إنجليكا» ليست باعتبارها كابوساً يؤرقه ولكنه يعيش معها أحلاماً باللقاء.. يخرج بالكاميرا بعد ذلك إلي الفلاحين ويقدم أغانيهم ويلتقط صورهم وتجتمع هذه الصور في غرفته بالفندق وبين الحين والآخر تستحوذ عليه «إنجليكا» ويطير معها لأعلي ويسبحان في الفضاء ثم يصحو من الحلم.. حتي تأتي اللقطة الأخيرة عندما يفتحون عليه باب الحجرة ويعثرون علي جثته بعد أن طارت روحه لأعلي مع «إنجليكا».. عندما سألوا المخرج عن علاقته الشخصية بالموت وعلاقة الموت أيضاً في أفلامه قال لهم إنه أحد طقوس الحياة ولهذا أتعامل معه ببساطة.. وتلك البساطة التي أشار إليها المخرج رأيناها في التعبير المباشر عن الموت بالظلام، حيث إن الحجرة أغلقت علي المصور لينتشر الظلام ولكن يتبقي في الذاكرة تلك الابتسامة الساحرة للبطلة «إنجليكا» وهي التي انتصرت علي الموت.