المحلل الأسبق بالبنك الدولى: يجب أن نتخلى عن شعارات «نحن أعظم شعب».. لأننا لسنا كذلك «العدالة الاجتماعية»، المطلب الثالث لثورة 25 يناير والصداع المزمن فى رأس حكوماتها المتتالية، وبعد عامين ونصف العام على الثورة التى أطاحت بنظامين، تظل العدالة الاجتماعية مطلبًا قائمًا، ولم يتحقق بعد، وحاولت الحكومات تلخيصه فى الحد الأدنى للأجور ولم يفلح الأمر بعد.
حول العدالة الاجتماعية وفشل الحكومات المتتالية فى تحقيقها والتوقعات المتواترة بارتفاع معدل الفقر فى مسح 2012 - 2013 المنتظر إعلانه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، كان ل«الدستور الأصلي» حوار مع الدكتورة شيرين الشواربى، أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والمحلل السابق بالبنك الدولى، وأحد مؤسسى المبادرة المصرية للتنمية المتكاملة التى تهدف لمواجهة تحديات التنمية الاقتصادية والحد من معدلات الفقر.
توقعات أكيدة بزيادة أعداد الفقراء فى مسح 2012 - 2013 لتباطؤ معدلات النمو
■ ما تقييمك للوضع الاقتصادى الراهن فى ظل المؤشرات الحالية؟
- بداية، لا بد أن يكون هناك اقتناع من جميع الأطراف أن الوضع الحالى للاقتصاد المصرى ما هو إلا نتاج مشكلات معقدة ومركبة، وأن حلها يتطلب تضحيات من جميع الأطراف، وصناعة القرار الجيد هى التى تجعل تكلفة الإصلاح يتحملها القادر أكثر من غير القادرين، لكن الجميع سيتحمل التكلفة، ولا بد أن نفهم أن تأجيل الإصلاح يرفع من تكلفته والتعجيل بالإصلاح وتصحيح المسار ومعالجة الاختلالات الهيكلية سيخفض حتمًا من تكلفة الإصلاح.
■ والإصلاح مهمة من؟
- يخطئ من يتخيل أن الحكومة وحدها قادرة على حل المشكلات الاقتصادية، لأن أى دولة تتكون من حكومة ومؤسسات وشعب.
■ لكن من الطرف الأكثر تقاعسًا فى تنفيذ الإصلاح؟
- لا نستطيع أن نضع معدلات أو درجات، لكن الأمر الواضح للجميع أن كثيرين من الشعب لا يعملون، ونعيش على شعارات مثل نحن أعظم شعب فى العالم، على الرغم من أننا لسنا كذلك، لأنه لا توجد أمارات على ذلك، وربما كنا يومًا ما أعظم شعب فى العالم، أما الآن فلا، نحن أعظم ثورة قامت لا شك فى ذلك، لكن ماذا بعد الثورة؟ أحسن ما فى الشعب ظهر خلال ال18 يومًا للثورة، أما أسوأ ما فيه هو السائد بعدها. دعينى أوضح أننا لا نحل المشكلات بالوزارات فقط ولا بالمؤسسات فقط، لأن الأساس فى الإنتاج هو الشعب، إذا كانت البلد واقفة فما الحل؟ نستسلم أم نقاوم لنغير هذا الواقع، ونخلق حلة حراك، وهذا دور الشعب.
■ وماذا عن الحكومة الحالية؟
- لنتفق على أن أسهل شىء هو انتقاد الحكومة وتوجيه اللوم لها لبطء اتخاذ القرارات، لكن لم يدخل أحد من هؤلاء المنتقدين لأداء الحكومة المطبخ السياسى وسدة الحكم، وكل من دخل مطبخ الحكومة من أساتذتنا الكرام يخرج بنتيجة هامة، وهى أن الوضع صعب، ولا يحل بالنظريات، ويزيد المسائل تعقيدًا الطموحات العالية للمواطنين، فيذهلنى فى الإعلام الخبراء الذين يحلون مشكلات مصر كلها، وإذا تم تمكين أحد من زمام الأمور لن يفعل شيئًا، لأن المشكلات متراكمة منذ سنوات، وتوقعات المصريين عالية، ومشكلة الحكومة الحقيقية أنها لم تقدم كشف حساب لسابقتها قبل توليها العمل، ولم تصارح المواطنين بحقيقة الوضع الاقتصادى، حتى ينخفض سقف طموحاتهم لحين تجاوز الأزمة، كما أن الحكومة لم ترسم خريطة واضحة للأهداف الاقتصادية والاجتماعية بجدول زمنى واضح لتهدئة الشارع وإشراكه والمجتمع المدنى فيها، فعلى سبيل المثال تتحدث الحكومة باستمرار عن الحد الأدنى للأجور، ولم نسمع أى كلام عن الإنتاجية فى مقابل الحد الأدنى للأجور.
■ على ذكر الحد الأدنى للأجور، لماذا فشلت حكومات الثورة المتتالية فى تحقيق العدالة الاجتماعية؟
- الفشل يأتى نتيجة فهم المواطنين الخاطئ لحقوقهم إلى جانب عدم جرأة الحكومة على مواجهة الرأى العام بالحقائق الاقتصادية المرة.
■ ماذا تقصد بالفهم الخاطئ للحقوق؟
- الناس تعتقد أن الحد الأدنى للأجور هو الوجه الوحيد للعدالة الاجتماعية، على الرغم من أن الحد الأدنى ما هو إلا نتيجة للعدالة الاجتماعية وليس وجهًا من وجوهها.
■ وما معنى العدالة الاجتماعية الذى لا يفهمه الناس؟
- العدالة تعنى توزيعًا عادلًا لثمار النمو والتنمية بطريقة عادلة، وعلى الرغم من كل التدابير التى يمكن اتخاذها لضمان عدالة التوزيع فإن هناك عددًا من المواطنين لا يمكن أن تشمله عدالة التوزيع، ما يمكن معالجته من خلال عمل شبكة ضمان اجتماعى. والعدالة تعنى أيضًا توفير خدمات تعليمية وصحية جيدة يستطيع من خلالها الشباب الحصول على فرص عمل حقيقية ولائقة ومحترمة.
■ وهل تحقق الشق الأول من العدالة المتعلق بتوزيع ثمار النمو؟
- لم يكن هناك نمو من أساسه خلال الفترة الانتقالية التى سبقت الانتخابات الرئاسية ولا بعدها، وبالتالى ما الذى أطالب بتوزيعه؟ المفارقة أن قبل الثورة كانت معدلات النمو مرتفعة، ولم يكن هناك عدالة فى توزيع ثماره، أما بعد الثورة فنطالب بالعدالة على الرغم من عدم وجود معدل للنمو، ومن ثم فالعدالة هنا تكون فى الفقر، لذا فالشق الأول من العدالة الاجتماعية مفقود لعدم تحقق معدلات نمو حقيقية، ما يمكن معالجته من خلال توفير فرص عمل حقيقية ولائقة وتعليم وخدمات صحية تساعد على إدماج من هم خارج المنظومة لداخلها، ما يتحقق معه معدلات تنمية يمكن بعدها دراسة توزيع ثمارها.
■ وهل سعت أى حكومة للثورة لتحقيق الشق الثانى للعدالة والمتعلق بالتعليم والصحة وفرص العمل؟
- لم يتحدث أحد قط عن تطوير التعليم العام ولا الفنى، بل تتحدث حكومات الثورة طول الوقت عما إذا كانت الثانوية العامة سنة أو سنتين وإعادة السنة السادسة للتعليم الابتدائى من عدمه، طول الوقت تتحدث الحكومة فى الشكل لا المضمون.
■ باعتبار أن العدالة ستكون فى الفقر نظرًا لعدم وجود نمو، أين نحن من مؤشرات الفقر؟
- لدينا دراسات تؤكد أن 10% من الشعب المصرى يعانون من فقر مزمن، أى أنهم أقل من خط الفقر طول الوقت، وخط الفقر كان مقدرًا له 180 جنيهًا للشهر للفرد بأسعار 2011، بينما يوجد 25% من المصريين تحت خط الفقر، فى حين يوجد 15% أحوالهم متغيرة بالنسبة لخط الفقر يندرجون ويستبدلون على فترات، كما يوجد تقديرات مختلفة لأنواع أخرى من خط الفقر والفقراء، إذ إن هناك خط فقر آخر يندرج تحته من نطلق عليهم الضعفاء، والمقصود بهم كل من جرب أحد أنواع الفقر، وتؤكد مؤشرات هذا النوع أن 50% من المصريين جربوا الفقر فى الفترة ما بين 2005 و2008 والمفارقة هنا أنها الفترة التى حقق فيها النمو معدلات مرتفعة قاربت من حاجز 8%.
■ وماذا عن تقديرات الفقر للفترة التالية للثورة خلال السنتين الماضيتين؟
- الأرقام الرسمية لم تصدر بعد، لكن لا جدال فى أنها ستعبر عن ارتفاع معدلات الفقر بسبب تباطؤ النمو، إذ إن العلاقة بين النمو والفقر عكسية، ولا بد أن نستهدف هؤلاء الفقراء ببرامج نقدية وعينية وتشغيل أكبر عدد منهم فى مشروعات البنية التحتية، إضافة إلى ضرورة عمل بطاقات ذكية للعلاج يتم من خلالها تقديم رعاية صحية للفقراء على أن تتحمل الحكومة التكلفة.
■ لكن فكرة البطاقات الذكية سواء للصحة أو البنزين أو حتى التموين والغاز لم تثبت نجاحًا إلى الآن؟
- لأن نجاح الفكرة يتطلب استهداف الفئة المقصودة، التى تعانى بشكل حقيقى، لا أن تستهدف البطاقات الذكية كل مصر، وقبل هذا لا بد من توفير التمويل اللازم، الذى يتم من خلاله استهداف هذة الفئة، ما يمكن حدوثه من خلال إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، فعلى سبيل المثال قضية الدعم الذى نتعامل معه على أنه أمن قومى، والجميع يخشى الخوض فيها، دفع بوصول الدعم إلى غير مستحقيه، إذ نجد أن 80% من الشعب المصرى لديه بطاقات تموينية، وهو لا يستحق، والكارثة أن 20% من الفقراء لا تصل لهم بطاقات التموين.
■ لكن الدعم معضلة ليست وليدة الثورة، إنما من بداية الألفينيات وهى تبحث عن حل؟
- لأن القضية مرتبطة بما نسميه الاقتصاد السياسى، الذى يظهر فى خوف الحكومة من ردة الفعل الشعبية حال التعامل مع القضية أو المساس بها، رغم أن إصلاح هيكل الدعم سيكون مجديًّا على المدى البعيد والمتوسط، والحلول موجودة فى ادراج الحكومة منذ 2009 ولم يجرؤ أحد على طرحها، ففى كل سنة أسعى لرضاء الشعب فى حين أن الحكومة يمكن أن ترضى الشعب من خلال إقناعه بالإصلاح وليس من خلال الحفاظ على ركود الحالة، وإعادة هيكلة الموازنة العامة ليس المقصود بها تخفيض العجز من خلال تخفيض الإنفاق، إنما نعنى به إعادة استخدام موارد الموازنة العامة لاستهداف الفقراء من خلال شبكة الضمان الاجتماعى.
■ وما أهم البنود التى يجب إعادة هيكلتها فى الإنفاق العام داخل الموازنة العامة؟
- أولا، يجب أن نهتم بالحوكمة والمقصود بها الحكم الرشيد والشفافية والمحاسبة التامة للأطراف القائمة على المال العام، وعن بنود الموازنة التى يجب إعادة النظر فيها وتحويل مواردها للضمان الاجتماعى هو بند الأجور، ويتم معالجته من خلال الحدين الأدنى والأقصى، وكذلك إعادة النظر فى ال6 ملايين موظف إجمالى عدد العاملين بالقطاع الإدارى، وهو عدد يفوق احتياجات القطاع بمراحل.
■ لكن لا نستطيع تسريح هؤلاء الموظفين؟
- نعم، لا نستطيع تسريح هؤلاء، لكن خلق فرص عمل حقيقية بضمانات قانونية فى القطاع الخاص والاستثمارات المختلفة سيجذب عديدًا منهم، إضافة إلى أن التخفيف من الضمانات الجديدة لبقاء الموظفين فى أعمالهم الحكومية، التى تدفع الشباب للإقبال عليها يجب ربطها بالإنتاجية واللا مركزية واختفاء البيروقراطية، كما أنه يجب تغيير ثقافة الوظيفة الواحدة مدى الحياة، وهى الثقافة التى يمكن بناؤها من خلال تحسين مهارات الشباب المهنية وتأهيلهم بشكل يمنحهم الثقة فى الحصول على فرص عمل فى أى وقت، وأى مكان فى الظروف العادية للبلد، ووقت الحراك الاقتصادى، ولا يمكن إنجاز ذلك حاليًا على المدى القصير، إنما يجب حاليا زيادة العدد فى أضيق الحدود، بمعنى أن ما يدخل للقطاع يكون أقل من عدد المتقاعدين منه. وإلى جانب ترشيد بند الإنفاق على الأجور يجب كذلك إعادة النظر فى بند الإنفاق الحكومى وشراء السلع والخدمات دون الإخلال بتقديم خدمات جيدة للمواطنين.
■ تختلف وجهات النظر حول دور المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولى وصندوق النقد فى مكافحة الفقر، فماذا ترين؟
- لا نستطيع وضع قاعدة لدور المؤسسات الدولية بالنسبة إلى الفقر، فلا يمكن أن نقول إنها تسهم فى القضاء عليه، ولا يمكن كذلك تأكيد أنها تزيد معدلاته فى الدول التى تتعامل معها والمؤسسات الدولية، لكن لديها برامج نجحت فى بعض الدول وفشلت فى البعض الآخر، وأرجعت المؤسسات الدولية فشلها فى بعض الدول إلى عدم اتباع حكوماتها البرامج الإصلاحية المطروحة من قبل المؤسسات، وحتى نكون منصفين وأنا عملت خبيرًا اقتصاديًّا فى البنك الدولى أن هناك مجموعة من الاقتصاديين فى المؤسسات الدولية لا تطرح حلولًا إجبارية، إنما تطرح حلولًا متعددة لإصلاح الاقتصادات المريضة، وعلى الدولة أن تختار أو تضع حلولًا بديلة تؤدى إلى نفس النتيجة التى تريدها المؤسسة.